هشام ملحم:
مرة أخرى يثير مسلسل رمضاني حول اليهود ووجودهم في دول ذات أكثرية عربية جدلا حادا من غير المتوقع أن يحسم أي من الأسئلة والشكوك والخلافات والصور النمطية التي تثار في مثل هذه الجدالات.
هذه المرّة يدور الجدل حول مسلسل "أم هارون" الكويتي الذي تعرضه قناة MBC السعودية ويسرد المسلسل قصة طبيبة يهودية في الكويت في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، والتحديات التي واجهتها مع أسرتها في أعقاب إنشاء إسرائيل. ما رشح عن الحلقات الأولى من المسلسل هو أنه يرسم صورة إيجابية لعلاقات اليهود بمحيطهم العربي المسلم، والتعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع.
الجدل دار ولا يزال يدور بين من ينتقد المسلسل ويعتبره أداة سياسية تمهد لتطبيع علاقات بعض دول الخليج، وتحديدا السعودية، مع إسرائيل، في ضوء سياسات ولي العهد محمد بن سلمان الذي يرى في إسرائيل حليفا محتملا في مواجهته مع إيران التي يرى أنها الخطر الأكبر على السعودية وجيرانها، ومن يرى المسلسل على أنه ينقل صورة واقعية عن حياة اليهود في بعض المجتمعات العربية قبل إنشاء إسرائيل، وقبل الهجرات اليهودية، وتفاقم التمييز ضدهم في السنوات والعقود التي عقبت أول حرب بين الدول العربية وإسرائيل.
الصورة الإيجابية لتعايش اليهود والعرب التي يرسمها المسلسل في حلقاته الأولى تختلف جذريا عن الصور البشعة في المسلسلات العدائية لليهود مثل "فارس بلا جواد" أو "الشتات" والتي تنضح بكراهية واضحة وصور نمطية لليهودي المتآمر والخائن، والتي تستلهم كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون" وهو كتاب ملفق وخيالي ولا أساس له من الصحة نشر للمرة الأولى في روسيا في 1905 ويتحدث عن اجتماعات سرية لقادة يهود للتآمر ضد روسيا أولا ووضع "خطط سرية" للسيطرة على العالم لاحقا.
الكتاب يشيطن اليهود ويبيح ضمنا هدر دمهم. وساهم الكتاب في العقود اللاحقة في تأجيج العداء لليهود في أوروبا وإلى حد أقل في الولايات المتحدة كما يتبين من كتابات الصناعي (فورد)، وساهم في تحويل القرن العشرين حين وصلت حرب هتلر ضد اليهود إلى محرقة هائلة، إلى أبشع قرن لليهود خلال تاريخهم الطويل.
خلال ربع القرن الماضي ومع انتشار ظاهرة الفضائيات العربية، ارتبط شهر رمضان بعرض مسلسلات من إنتاج استديوهات مصرية وسورية وتركية وغيرها معظمها يوصف "بالتاريخي" وإن كان معظمها لا علاقة له بالتاريخ الحقيقي للحقبة التي يتمحور حولها المسلسل، أو حافل بالمبالغات والمغالطات والصور النمطية.
وإذا كان المسلسل حول شخصية تاريخية أو دينية، فهو قطعا مسلسل تبجيلي ولا يتضمن أي تقويم نقدي أو موضوعي للشخصية المعنية. النماذج والمقتطفات التي شاهدتها من بعض هذه المسلسلات أو قرأت عنها، جعلتني أتمسك أكثر بموقفي السلبي منها.
لهذه المسلسلات، وأيضا المسلسلات التركية "العاطفية"، أثر سلبي على المجتمعات العربية ذات الأكثرية المسلمة لأنها باسم الترفيه، والتعريف بتاريخ متخّيل، تساهم في تجهيل المشاهدين بحقيقة تاريخهم، كما تساهم في تسخيف حياتهم الاجتماعية والثقافية، وتسويق رمضان وتحويله من شهر يفترض بالمؤمن خلاله أن ينكر ذاته، وأن يتأمل في واقعه بنوع من الزهد، ومساعدة المحتاج إلى شهر للاستهلاك والأكل والمآدب الباذخة والتخمة، بدلا من الإفطار المتواضع، وتضييع ساعات الليل الطويلة في مشاهدة مسلسلات معظمها لا يستحق المشاهدة.
تسويق رمضان في السنوات الأخيرة، مماثل إلى حد كبير لتسويق عيد الميلاد في المجتمعات الغربية ذات الأكثرية المسيحية، وتحويله إلى موسم للتبضع والاستهلاك والانفاق. اعتراضي لا يتوقف على المسلسلات "التاريخية"، بل أيضا على المسلسلات التركية. قبل بضعة سنوات نشرت مقالا في موقع مجلة Foreign Policy عن الدول العربية التي تعيش في ظل جيرانها الأقوى منها: إسرائيل وتركيا وإيران، وأشرت فيه إلى ما اعتبره نوعا من الإفلاس الثقافي، لحضارة عربية خلقت في ماضيها السحيق أعمالا أدبية خيالية لا مثيل لها مثل "ألف ليلة وليلة" وغيرها، ولكنها الآن تتعاقد مع شركات الإنتاج التركية لكي "تتخيل" نيابة عنها، لكي تقدم لها واقعا افتراضيا عبر "أبطال" أتراك يخاطبونهم بلغة مدبلجة. هذه الظاهرة التي كانت طاغية وشعبية للأسف في حقبة رومانس العرب مع حاكم تركيا "الطيب" رجب إردوغان، قبل أن يخرج عليهم دون قناعه العلماني.
كنيس ماغين أبراهام في بيروت خلال ترميمه عام 2010
عودة إلى اليهود والعرب المسلمين. منذ فجر الإسلام، هناك إشكالية في علاقة اليهود والمسلمين بدأت بعلاقة النبي محمد مع يهود الجزيرة العربية. هذه الإشكالية جعلت علاقات الطرفين معقدة للغاية ولأسباب دينية وسياسية عديدة، ليس أقلها مركزية التعاليم والتقاليد اليهودية في الإسلام، ورفض اليهود اعتناق الدين الإسلامي، وغياب الندية في العلاقة، لأن اليهود مثلوا فئات صغيرة عدديا في مجتمعات المشرق العربي والمغرب العربي وكذلك في الأندلس، التي سيطرت عليها ولا تزال ـ باستثناء الأندلس ـ أكثرية عربية مسلمة.
وعلى الرغم من مراحل التوتر التي مرت بها العلاقات بين الطرفين، إلا أن الأقليات اليهودية في المجتمعات العربية ـ المسلمة لم تتعرض إلى الاضطهاد والتمييز الخانق والمجازر التي تعرضت لها الأقليات اليهودية في مجتمعات أوروبا الشرقية والغربية في مجتمعات كانت خاضعة للكنيستين الأرثوذوكسية والكاثوليكية. وربما كانت علاقات اليهود والمسلمين في القرون الوسطى في الأندلس من أفضل فترات التعايش والتفاعل بين الطرفين.
ولعل سيرة موسى ابن ميمون، الذي ولد في قرطبة في 1135 وتوفي في القاهرة في 1204، وهو أشهر وأهم شخصية يهودية في القرون الوسطى، خير دليل على ذلك. عاش ابن ميمون مع العرب والمسلمين في قرطبة وتأثر بالفيلسوف ابن رشد وغيره من الشخصيات الفكرية المسلمة وإن انحصرت كتاباته بالديانة اليهودية والتلمود.
بعد أن اجتاح الموحّدون قرطبة واعتمدوا سياسات تمييزية وعنفية ضد المسيحيين واليهود من بينها إرغامهم على اعتناق الدين الاسلامي، فّرت عائلة موسى ابن ميمون (وكذلك ابن رشد) إلى مدينة فاس المغربية، وبعدها إلى فلسطين، وأخيرا انتقلت إلى القاهرة، التي كان يحكمها آنذاك الناصر صلاح الدين الايوبي، الذي عين ابن ميمون طبيبه الخاص، وطلب منه الإشراف على الجالية اليهودية في القاهرة، حيث وضع كتابه الشهير "دلالة الحائرين".
ما يجعل ابن ميمون شخصية فريدة، وخاصة من منظور النزاع بين العرب والإسرائيليين في العقود الماضية، هو أن العرب واليهود يدعون "ملكية" ابن ميمون وأقاموا له التماثيل وأعطوه التكريم الذي يستحقه. ولكن الحقيقة هي أن الطرفين محقين بملكيته، ولا يحق للعرب وحدهم أو لليهود وحدهم الاستئثار به. حين سيطر الإسبان على كامل الاندلس وسقوط غرناطة، فرّ يهود الأندلس إلى المغرب وإلى الإمبراطورية العثمانية الصاعدة، حيث تم الترحيب بهم والاستفادة من مهاراتهم وخبراتهم.
قبل قرن من الزمن، كان اليهود منتشرين في مجتمعات عربية عديدة، وكان لهم حضور ثقافي واقتصادي وحتى سياسي في مدن المشرق العريقة من القاهرة والإسكندرية إلى حلب ودمشق، مرورا ببيروت وانتهاء ببغداد.
وكان اليهود موجودون أيضا في اليمن، حيث لهم تاريخ عميق. كما تواجدوا بأعداد صغيرة في البحرين والكويت. يعتبر حزقيال ساسون، الذي عين أول وزير للمالية في العراق في 1920 ربما من أشهر وأهم الشخصيات السياسية والبرلمانية اليهودية في العراق والعالم العربي في فترة ما بين الحربين العالميتين. آنذاك زاد عدد اليهود في العاصمة العراقية عن عشرين بالمئة.
ساسون، السياسي الذي لم يكن له أي طموحات شخصية، هو الذي بنى المؤسسات المالية في العراق قبل استقلاله، وساهم في صياغة أول دستور للعراق. انتخب ساسون مرارا في البرلمان العراقي، ونظرا لخبرته كبرلماني اعتبر والد البرلمان العراقي. في 1925 أصر ساسون خلال مفاوضاته كوزير للمالية مع شركة النفط البريطانية أن يحصل العراق على عائداته النفطية بالذهب وليس بعملة الستيرلينغ، لأنه كان يدرك أن العملات تعلو وتهبط ولكن الذهب يبقى ذهبا. وبعد مقاومة أولية رضخت الشركة لطلبه. لاحقا عندما هبط سعر الستيرلينغ تبين للعراقيين مدى حكمة ساسون.
خلال حقبة ما بين الحربين العالميتين كان لليهود في هذه المدن ذات الأكثرية العربية حضور ثقافي واقتصادي متميز. مساهماتهم في الموسيقى والسينما، وخاصة في مصر فاقت بكثير حجمهم الديموغرافي. كنا نستمع إلى ليلى مراد دون أن نبالي بخلفيتها اليهودية، كما لم نبال بخلفية اسمهان الدرزية، أو صباح المسيحية.
عراقي يسير أمام منزل مهجور في الحي اليهودي في مدينة الحلة العراقية
هذه المرحلة المنفتحة، والتي يسميها البعض المرحلة "الليبرالية" أو الكوزموبوليتانية لم تكن دون سلبياتها. هذه المدن كانت جزر مزدهرة تضيء لياليها المسارح ودور السينما والمطاعم وغيرها من المرافق الفنية والاقتصادية. وكان سكان الريف المغمورون بالظلام يراقبون هذه الأضواء المتلألئة بحسد واستياء.
الأنظمة الملكية التي حكمت خلال هذه الفترة، بمعظمها، لم تبق في السلطة بما فيه الكفاية لمعالجة هذا الخلل الاقتصادي والاجتماعي السافر. ولكن الأنظمة العسكرية والقومية التي استبدلتها لم ترفع من مستوى الريف تنمويا، وأدى هدرها للمال العام وسوء إدارتها للاقتصاد وفسادها إلى تقويض التقدم النسبي لهذه المدن وتحويل بلدانهم بكاملها إلى أرض قاحلة في الريف وفي المدن.
ولكن مكانة اليهود خلال هذه المرحلة في العراق وسوريا لم تخل من النواحي الداكنة لا بل الكارثية. ويمكن تأريخ بداية النهاية ليهود العراق بعد أكثر من 2500 سنة في بلاد الرافدين بكلمة واحدة: الفرهود. في أول يونيو 1941 وفور انهيار حكومة رشيد عالي الكيلاني المتعاطفة مع ألمانيا النازية في القتال مع القوات البريطانية تعرض يهود بغداد لهجوم لا مثيل له بفظاعته (ومن هنا كلمة الفرهود) على أيدي أنصار الحكومة المهزومة بعد اتهامهم بالتواطؤ مع البريطانيين.
وخلال يومين من التقتيل الجماعي وتدمير وحرق 900 منزل، قتل أكثر من 180 يهودي مدني وجرح أكثر من ألف. تزامن الهجوم مع عيد نزول التوراة. آنذاك بدأت هجرة اليهود بأعداد ملحوظة. ومع أن بعض الذين هاجروا عادوا إلى العراق، إلا أن الهجرة استؤنفت في أعقاب الحرب العربية ـ الإسرائلية الأولى في 1948، التي شارك فيها العراق، ووصلت الهجرة إالى أوجها في عامي 1950 ـ 1951حين غادر أكثر من 120000 العراق في جسر جوي نظمته إسرائيل.
لليهود في سوريا وجود قديم، وخاصة في مدينتي دمشق وحلب. في أعقاب قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين في 1947، اندلعت تظاهرات معادية لليهود في دمشق وحلب. أدت أعمال العنف في حلب إلى قتل 75 يهوديا وجرح بضع مئات وتدمير وحرق أكثر من مئتي منزل ومحل يهودي إضافة الى بعض المعابد من بينها كنيس حلب المركزي، الذي بني في القرن الخامس، ويعتبر تاريخيا لأنه كان يحتوي على مخطوطات عبرية تعود إلى القرون الوسطى. هجرة اليهود السوريين إلى إسرائيل والغرب بدأت قبل هذا العنف، ولكن وتيرتها زادت بعد هذه المجزرة. اليوم لم يعد هناك وجود لليهود في العراق وسوريا ومصر.
هذه المرحلة الليبرالية بدأت بالانهيار بعد بروز هذه الظاهرة الانقلابية وبعد الحرب العربية ـ الإسرائيلية الأولى في 1948، والتي خلقت مأساة اللاجئين الفلسطينيين الذين إما اقتلعوا بالقوة من أراضيهم أو هربوا مؤقتا من القتال بأمل العودة إلى ديارهم لاحقا. هجرة اليهود من الدول العربية بدأت تزداد باضطراد.
طروحات الأنظمة القومية التي كانت إلى حد كبير شوفينية، وتقلص مساحة الحريات العامة التي مست باليهود وغير اليهود على حد سواء، وسياسات التنمية الاقتصادية السيئة مثل التأميم والاستيلاء على أملاك الأثرياء، والبحث عن طرف داخلي "متآمر" مع إسرائيل، لتحميله مسؤولية الهزائم، الأمر الذي أدى إلى تشكيك الكثيرين بولاء اليهود لأوطانهم ما أدى إلى إلحاق ظلم كبير بهم، كلها عوامل ساهمت في وضع اليهود أمام تحديات صعبة للغاية.
الشقيقات الإسرائيليات تاير، وليرون وتاغيل حاييم، وهن من أصل يمني وشكلن الفرقة الغنائية "أيوا" التي تستوحي من التراث اليمني
كذلك لجوء إسرائيل إلى ممارسات مشينة مثل فضيحة لافون في مصر (تجنيد يهود مصريين للقيام بسلسلة من الهجمات الإرهابية ضد أهداف مدنية داخل مصر في 1954)، أو تجنيد يهود في دول عربية للتجسس لصالحها كما حدث مع إيليا كوهين في سوريا والذي اقترب من مسؤولين بارزين في السلطة قبيل حرب يونيو 1967، كانت من العوامل التي جعلت حياة اليهود في هذه الدول العربية مستحيلة.
مع حلول العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين كان يهود المشرق العربي قد هاجروا كجماعات ولم يبق منهم إلا أفرادا معدودين. وهكذا انتهى ودون ضجيج وبهدوء جنائزي وجود هذه الجماعات اليهودية التي عاشت مع العرب قبل وبعد فجر الإسلام في مراحل عديدة متقلبة بين توتر كان يتحول أحيانا إلى عنف ثم يتطور بعدها إلى تعايش وتعاون، وهي مراحل استمرت لآلاف السنين.
معابد اليهود إما دمرت، أو تم تحويلها لخدمة أهداف غير دينية، أو أهملت كليا. أحياؤهم القديمة احتلها قادمون جدد من فقراء الريف، واختفت معظم آثارهم ووثائقهم وكل ما يشير إلى جماعات كانت حية ومنتجة ومزدهرة لقرون.
اختفوا كليا، وحملوا معهم ذاكرتهم الجماعية، بما فيها الجميل، والمحزن وحتى المؤلم. لم يحملوا فقط مخزونهم الثقافي والديني الغني، ولكنهم حملوا أيضا بعض أجمل ما خلقه العرب، مسلمين ومسيحيين، فنيا وثقافيا، وانتهى بعضهم في إسرائيل، بينما هاجر آخرون إلى أوروبا وأميركا الشمالية. بقي لديهم حنين، مثل أي مهاجر، حتى ولو كان مضطرا، إلى ضفاف دجلة في بغداد، وأحياء دمشق القديمة، ومسارح القاهرة وشواطئ الإسكندرية.
تأثراتهم العربية نسمعها في موسيقاهم إن كان في إسرائيل أم في الغرب، في مطبخهم الذي تظن أنه حلبي، وهو كذلك إلى حد كبير. اليهود مع غيرهم من الأقليات الأخرى في هذه المدن العريقة وخاصة المسيحيين من عرب وغير عرب، ويونانيين، وأرمن وغيرهم شكلوا فسيفساء ملونة وجميلة أغنت هذه المجتمعات وأعطتها أهمية تاريخية ضاعت الآن إلى الأبد.
ولكن، في الوقت الذي كانت فيه الفضائيات العربية تبث مسلسلاتها النمطية والمعادية لليهود مثل "فارس بلا جواد"، كان كتاب وروائيون عرب يكتبون برومانسية وحنين، ولكن أيضا بصورة نمطية إيجابية مبالغ فيها عن اليهود في المجتمعات العربية خلال المرحلة الليبرالية.
الزميل صاموئيل تادرس، نشر قبل ثلاثة سنوات دراسة جيدة ومثيرة عن هذه الظاهرة الجديدة، حين "اكتشف" كتاب وسينمائيون شباب من مصر والعراق وسوريا ودول أخرى اليهود الذين عاشوا في هذه المجتمعات قبل أن يختفوا.
كانت تهدف هذه المحاولات إلى تشكيل "ذاكرة" جديدة حول يهود الماضي. ولكن تادرس يرى أن هذه الذاكرة المستعادة لم تكن الذاكرة الحقيقية، بل الذاكرة المتخيلة التي تحمل في ثناياها إرث العقود السابقة. هذا "الحنين" العربي الجديد للحقبة الليبرالية ويهودها، يعطي صورة وردية وذات بعد واحد لليهود الذين لم تكن حياتهم وردية قطعا، بل معقدة للغاية كمعظم مراحل حياتهم مع العرب والمسلمين عبر التاريخ.
الجدل الراهن الذي جلبه مسلسل "أم هارون" حول علاقة اليهود بمحيطهم العربي ـ المسلم يجب أن يكون فرصة لنقاش واقعي وموضوعي لهذه العلاقة المعقدة والمتعددة الأبعاد. لا الصورة الوردية حقيقية أو مبررة، وقطعا الشيطنة والعدائية يجب أن تكون مرفوضة بشكل قاطع.
الحرة