سامي خليفة:
يروي توماس هيغهامر سيرة حياة الشيخ عبدالله عزام بدءًا من مولده في فلسطين وعلاقته بأسامة بن لادن، حتى اغتياله في ظروف غامضة في عام 1989 في بيشاور في باكستان.
"إيلاف" من بيروت: قبل أسابيع، أصدر الباحث النروجي توماس هيغهامر كتابه "القافلة: عبد الله عزام وصعود الفكر «الجهادي» العالمي" The Caravan: Abdallah Azzam and the Rise of Global Jihad (المكون من 712 صفحة، منشورات جامعة كامبريدج، 15 يورو)، يتتبع فيه سيرة عبدالله عزام، الأب الروحي لـ "العرب الأفغان"، ودوره في نشأة «حركة جهادية» عبر وطنية في ثمانينيات القرن الماضي.
الأب الروحي
يُعتبر رجل الدين الفلسطيني المتشدد الذي ألهم وحشد العرب للقدوم إلى أفغانستان لمحاربة الاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي، أهم شخصية «جهادية» قبل ولادة القاعدة والعواقب المستمرة لهجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة.
بعد الانسحاب السوفياتي من أفغانستان في عام 1989، وقع "الجهاديون" في مأزق بعد اختفاء الهدف الأساسي الذين جاءوا من أجله إلى باكستان وأفغانستان. وفي هذه الفترة، دعا عزام إلى تحويل هدف «الجهاد» من أفغانستان إلى فلسطين، بينما فضلت مجموعة من المتشددين العرب وعلى رأسهم المصري أيمن الظواهري استمرار "الجهاد" في أفغانستان.
وسط ذلك، اندلع القتال بين فصائل «الجهاد» الأفغاني، وانفجرت سيارة عزام في بيشاور ليلقى حتفه. وحتى اليوم لم يُعرف المسؤول عن اغتيال عزام، حيث توزعت الاتهامات، وإذا كان تحديد من وراء اغتياله مازال مجهولًا، فالمعلوم أنه الأب الروحي لأسامة بن لادن و«الجهاديين» العرب.
حياة عزام
حجة هيغهامر الرئيسة في الكتاب تدور حول أن عزام كان مسؤولًا عن تدويل «الجهاد» من خلال تفسيره لاهوتيًا على أنه واجب. كان هذا على خلاف مع منظري الإخوان المسلمين الذين بشروا بالمعارضة المحلية للأنظمة العلمانية الاستبدادية مثل مصر وسوريا والعراق وليبيا. لكنه قال إن الطابع القمعي لتلك الأنظمة هو الذي جعل "الجهاد يتجه صوب العالمية".
يستكشف الكتاب سنوات عزام الأولى في الضفة الغربية التي تم ضمها للأردن عندما كان في العاشرة من عمره، لينضم بعدها إلى جماعة الإخوان المسلمين، أكبر منظمة إسلامية في الشرق الأوسط. في عام 1967، عندما انتهت حرب الأيام الستة بانتصار إسرائيلي ساحق، فر للانضمام إلى المجاهدين، كما أطلقوا على أنفسهم ، في تلال شمال الأردن، حيث شنوا غارات على القوات الإسرائيلية. وبعد عام 1970، انتقل إلى السعودية، وحاضر في الشريعة، وأقام روابط قيمة حين أصبح مفهوم الوحدة الإسلامية شائعًا بشكل متزايد.
أدار عزام مكتب الخدمات في بيشاور، الذي قدم الدعم اللوجستي والتدريب إلى نحو 7 آلاف "أفغاني عربي" وصلوا من جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتحدي من أسمونهم "الكفار الروس" الذين غزوا أفغانستان في عام 1979.
رواية الإسلاميين
حظيت فلسطين بأهمية كبيرة عند عزام، وامتد عداءه المستمر لإسرائيل إلى المواقف اللا سامية التي أطلقها باستمرار. كما عبّر مرارًا وتكرارًا عن مقته منظمة التحرير الفلسطينية و"الخونة اليساريين الملحدين". كما يجب التنويه بأن غالبًا ما يتباهى أنصار حركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة المحاصر، باسمه.
يفضح هيغهامر الأسطورة المفضلة لدى اليسار بأن حوادث 11 سبتمبر كانت "رد فعل سلبيًا" ضد الولايات المتحدة التي روجت للـ«جهاد المناهض للسوفيات» في أفغانستان لمصالحها الخاصة في الحرب الباردة.
يوضح أن وكالة المخابرات المركزية البريطانية كانت غير مبالية إلى حد كبير بالمجاهدين العرب، ووجدتهم ضعيفين عسكريًا، وركزت بدلًا من ذلك على دعم الأفغان، على الرغم من الوكالة لاحظت أن عزام يتمتع بقدرة الوصول من دون عوائق إلى الولايات المتحدة لجمع الأموال والتجنيد.
يقول هيغهامر في الكتاب: "في رواية الإسلاميين الذي يصورون أنفسهم بأنهم ضحايا، والتي تطورت منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، يُنظر إلى الدول الغربية على أنها شريرة عازمة على قتل المسلمين وإذلالهم. لقد غاب أي أثر للاعتراف بالدعم الذي قدمه الغرب إلى المقاومة الأفغانية. وهذا يدل على أن الحقائق التاريخية يمكن أن تكون ملتوية إلى ما لا يمكن التعرف إليه في الروايات ذات الدوافع الأيديولوجية".
من قتل عزام؟
مع ذلك، يعترف هيغهامر بأن عزام تمتع بسمعة هائلة كواعظ كاريزماتي جلب قصصًا عن البطولة (كان الموضوع المفضل هو دم الشهداء الذين يشمون رائحة المسك) من ساحة المعركة وألهم المجاهدين بخطب لا تُضاهى. فقد كان مسوقًا بارعًا ونال إعجاب عدد ضخم من المسلمين في جميع أنحاء العالم.
ينسب هيغهامر مقتل عزام - أكبر لغز جريمة في تاريخ «الجهادية» - في تفجير بيشاور، إلى المخابرات الباكستانية أو الأفغانية بدلًا من تنظيم القاعدة أو وكالة المخابرات المركزية الأميركية أو المخابرات السوفياتية أو الموساد الإسرائيلي، وهي قائمة محتملة للمشتبه بهم تثبت مدى تأثير الشيخ عبد الله عزام.
يتعامل كتاب "القافلة" مع موضوع حساس ومثير للجدل، وهو نتيجة عقد أو أكثر من العمل، ومبني على مقابلات، وثروة من المصادر الأولية..