عادل نعمان:
مشايخنا قد أباحوا وفتحوا الباب للأوغاد والسفلة للتحرش بالنساء في الشوارع، كما أباح وفتح الأجداد من قبل أبواب الجهاد يدخله الغزاة والبلطجية وأصحاب السوابق في ركابهم تحت شعار الدعوة باسم الله، وكما أباحوا زواج الصغيرة والرضيعة، فقد نبهوا عقل الرجال لاستخدامها كالكبيرة، زواجًا كان أو اغتصابًا، وكما دفعوا الناس دفعا لتغيير المنكر وتقويم المخطئ باليد كدرجة أعلى، لأن الله قد خاطب المؤمنين جميعًا بهذا، فقد تعقبوا وطاردوا الناس في الشوارع تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأصبحت العقوبة الجماعية على الملأ جائزة ومباحة، وصار حكم الدهماء والسوقة مسموحا ومشروعا، وتنفيذ العقوبة على مرأى ومسمع من الجميع مندوحا بل ومطلوبا، ولما يقولوا أن دم المسلم أعلى من دم غيره ولا يقتل به، فيجور على خلق الله ويظلمهم ويحتقرهم وهو مأمور بهذا، ولما يصرح أحد أئمتهم في محاكمة قاتل فرج فودة بأن الجريمة هي الافتئات على الحاكم فقط، تصبح رقاب العباد تحت مقصلة الجهلاء كهذا الجاهل الذي لم يقرأ كلمة واحدة عن قتيله، فقد أجاز له الشيخ تنفيذ الحد حين يمتنع الحاكم عن تنفيذه أو تعطيله، هكذا أبحنا للغوغاء والأراذل اعتلاء منصة القضاء للحكم، وفتح السجون للحبس، وسن السيوف لقطع الرقاب.
وماذا عن التحرش؟ وماذا قال مشايخنا؟ وما نقلوه عن أسلافهم؟ وكيف أسقطوا رخصة الحماية عن السافرات الكاشفات؟. فهذا شيخهم المقدس وإمامهم في الرأي يصرح علانية «إن مبالغة المرأة في تبرجها إلحاح منها في عرض نفسها على الرجال» فلما عرضت المرأة بضاعتها كما يزعم، وتناولها المشتري بالفحص والتفعيص، فقد مارس حقا دلسه الشيخ عليه، وكشف عن المستور ليقلبه ويتذوقه على هواه. أما هذا الشيخ العنتيل المتباهي المختال بذكورته، والذى لا يستطيع ترويضها أو كبح جماحها أو غض البصر كما أمره الله، يرى في عدم الحجاب تعريا، يستفز يا ولداه ذكورته التي «تنقح» عليه ليل نهار، وهو محصن بالزواج، فما بال شباب مراهق أرعن فوضوى لا رادع له من قانون أو أخلاق، الذكورة أيها الشيخ رجولة وانضباط وشهامة، إلا أنها عندك فحولة الثيران التي تستثار في الشوارع وفى حظائر البهائم. وهذا الداعية الشاب الوسيم مرتاد نوادي الصفوة، حين يصرح «لو الشباب شافوا ميكروجيب وماتحرشوش يبقوا مش رجاله» إخوتك من الشباب الرجالة المتحرشين قاموا بالواجب وتحرشوا لهم ولك، وكانوا على عهدك وعهد أقرانك صامدين وسائرين، هذه سنتك السيئة عليك وزرها ووزر من عمل بها من بعدك لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا. وهذا فضيلة الشيخ حين يروي عن الإمام جعفر الصادق «أن السافرة قد أسقطت حرمة النظر إليها» فقد أعطى حضرته الحق للرجال في مخالفة أمر الله بغض البصر، وهذا أمر عظيم للمتحرشين «أيها الرجال غضوا البصر إلا إذا كشفت وعرت فقلبوها وتفحصوها وفعصوها وتحرشوا بها» هذه فتوى جعفر الصادق يستدلون ويستشهدون بها، وهو الإمام الشيعي وما أدراك ما هو حكمهم فيهم؟. وهذا المحامى المدافع عن حقوق المظلومين، يعلن على الملأ «التحرش بالكاشفات السافرات واجب وطني» فإذا كان هذا الأفوكاتو يجهل أن الحق والعدل مجرد، ولا علاقة له بمظهر أو زي أو دين، يصبح سحب رخصة مزاولة المهنة منه هو الواجب الوطنى الأول، وهل ارتاد هذا الجهبذ قاعات المحاكم من قبل مرة واحدة، وفهم واستوعب معنى رمز العدالة مغصوبة العينين؟.
ما هذا الربط وهذا الاتصال والاقتران والوصل بين معايبنا ومثالبنا ومصائبنا وما يقال على ألسنة هؤلاء المشايخ حماة الدين والعدل والفضيلة؟ وهذا الاستعلاء وهذا الصلف وهذه الغطرسة والتكبر وهذا البغض والعداء بين طوائف المجتمع، وبين الرجل والمرأة، وبين المسلمين والعالم وبين المسلمين بعضهم بعضا؟ أليس هذا الأمر حديثا وقرين فتاوى مشايخنا؟ فما كان يوما من مساواة وتوقير واحترام بين المرأة والرجل، وما كان يوما من ود ومحبة بين المسلمين وغيرهم، وهو ركيزة من ركائز الدولة المدنية، أصبح بعد أن طلت علينا الدولة الدينية بوجهها احتقارا واستهانة واستهزاء وبغضا وكرها، وكأنها ركائز الدولة الدينية. وما كان يوما من حرية الرأي والعقيدة وهو مبدأ من مبادئ الدولة المدنية، بات بعد أن فتحوا علينا أبواب ديارنا ظلما وكبتا وإجبارا وإرغاما، وكأنه مبدأها الرئيسي، هذه الآفات وغيرها كثير على اتساعها وعمقها في نفوس الناس هي السبب الرئيسي فيما نعانيه، وإن كنتم تبحثون عن الحل فليس إلا فك هذه العروة، وفض هذا الارتباط، وفسخ هذه الوثيقة وفضها، وعودة الناس إلى القانون ليس غيره، فهو الأمان والحماية للجميع رجل أو امرأة، مسلم وغير مسلم، سني أو شيعي، الكل تحت مظلته سواء، دون تمييز أو تجبر أو ازدراء، والسد المنيع بين هؤلاء المشايخ والمتحرشين بالنساء، وإن الله ليس بظلام للعبيد
المصري اليوم