كشفت دراسة جديدة عن استمرار وجود حسابات ذات صلة بتنظيم داعش الإرهابي على منصة فيسبوك، لافتةً إلى أنها تعتمد على "المراوغة" ترويجاً لمحتواها من دون أن يتم رصدها.
أصرت شركة فيسبوك، في العامين الماضيين، عبر تقرير الشفافية الخاصة بمنصتها الاجتماعية، على أنها "تكشف وتحذف 99% من المنشورات المتعلقة بالإرهاب"، أي نحو 26 مليون قطعة محتوى، يتم الإبلاغ عنها بعد الحذف. لكن هذا يثير التساؤلات عن النسبة المئوية المتبقية من منشورات كهذه.
تتبع معهد الحوار الإستراتيجي (ISD)، في الدراسة التي أعدها وأعلن نتائجها في 13 تموز/ يوليو، 288 حساباً على فيسبوك على صلة بشبكة معينة لداعش على مدى ثلاثة أشهر.
في الأثناء، صرحت منصة فيسبوك بأنها "لا تتهاون مع الدعاية الإرهابية"، موضحةً أنها أزالت غالبية هذه الحسابات الآن".
اختراق ثغرات المنصة
ووثّقت الدراسة كيف تمكنت هذه المجموعة من استغلال ثغرات في أنظمة الإشراف الآلية واليدوية على فيسبوك، لـ"تسجيل عشرات الآلاف من المشاهدات لموادها".
ومن أساليب بعض هذه الحسابات للمراوغة، مزج مواد الحساب مع محتوى منصات إخبارية حقيقية، بينها أخبار تلفزيونية مسجلة أو استخدام الموسيقى المرافقة لنشرات أخبار كالمعتمدة في بي بي سي نيوز.
في الوقت نفسه، اخترقت الشبكة حسابات على فيسبوك تنشر مقاطع فيديو لتعليم جهاديين آخرين كيفية القيام بهذه العمليات.
ورصدت الدراسة شبكات لمؤيدي "داعش" هدفها "التآمر وإعداد وشن غارات إلكترونية" على صفحات فيسبوك أخرى، بينها صفحات لقادة عسكريين وسياسيين أمريكيين.
وقال المعهد إنه شاهد عملية نشر تعليمات موجهة لمتابعين بغرض إغراق أقسام التعليقات في المواقع بمواد إرهابية.
وبيّن استهداف إحدى الهجمات صفحة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على فيسبوك عبر حسابات مزيفة لأمريكيين من أصول أفريقية. وكذلك وضع صور لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001 على صفحات تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية وأكاديمية القوات الجوية.
سيطرة على مناطق نفوذ رقمية
ولاحظ باحثو المعهد، في 7 نيسان/ أبريل الماضي، قيام سلسلة من حسابات تويتر بإرسال روابط "حفلة مشاهدة جماعية" على فيسبوك. واعتبر الباحثون ذلك "جزءاً من محاولة منسقة للسيطرة على ‘مناطق نفوذ رقمية‘ عبر فيسبوك".
الشبكة، التي سلطت الدراسة الضوء عليها، شاركت محتوى فيديو بإرسال الرابط عبر منصات مثل تليغرام وواتساب ومواقع خاصة بداعش وساوند كلاود. وحصل الفيديو على عشرات آلاف المشاهدات.
ويعتقد الباحثون أن مستخدماً في هذه الشبكة تمكن من إدارة نحو ثُلث (90 من أصل 288) ملفات التعريف على فيسبوك، فيما كان، في بعض الأحيان، يتباهى باحتفاظه بـ100 حساب وصفها بـ"غنائم حرب". وقال: "إنهم يحذفون حساباً، وأستبدله بـ10 حسابات أخرى".
تحقق للمستخدم ذلك من خلال تسجيله أرقام هواتف حقيقية في أمريكا الشمالية، والبحث عن حسابات فيسبوك متصلة بها. وعندما يحدث التطابق يُطلب إرسال رمز إعادة تعيين إلى رقم الهاتف، وهذا ما يمنع صاحب الحساب الأصلي من استخدامه ويمهد لاستخدام ملف تعريف فيسبوك لنشر المحتوى.
سبل مراوغة لسياسات الحذف
عدا ذلك، نبّه الباحثون إلى "مفتاح آخر" لبقاء محتوى داعش على فيسبوك، يتمثل في الطريقة التي تعلّم بها مؤيدو التنظيم تعديل محتويات الحسابات للتهرب من الضوابط.
وتعددت الأساليب في هذا السياق، ومن أبرزها:
-تقسيم النص واستخدام علامات ترقيم غريبة للتهرب من أي أدوات تبحث عن الكلمات الرئيسية.
-عدم وضوح علامة تنظيم داعش أو إضافة مؤثرات خاصة للفيديو المنشور على فيسبوك.
-إضافة علامة تجارية لبث محتوى إخباري خاص بمحتوى داعش. وكان فيسبوك قد حاول تطوير طرق لتجنب إزالة المحتوى الإخباري الذي يتضمن مقتطفات من مواد خاصة بالتنظيم. وسعت الشبكة الموالية للتنظيم إلى استغلال ذلك.
على سبيل المثال، جرى تداول مقطع فيديو لداعش يبدأ بثلاثين ثانية من محتوى لقناة "فرانس 24" الإخبارية قبل أن يعرض 49 دقيقة من فيديو لفرع التنظيم في العراق. في حالة أخرى، تم مزج موسيقى مقدمة نشرات "بي بي سي نيوز" بأغنية شعبية للتعتيم على المحتوى الخاص بداعش.
بهذه الطرائق، استطاعت الشبكة المرتبطة بداعش "التكيف، والتفلت بسهولة فيما تنقل المحتوى من حساب إلى آخر"، وفق الدراسة.
وبينما وُجد أن غالبية هذه الحسابات اعتمدت لغات مثل التركية والإندونيسية والألبانية، رجح باحثو المعهد عدم وجود إشراف كبير على هذه الحسابات مقارنة بحسابات داعش باللغتين العربية والإنكليزية.
وعبر حساب باللغة الإندونيسية، وجد الباحثون مقطع فيديو صُوّر في مطبخ لرجل مقنّع يشرح كيفية صنع المتفجرات باستخدام أدوات منزلية.
الفيديو حصد 89 مشاهدة، وأعيدت مشاركته عبر 41 حساباً آخر باللغتين الإندونيسية والعربية، تم الإبلاغ عنها لإدارة فيسبوك.
تطوير أنظمة وسياسات فيسبوك
وأثناء إزالة الحسابات، سخر أعضاء الشبكة الداعشية من فيسبوك علناً، قائلين إنها "لا تفهم الطريقة التي يمكنها بها التعامل على المنصة".
وأوضح معهد ISD أن الشبكة التي سلطت عليها دراسته الضوء ليست إلا "جزيرة واحدة في أرخبيل من الشبكات المستقلة والموجهة نحو نشر المحتوى الإرهابي على فيسبوك"، لافتاً إلى أن ذلك يقدم أمثلة على ما يمكن رؤيته عبر البحث اليدوي، وأن هذا التحليل بحاجة إلى التوسع والتشغيل الآلي لفهم النطاق الحقيقي للتحدي وطبيعته.
وعلق مصطفى عياد، الباحث في المعهد والمشرف على الدراسة: "تقريرنا يتناول سلوك المراوغة لحسابات تدعم تنظيم داعش على فيسبوك"، مشيراً إلى أنها "عملية غوص عميق داخل أعمال شبكة دعم إرهابية واحدة، مرتبطة بعدد من الشبكات الأخرى عبر المنصة".
وحذر من أن "الأساليب التي نسلط الضوء عليها في تقريرنا تتغير أثناء حديثنا. وإذا لم نفهم هذه الشبكات وسلوكياتها، فإن طرق الاستجابة التي تعتمد عليها عمليات الإزالة لن تنجح في قمع التوسع المتصل بدعم التنظيم عبر المنصات الأساسية".
ورأى المعهد أن أنظمة الكشف الآلي واليدوي في فيسبوك بحاجة إلى تحديث، إضافة إلى إجراء تحقيقات استباقية بشأن تكرار الحسابات المسيئة وعلاقاتها بالحسابات الأخرى على المنصة. ونبّه إلى ضرورة إعادة المنصة فحص بروتوكولات أمان الحسابات، والتعرف على كيفية تخريب المستخدمين هذه الإجراءات الأمنية.
في المقابل، صرح متحدث باسم فيسبوك للمعهد بأن الشركة "أزالت أكثر من 250 حساباً تمت الإشارة إليها في التقرير، وتراجع الحسابات الـ30 المتبقية وفقاً لسياساتنا".
وختم: "لا نتهاون مع الدعاية الإرهابية على منصتنا، ونزيل المحتوى والحسابات التي تنتهك سياستنا لدى التعرف عليها".