وباء الخوف والألم - مقالات
أحدث المقالات

وباء الخوف والألم

وباء الخوف والألم

ديفيد بروكس:

 

أصدقائي الأعزاء،
الأسبوع الماضي طلبتُ منكم أن تخبروني عن صحتكم الذهنية؛ كيف تبلون في هذه الظروف العصيبة؟ لا أعلم ما كنت أتوقعه، ربما بعض القصص المبهجة حول تعاضد الأسر وتآلفها في زمن الأزمة. لكن ما وصلني منكم آلمني جداً. كان ثمة أكثر من خمس إجابات حتى الآن، ولئن كان أشخاص كثيرون صامدين، فهناك أيضاً نهر من الآلام يجري عبر العالم، نسبة مهمة من أصدقائنا وجيراننا يتألمون.
فهذه طالبة جامعية في مدينة ستايت كوليدج في بنسلفانيا، كتبت تقول إن الإغلاق بدا لها في البداية كنوع من الاستراحة، فرصة للتخلص من بعض الالتزامات، «لكن الآن، وبعد شهر تقريباً من البقاء هنا، استولى عليّ اكتئاب عميق. أصبحت شهيتي قليلة، وصرت أنام كثيراً، ومع ذلك أشعر بكسل وخمول دائمين». وتضيف: «إن مستقبلي، الذي كان يبدو مشرقاً قبل بضعة شهور بينما كنت أستعد للتخرج في مايو المقبل، يبدو الآن قاتماً ويائساً: إذ كيف سأجد وظيفة وحال الاقتصاد قد تدهور؟ وكيف سأستطيع تسديد مئات الدولارات في الشهر عندما تبدأ فواتير قرضي في الاستحقاق في أغسطس المقبل؟».
طالب آخر في سنته الجامعية الأولى من فيينا، في فرجينيا، يعيش تجربة مماثلة. آماله الوظيفية يبدو أنها تحطمت الآن إذ يقول: «لقد أمضيتُ أياماً وأنا أبكي وحيداً ويائساً بينما علِقت في منزل والدي، أجدني صعب المعشر، رغم أنني لا أريد أن أكون كذلك».
لكن المسنين والأرامل يعانون بشكل خاص من هذه الأزمة. فبالنسبة للكثير منهم، تتجلى المعاناة في الشعور المؤلم بالاشتياق إلى الأحفاد، وهشاشة العيش مع مرض يمكن أن يفتك بهم في أي وقت. أما بالنسبة لآخرين، فالوحدة المؤلمة هي التي تعتصر القلب. «إن تضافر العزلة والضغط العصبي يترك تأثيراً مضاعفاً. إني في الخامسة والستين، امرأة غير متزوجة ومن دون أسرة قريبة. إخوتي الذين ما زالوا على قيد الحياة يعيشون على بُعد ساعات من حيث أعيش. قبل ستة أشهر، توفي شقيقي الأكبر سناً (أنا الأصغر بين إخوتي). جيراني ليسوا ودودين جداً، ولا أحد منهم سألني يوماً إن كنت أحتاج لأي شيء.. أبكي كثيراً، وهذا هو وضعي الجديد. وبالتالي، حتى أختصر، أقول: إنني أشعر بأني وحيدة تماماً في هذه الأزمة ويائسة».
امرأة أخرى من فريسنو، كاليفورنيا، كتبت إليّ تقول: «أنا عادة امرأة إيجابية جداً، عفوية وسعيدة ومفعمة بالطاقة. من الأشخاص الذين يرون النصف المملوء من الكأس. غير أني في الآونة الأخيرة، بتُّ لا أستطيع إتمام يومي من دون دموع، مع نشيج في الغالب. إنني خائفة جداً على نفسي وعلى الناس جميعاً في العالم. كل الأشياء التي أحب فعلها، بتُّ اليوم أخاف من فعلها». وتضيف قائلة: «إن القلق يطرح تحدياً كبيراً هو كذلك؛ فأنا لم أعد أستطيع الأكل كثيراً. لقد سبق لي أن أُصبت بفقدان شهية الأكل المَرضي خلال فترات القلق والتوتر، جراء الطلاق والخوف من الموت وحيدة.. إلخ. وقد فقدت في الشهر الماضي أربعة كيلوغرامات من وزن جسمي. قد لا يبدو ذلك كثيراً، لكنني امرأة نحيفة وهذا يمثل 8 في المئة من وزن جسمي».
ثم إن هناك أولئك الذين يعانون أصلاً من مشاكل الصحة الذهنية، أي الأشخاص المصابون باضطرابات القلق، وقد كتبوا يقولون إنهم كادوا يصابون بالشلل جراء إمكانية أنهم لم يغسلوا أيديهم جيداً بما يكفي، وأنهم لم يعقّموا أيديهم بما يكفي، وأنهم سيتسببون في الموت لنفسهم. تقول امرأة: «لقد أعدت نفسي إلى بيت مختل جداً، فيه أجيال من الصدمات والاعتداءات الجنسية والإدمان على تناول المشروبات الكحولية والاكتئاب والقلق».
والواقع أن هناك شجاعة في الهشاشة التي تظهرونها في هذه الرسائل، إرادة شُجاعة في تقاسم مخاوفكم. هذه الفقرات تنبض بالنضج الروحي. لقد كتب لي شخص  يقول إنه يصلي كل يوم. والكثير من الناس يقرأون هذه الأيام كتب فيكتور فرانكل (عالم النفس النمساوي الذي نجا من الهولوكست). «إنني أنظر إلى هذا كنوع من الانعزال الذي يشبه انعزال الرهبان في الأديرة. آملُ أن نخرج من هذه الأزمة كأمة بشعور متجدد بالقدرة على النظر إلى الأشياء ضمن سياقها، وشعور جديد باعتمادنا على بعضنا بعضاً».
إن هذه الأزمة تذكّرني بأن هذا زمن لممارسة صداقة قوية مع بعضنا بعضاً، أن نكون نحن الأشخاص الذين يبحثون عمن يعاني من الوحدة والمشاكل. غير أنه صحيح أيضاً أن الشخصية تتشكل في أزمنة كهذه. فالناس ينظرون إلى ذواتهم بعمق، ويتعلمون بشجاعة ما يعلّمهم إياه الألم، ويصبحون أكثر حكمة نتيجة لذلك.

مع كامل التقدير والاحترام،
ديفيد

*كاتب أميركي
«نيويورك تايمز»

ترجمة الاتحاد

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث