في التذكير بالفروق بين الزيدية والشيعة والحوثيين - مقالات
أحدث المقالات

في التذكير بالفروق بين الزيدية والشيعة والحوثيين

في التذكير بالفروق بين الزيدية والشيعة والحوثيين

مدى الفاتح:

 

ما دفعني للكتابة هنا هو الخلط الذي لاحظته عند بعض من يخوضون في هذا الموضوع، وهو خلط موجود ليس فقط عند العامة من رواد المجالس والمواقع الاجتماعية، بل أيضاً عند من يتحدثون إلى الإعلام بوصفهم مهتمين ومتخصصين. هنالك ميل عام لوضع «الآخر» سواء كان أفراداً أو جماعات في سلة واحدة، وهو ما أحاول عبر تفكيكه في هذا المقال أن أفكك معه نظرية «السلة الواحدة»، التي تؤشر إلى الاستسهال والكسل الفكري من ناحية، كما تؤشر إلى اتساع حالة الفوضى ودائرة التجاذبات الطائفية التي نعيشها من ناحية أخرى.
ولأنه من غير الممكن في هذا المقال، الإسهاب في بسط الاختلافات الفكرية والتمايزات العقدية بين هذه المفاهيم، فأكتفي هنا بالتركيز على الجانب السياسي الذي قد يعين على فهم تعقيدات الواقع.

ربما يكون المصطلح الأسهل والأكثر تداولاً هو الشيعة، وأصل التشيع الموالاة، والموالاة المقصودة هي موالاة سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وآل بيته. هنا يأتي ارتباط السياسي بالعقدي، حيث أن محبة علي وأهل بيته ليست بحد ذاتها نقطة خلافية مع غير الشيعة، لكن الخلاف هو في بلوغ هذه المحبة درجة من الغلو تجعله بنظرهم أفضل من أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، وأحق منهما بالخلافة.

من أجل ترسيخ هذه النظرة المغالية والمتطرفة سيلجأ الشيعة لنسج قراءة تاريخية موازية لما ثبت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وللروايات محل الثقة، بحيث يختلقون عداء وتنافساً بين الصحابة، ملفقين من الاتهامات للإمامين أبو بكر وعمر ما سيصدم عموم المؤمنين، خاصة حين يرقى الأمر لحد وصفهم بالنفاق والكفر والردة هم وغيرهم من الصحابة المقربين بعد وفاة النبي. ستنشأ أساطير كثيرة ومرويات وسيتم استغلال حوادث كمقتل سيد الشهداء الحسين بن علي، من أجل أخذ الصحابة والتابعين بدمه، رغم أن محبة الحسين جزء أصيل من عقيدة أولئك، وعقيدة أبنائهم من أهل السنة والجماعة في كل مكان وزمان.

هكذا تنشأ عقيدة جديدة مبنية على تكفير كل من رضي بإمامة أبي بكر وعمر، وعلى الحقد والرغبة في الانتقام التي وصلت، كما يخبرنا الواقع والتاريخ، لحد التعاون مع الكفار ضد المسلمين السنة، الذين يتم تصويرهم على أنهم أكثر خبثاً وشراً. ورغم أن الشيعة اليوم أمم ومرجعيات كثيرة، إلا أن الأصول التي قررتها الحقائق السابقة، تم توزيعها بدعم من الدولة الإيرانية، كنسخ أصلية ومعتمدة لعقيدة التشيع، ليس فقط داخل إيران، بل عند الأحزاب والمجموعات الموالية لها والمنتشرة في أكثر من مكان. مشكلة هذه النسخة هي رفضها للآخر وانطلاقها من تكفيره ونقض عقيدته وتحليل ماله وعرضه ودمه، ولذلك فإنها تجعل من مبدأ التعايش بين الطوائف المختلفة مبدأ مستحيلاً.

بالمقابل ظهر هناك مذهب الزيدية المنتسبين إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي سيشتهر في التاريخ المعاصر بكونه مذهب أهل اليمن. لكن قبل فهم الزيدية يجب أن نتوقف عند الفرقة التي سمتها كتب التاريخ بـ«الجارودية» نسبة لأبي الجارود الذي تماهى مذهبه مع الشيعة، وساعدهم بأن ألّف ووضع الأحاديث في مثالب الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، بل أكثر من ذلك ذهب لتكفير جميع من رضي بولاية أبي بكر الصديق، باعتبار أنه رفض تنفيذ وصية النبي المزعومة بتعيين علي. الحديث عن الجارودية مهم، لأن أتباع أبي الجارود ادعوا زوراً أنهم من الزيدية، بل حاولوا بجد احتواءها والحديث باسمها، لأن الزيدية كانت مذهباً معتبراً عند أهل السنة، وهذا يدل على أن أغلب الزيدية لم يكونوا من «الروافض». أصل الخلاف والكلمة هو أن زيد بن علي لما سئل عن أبي بكر وعمر ترضّى عنهما، في حين رفض البعض ذلك ومن هنا ولد مصطلح «الرافضة».

الجارودية هي مذهب غلاة الشيعة الاثني عشرية، ويكفي أن تعلم حتى تتضح لك الصورة أن الكتب المعتبرة تجعل من «الحوثيين» فرعاً من فروع الجارودية. هذا يفسّر العلاقة الحميمة التي تربط دولة الولي الفقيه المعاصرة بالحوثيين.

أما عقيدة الولي الفقيه نفسها فهي ليست سوى امتداد لأساطير الشيعة، التي لا تنتهي وهي بدعة جديدة حتى على مستوى عقائد الشيعة، حيث تتناقض مع عقيدتهم القديمة التي تدعو لانتظار من تسميه «المهدي المنتظر» الذي يظهر في آخر الزمان.

اختص الخميني بهذه البدعة بعد نجاح الثورة الإيرانية لأسباب منها، إضفاء الشرعية على كلمته، واليوم تحولت هذه الفكرة إلى مسلّمة وعقيدة يجب نشرها في جميع أنحاء العالم، لإثبات الولاء والطاعة لملهم الثورة ولمن يخلفه، وهو ما يمثّل بالضرورة ولاءً لـ«الجمهورية الإسلامية». كان زيد، صاحب المذهب، عالماً مجتهداً ووسطياً، أشاد به رجال عصره ومن خلفهم إلا أولئك الرافضة، الذين سارعوا إلى تكفيره وذمه كما فعلوا ويفعلون مع عموم السنة. كما قدّم علماء الزيدية ورموزهم كـ«ابن الوزير» و«المنصور بالله» و«الصنعاني» و«الشوكاني» و«المقبلي» خدمات جليلة للدين الإسلامي، خصوصاً للسنة النبوية المطهرة، وصارت كتبهم مراجع أساسية للباحثين ولدارسي العلوم الشرعية.

القارئ للتاريخ يلاحظ وجود صراع يظهر أحياناً ويختفي أحياناً بين الزيدية وطوائف الشيعة الأخرى، التي تستغل لحظات الضعف من أجل نشر مذهبها كحال شيعة اليوم الذين لا يملون من تكرار محاولات التسرب للعالم الإسلامي وللدول ذات الغالبية السنية. أحياناً تنجح جهود أولئك في تجنيد وتشييع عدد من أصحاب هذا المذهب، كما في زمن الشهرستاني، صاحب كتاب «الملل والنحل» الشهير الذي اعتبر في حديثه عن الزيدية في عصره أن جميعهم تأثر بعقيدة سب الصحابة وإثبات العصمة لعلي وآل بيته وهو ما يناقض عقيدة السنة والجماعة. بعد هذا التفريق تبرز نقاط أحب أن أختتم بها بإيجاز:

*الأولى هي أن ذلك المنهج المتطرف الذي يكفر كل ما عداه لم يكن له صوت واضح في اليمن، قبل أن يتم استهداف ذلك البلد ضمن حركة تصدير الثورة الخمينية، وقد كان لعدم وعي الكثير من قيادات المنطقة السياسية والدينية وعدم استجابتهم للتحذيرات التي كانت تصدر من علماء اليمن من خطر الامتداد الرافضي، وتجاهلهم لها تحت تأثير دعوات «التعايش» و«الأخوة الإسلامية»، كان لكل ذلك أبلغ الأثر، مع غيره من العوامل السياسية الأخرى، في إظهار الحوثيين واكتسابهم النفوذ والقوة.

*النقطة الثانية هي ضرورة الحذر وعدم الاستجابة لتلك الأصوات التي تدعو لحرب شاملة لا تنتهي بحدود كبح حوثيي اليمن أو مرتزقة الشام لتشمل جميع الشيعة بكافة توجهاتهم. بالدرجة الأولى لأنه ليس من أخلاق المؤمنين قتال غير المقاتلين أو الاعتداء على غير المعتدين، ثم إنه ليس من الحكمة خسارة المعتدلين من أبناء الطائفة الشيعية في الدول العربية والإسلامية، الذين يعترضون بقوة على السلوك الإيراني، ولا خسارة أصحاب الثقافة العربية الذين يعانون من التمييز داخل إيران.

*النقطة الثالثة هي أن الإرهاب لا يحارب بالإرهاب، فتفجير مواكب عامة الشيعة وحسينياتهم ليس الرد المناسب على اعتداءات الغلاة، كما أن القتل على الهوية الذي تمارسه تلك الجماعات المشبوهة، يجب أن لا يقابل بقتل موازٍ على الهوية كالذي يمارسه «داعش» أو أخواته.

القدس العربي

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث