محمد يسري
في يوم الأحد الموافق 29 يونيو 2014، أعلن المتحدث الرسمي لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، في تسجيل صوتي له، عن "قيام الخلافة الإسلامية"، وعن مبايعة التنظيم لزعيمه أبو بكر البغدادي "خليفة للمسلمين".
ولم يمض كثير من الوقت حتى ساد تساؤل عن المصدر الذي استقى منه الداعشيون فكرهم وأراءهم وفتاويهم. خمسة منظرين أثرت آراؤهم في توجهات داعش بشكل ميزها عن باقي الحركات الجهادية.
أبو بكر ناجي: المنظر الاستراتيجي للتنظيم
رغم شهرته في الأوساط السلفية والجهادية، فإنه لا يوجد اتفاق على شخصيته الحقيقية. ففي الوقت الذي اعتقد فريق من الجهاديين أن ابا بكر ناجي هو الاسم الحركي للمنظر المعروف أبي مصعب السوري، اعتقد فريق آخر أنه المصري محمد خليل الحكايمة، واستند كل من الطرفين في رأيه إلى التشابه في الأسلوب والأفكار بين ناجي من جهة وكل من الرجلين من جهة أخرى.
وترجع شهرة أبو بكر ناجي، لكونه مؤلف كتاب "إدارة التوحش"، وهو الكتاب الذي لاقى شهرة واسعة داخل الأوساط الجهادية عموماً، وعند عناصر تنظيم داعش على وجه الخصوص.
الكتاب المؤلف من 112 صفحة، والذي نشر عام 2004، ومنع من التداول في الدول العربية، يتناول الحالة التي ستنشأ عقب زوال السلطة الحاكمة في مكان معين، حيث يركز ناجي على كيفية إدارة تلك المرحلة الفوضوية للوصول إلى نتائج من شأنها إقامة دولة إسلامية. كما ركز الكتاب على الطرق والتكتيكات التي يمكن بواسطتها أن يقاتل الجهاديون أمريكا وحلفاءها من الأنظمة العربية، وكيف يمكن أن يستنزفوها بشرياً ومادياً للدرجة التي تجبرهم على التراجع.
ورغم أنه من المرجح أن الناجي قُتل قبل قيام داعش، إلا أنه من المؤكد أنه كان صاحب تأثير كبير في قيامها، عن طريق أفكاره التي دعا فيها إلى إقامة دولة مركزية إسلامية ثابتة، وعدم الاكتفاء بمجرد توجيه الضربات، وهو ما ورد ذكره في الكتاب تحت مسمى "التحول من مرحلة الشوكة والنكاية إلى مرحلة إدارة التوحش".
أبو عبيدة الشنقيطي: درع التنظيم الواقي
يُعتبر أبو عبيدة الشنقيطي واحداً من أهم مفكري وعلماء داعش في الوقت الراهن، ورغم ذلك لا تتوافر عن شخصيته معلومات مؤكدة، فهو غير معروف في الأوساط الجهادية. وقد رجح الدكتور هاني نسيرة الخبير في الحركات المتطرفة، أن يكون هو نفسه أبو عبيدة المحرزي المراكشي الذي كان أحد تلاميذ الشيخ الألباني، ولكن هناك شك كبير في تأكيد تلك المعلومة.
وتتأتى شهرة الشنقيطي من قيام مؤسسة الغرباء، الذراع الإعلامية لداعش، بنشر عدد من كتاباته وتوزيعها على عناصر التنظيم بشكل موسع.
فعلى سبيل المثال، في 2014 صدر له كتاب بعنوان "أبلغ المعاني في نصح أبي حفص الموريتاني"، وتناول فيه بالنقد التصريحات التي أدلى بها المفتي السابق للقاعدة محفوظ ولد الوالد لإحدى القنوات التلفزيونية، كما هاجمه الشنقيطي بضراوة بسبب إساءته لأسامة بن لادن الزعيم السابق لتنظيم القاعدة، وقد نال هذا الكتاب شهرة واسعة في الأوساط الجهادية.
وفي 2014 أيضاً، نشر له كتاب بعنوان "رفع الحسام نصرة لدولة الإسلام"، وانتقد فيه طائفة واسعة من العلماء المسلمين الذين هاجموا أبا بكر البغدادي وتنظيم الدولة.
ومن الملاحظ أن معظم كتابات الشنقيطي تختص وتركز على رد الهجوم الضاري الذي يتعرض له التنظيم، وذلك عبر متابعة دقيقة لكتابات ولقاءات المهاجمين الإعلامية، مما جعل من الشنقيطي درعاً يتقي به الداعشيون هجمات أعدائهم.
كما يلاحظ أن كتابات الشنقيطي تخلو، في معظمها، من البعد العلمي والفقهي الذي يميز كتابات ومؤلفات المنظرين الآخرين التابعين لداعش.
أبو عبد الله المهاجر: المرجع الفقهي للتنظيم
المعلومات عن المهاجر قليلة جداً، كما أنه لم يظهر إعلامياً إلا مرة واحدة فقط في يونيو 2016، حين كان يقاتل في سوريا.
أبو عبد الله المهاجر المصري الجنسية، بدأ حياته الجهادية بالسفر إلى أفغانستان لقتال الروس، وهناك تعرف بقيادات تنظيم الجهاد والقاعدة، وبعد مرور وقت قصير، أضحى المهاجر واحداً من أهم قادة الفصائل الجهادية.
"تأثير المهاجر على تنظيم الدولة، لم يحدث بشكل مباشر، بل تم عن طريق وساطة أبو مصعب الزرقاوي مؤسس تنظيم التوحيد والجهاد، فالزرقاوي درس على يد المهاجر مدة تقترب من الأربع سنوات، كما أن المهاجر هو الذي أقنع الزرقاوي بشرعية العمليات الاستشهادية، وذلك بعد أن كان الأخير يرفضها رفضاً قاطعاً.
التأثير الأقوى للمهاجر على داعش، تمثل في أن كتابه "مسائل في فقه الجهاد" قد أضحى المرجع الفقهي المعتمد الذي ترجع إليه قيادات التنظيم في جميع أمورها.
فالكتاب الذي يقترب عدد صفحاته من الستمئة صفحة، يتناول العديد من الدقائق والتفاصيل الخاصة بحروب الجماعات الجهادية مع أعدائها، كما أنه يتعرض لمعلومات فقهية خلافية، مثل مشروعية خطف الأعداء وأحكام قطع الرؤوس وأحكام المرتدين من المسلمين، وكيفية التعامل مع الأسرى.
ومن العجيب أن المهاجر الذي حظي بتلك المكانة المهمة في فكر تنظيم الدولة أنهى حياته وهو يقاتل في صف أعدائها وليس في صفها، ذلك أنه كان في أيامه الأخيرة يقاتل في صف جبهة النصرة (جبهة فتح الشام حالياً)، أي أنه كان عملياً خصماً لداعش مع كونه في الوقت ذاته منظراً مهماً لأفكارهم.
وقد أعلن البنتاغون عن قتل المهاجر في نوفمبر 2016، في غارة جوية في منطقة تقع شمال شرق سوريا.
أبو الحسن الأزدي: صاحب البصمة الخاصة بداعش
لا توجد معلومات كافية عنه، وأغلب الظن أنه من أهل الخليج العربي، إذ وردت بعض الإشارات في كتبه تشير إلى ذلك.
ورغم عدم شهرته الإعلامية، إلا أن فتاويه وأراءه تحديداً أضحت هي الفتاوى التي تميز داعش عن باقي التنظيمات الجهادية الأخرى، والسبب في ذلك ما يميز تلك الفتاوي من ميل لإراقة الدماء وبعض الممارسات الوحشية الأخرى، التي أثارت رفض عموم المسلمين.
من أهم مؤلفاته، كتاب "الإجافة لشبه خصوم الخلافة" الذي نشرته مؤسسة الغرباء عام 2014، بعد إعلان إقامة دولة الخلافة بأيام قلائل. وفي هذا الكتاب يحاول الأزدي أن يثبت شرعية الخلافة المقامة وأن يؤصل لذلك تأصيلاً علمياً، من خلال الاحتكام لعدد من الظروف والمواقف المشابهة التي حدثت خلال فترة الخلافة الراشدة، وما يتصل بذلك من مسائل البيعة والإمامة والشورى. ويشي الكتاب بما لصاحبه من ثقافة تاريخية كبيرة.
إلا أن شهرة الأزدي الحقيقية تحققت بعدما وردت الأخبار عن حرق التنظيم للطيار الأردني معاذ الكساسبة، إذ قيل أن التنظيم سوف يقوم بترجمة كتاب الأزدي المعنون بـ"القسطاس العدل في جواز قتل أطفال ونساء الكفار معاقبة بالمثل" إلى اللغة الإنجليزية.
وهذا الكتاب من أهم كتب تنظيم الدولة، وذلك لأنه يؤصل للكثير من الأفعال المستنكرة التي يرتكبها عناصره، وقد حاول الأزدي أن يجمع فيه الأدلة والشواهد والبراهين التي تؤكد على جواز قتل نساء وأطفال العدو، ليس ذلك فحسب، بل أنه أيضاً أجاز فيه التمثيل بجثث الأعداء وحرقهم وقتلهم بشتى الصور.
للأزدي أيضاً كتاب مشهور بعنوان "الحجة الناهضة في بيان موقف المسلم من الرافضة"، كفر فيه عوام الشيعة الإمامية، ودعا إلى قتالهم وقتال من يقف معهم من الأنظمة العربية، ويعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب التي يستخدمها التنظيم لحشد عناصره ومقاتليه لمواجهة قوات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني في كل من العراق وسوريا.
تركي البنعلي: أصغر منظري التنظيم سناً
على العكس من جميع المنظرين السابقين، فإن تركي البنعلي هو أكثر منظري داعش الذين تتوافر عنهم معلومات واضحة.
فبحسب سيرته الذاتية المنشورة على أحد المواقع الجهادية على الشبكة، ولد البنعلي عام 1984 بمحافظة المحرق بالبحرين، ودرس العلوم الشرعية، قبل أن يقوم بتدريسها في إحدى المدارس بعد ذلك.
وكان إعلان انضمامه لتنظيم الدولة حدثاً تناقلته العديد من المنتديات الجهادية، وهناك فيديو شهير له يقوم فيه بإعلان مبايعته للبغدادي وبتلقين البيعة لعدد من عناصر التنظيم في الوقت ذاته.
ورغم أن البنعلي لم يبلغ الثالثة والثلاثين من عمره بعد، إلا أنه استطاع في غضون شهور قليلة أن يترقى في درجات التنظيم، وأن يصبح واحداً من أهم قادته ومفكريه، وساعده على ذلك مجهوده الوافر ونشاطه الجم، ذلك الذي ظهر في تصنيفه للكثير من المؤلفات التي صادفت قبولاً وانتشاراً بين عناصر التنظيم.
وتركزت جهود البنعلي، في رد شبهة خارجية الدولة الإسلامية، فكتب عدداً من الكتب التي تضفي عليها الشرعية، وحاول أن يؤصل لموقفها في رفع السلاح والجهاد من خلال إعادة قراءة موقف الإمام أحمد بن حنبل في مسألة الخروج على الحاكم، إذ تناول ذلك في كتابه المهم "امتطاء السروج في نقش شبهة موقف الإمام أحمد من الخروج".
ومن مؤلفاته الأخرى المهمة، كتاب بعنوان "مد الأيادي لبيعة البغدادي" حاول فيه أن يعثر على أسانيد شرعية توجب قيام دولة الخلافة، كما أنه في 2014 ألف كتاباً بعنوان "شيخي السابق: هذا فراق بيني وبينك" هاجم فيه شيخه السابق أبو محمد المقدسي، وفي نفس العام رد على أبي قتادة في كتابه "الإفادة في الرد على أبي قتادة".
ويبدو أن علاقته بقادة التنظيم، قد أصابها بعض الفتور في وقت ما، مما أدى إلى ظهور بعض التقارير التي أشارت إلى عزله واستتابته في يونيو 2016، ولكن تم نفي ذلك، بعدما خرج في سبتمبر من العام نفسه، في مقابلة مع إذاعة البيان التابعة لداعش، وكان موضوع المقابلة هو نعي أبو محمد العدناني المتحدث الرسمي للتنظيم.
آخر مجهودات البنعلي، كانت في مدينة سرت الليبية، حيث كان متواجداً لتدعيم مقاتلي داعش أثناء حملة البنيان المرصوص التي قامت بها القوات الحكومية، وقد تم الإعلان عن اعتقاله عقب تحرير سرت في ديسمبر 2016، في ما اعتبره الخبراء ضربة قوية للتنظيم الجهادي المتطرف.