محمد عبد اللـه
يحتاج العالم اليوم إلى مواجهة ثلاثة تحديات رئيسية من أجل إحلال السلام على كوكبنا الصغير الذي بات يتهدده الفناء ويلسعه شرار الحرب المتطاير في كل مكان.
التحدي الأول: التقارب الأميريكي الروسي والعمل على بناء علاقة تكاملية عوضًا عن العلاقة التنافسية غير الصحية. ولا يتحقق هذا التقارب إلا بقيادات سياسية تتبنى فهمًا أوسع لمسؤولياتها تتضمن الواجبات والالتزامات الإنسانية، ولاسيما أن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا قوتان عالميتان تحرك كل منهما من خلفها معسكرًا من الدول والأحزاب والأمم.
يجب أن يقوم هذا الفهم الأوسع والأشمل للمسؤوليات السياسية على إدراك واقتناع تام بالمصير المشترك للإنسانية، وأن الاقتصادات القوية تقوي جيرانها، وأن البلدان المستقرة الآمنة هي الجار المثالي المرجو. فلا أحد يخسر من أي نجاح في أي مكان، لكن تسافر نيران الفشل والجهل والتخلف وتنتقل إلى أبعد جار. ولذلك يجب أن يُبنى العمل السياسي على قاعدة أن النجاح، أيًّأ كان صاحبه، مفيد للجميع، وأن الفشل، أيًّا كان صاحبه، مضر بالجميع.
ويبدو أن الرئيس دونالد ترامب يحمل هذه النيّات ويعمل على تحقيقها للانتقال من مرحلة التنافسية وزمن الحرب بالوكالة، إلى مرحلة العلاقات التكاملية مع الند الروسي، على أمل أن يلقي هذا التقارب بظلاله على كلا المعسكرين التابعين.
التحدي الثاني: مكافحة الإرهاب - اعتادت قوى إقليمية كثيرة استخدام الإرهاب كذراع عسكرية لتحقيق مآربها. وهذه الوسيلة متوفرة دائمًا للاستخدام المؤقت العاجل، حيث الأرضية والعقلية الخصبة في البلدان الإسلامية لجمع المقاتلين، فتحارب هذه القوى الإقليمية بأقل تكلفة في أموالها ورجالها وبعيدًا عن أية التزامات إنسانية، ومن ثم تبعات قانونية.
الرئيس ترامب ضد فكرة استخدام الإرهاب من أجل خوض حروب بالوكالة، انطلاقًا من عبر التاريخ المكلفة التي أثبتت أن الإرهاب نار لا يمكن ترويضها، وانطلاقًا من إيمانه الشخصي بأن الإرهاب أيديولوجي وأسلوب حياة وعادات وتقاليد متوارثة وليس تنظيمًا مؤقتًا ينحل بعد أن تنتهي مهمته.
ولذلك، فإن أهم من مواجهة الإرهاب كتنظيم أو عدة تنظيمات (لا تنضب مواردها البشرية) هو مواجهة الإرهاب كأيديولوجية وتجفيف جميع منابعه السياسية والإعلامية وغيرها، التي جعلت حشد المقاتلين المسلمين من أيسر المهام وأسرعها. فمن دون الاعتراف بأن الإرهاب آيديولوجية وثقافة مجتمعية وعادات وتقاليد وهوية وتاريخ، وليس مجرد تنظيم، سنضطر إلى خلق مسببات وهمية للإرهاب ونسبه إلى الفقر والبطالة والجهل وغيره من شماعات قد كسرتها التنظيمات الإسلامية بقوادها الأثرياء والمتعلمين والأطباء وأصحاب أعلى الرتب الأكاديمية. أصبح بعضنا اليوم يصدق الرئيس أوباما وهو يقول إن داعش لا تمثل الإسلام، لأن هذا التصريح يتأقلم مع راحته النفسية وإيمانه. ويكذب الأزهر (ممثل الإسلام) وهو يقول إن داعش على الإسلام، ولم تأت بما يتوجب تكفيرها عليه. لا حل لمشكلة الإرهاب من دون وضع اليد على جوهر المشكلة.
التحدي الثالث: القدس يهودية مسيحية إسلامية. من دون الوصول إلى هذه التسوية، سيبقى الصراع إلى الأبد أو سيتم هضم حق إحدى الديانات. وهذا التحدي دينيٌّ بالدرجة الأولى، حيث تقع على عاتق كل دين مسؤولية إثبات ادعائه للتعايش وتقبل الآخر.
وعلى عكس التحديين السابقين، لا يملك الرئيس ترامب، كما نفهم من خلال تصريحاته، حلًا غير تقليدي مبشر لمواجهة هذا التحدي الذي يقوض فرص السلام العالمي. وربما يعود هذا إلى كونه رجل سياسة. ويحتاج هذا التحدي بالذات إلى مجهود أكبر من طرف رجال الدين.
وإلى جانب هذه التحديات العالمية الثلاثة التي تواجه الرئيس ترامب في سبيل إحلال السلام، هناك تحديان آخران يواجهانه على الصعيد الشخصي يختلفان عن باقي التحديات التي قد تواجه أي رئيس آخر، ولا بد من الإشارة إليهما.
أولًا: خاضت الولايات المتحدة حروبًا كثيرة في عهود رؤساء مختلفين، ولم تنسب أي من هذه الحروب إلى فكر الرئيس شخصيًا وربطها بمعتقداته. واليوم، وفي ظل كل هذه الاضطرابات، يبقى احتمال الحروب قائمًا. والتحدي الذي ينتظر الرئيس هو أن هذه الحرب المحتملة ستنسب إلى آيديولوجيته السياسية وتربط بشخصه مباشرةً ويُحمَّل مسئوليتها أدبيًا، بغض النظر عن القنوات القانونية التي سيتخذ فيها قرار الحرب.
ثانيًا: التحدي الآخر الذي يواجهه الرئيس ترامب على الصعيد الشخصي هو محاربته المكشوفة والمعلنة لأكبر العصابات وأخطرها، متمثلة في الإرهاب الديني ومافيا المخدرات. ومن شأن هذا أن يعرض سلامته الشخصية للخطر.