وكالات، لينغا:
يتعرض الأقباط المصريون بشكل مستمر لاعتداءات على خلفية الانتماء الطائفي، وهويتهم. إن الالتفات للواقع الموجع للمصريين الأقباط في مصر، غالبًا ما يكون مؤقتًا وخاضعًا، لهجوم دموي، لمذبحة فظيعة تستدعي وقفة إعلامية سرعان ما تتبخر مع تبخر الحدث من عناوين الأخبار. وفي كل مرة، يتكرر النمط نفسه: قرويون مسلمون يجتمعون للاحتجاج ضد أو مهاجمة الكنيسة؛ بينما تقف قوات الأمن دون تدخل؛ ليتم حل الأمور من خلال جلسات المصالحة المحلية. غالبا ما تؤدي هذه الجلسات إلى إغلاق الكنيسة، بينما يتجنب المهاجمون الملاحقة القضائية. وأحياناً تتعرض منازل أو متاجر الأقباط للهجوم بشكلٍ مباشر، إذ يحصل هذا على سبيل المثال عندما تنتشر شائعاتٌ في قريةٍ ما حول علاقةٍ جنسية بين مسيحي/ مسيحية بمسلمة/ مسلم، أو عندما يشاع أن قبطي قد أهان النبي محمد. في مثل هذه الحالات، غالبا ما يتم طرد الأقباط من القرية. منذ ثمانينيات القرن الماضي تشهد مصر تصعيدًا في العنف الطائفي بشتى أشكاله، تمثل هذا بأحداث الزاوية الحمراء في القاهرة في العام 1981. أكثر الأحداث دموية كانت حادثة القديسين ،2011 مذبحة ماسبيرو 2011 وتفجير البطرسية 2016، ومؤخرًا شهد عريش مصر حملة دموية قادتها جماعات إسلامية مسلحة، بحسب المصادر المصرية كان نتيجتها قتلى وجرحى وعمليات تهجير واقتلاع لمسيحيين من بيوتهم. ناهيك بعشرات النزاعات التي لن آتي إلى تفصيلها هنا. تغيب الدولة ومؤسساتها لحد كبير عن القيام بواجباتها السيادية والوطنية تجاه أبناء مصر المسيحيين. واستهتار الدولة هذا بشرائح مليونية من أبنائه يبقي الباب مفتوحًا للاضطهاد الديني الإسلامي الموجه على أساس "الهوية الدينية". تابعونا على الفيسبوك: تُظهر عمليات إغلاق الكنائس أن المشاكل الطائفية في مصر أعمق بكثير من هجمات داعش وحدها. فالملاحظ للناس يرى العديد من آراء المصريين المسلمين حول أغرب الشائعات التي تنتشر بين تلاميذ المدارس، منها على سبيل المثال أن رائحة المسيحيين كريهة، أو أن الخمر في الكنيسة هو في الواقع بول القس، أو أن على الفتاة أولاً قبل الزواج ممارسة الجنس مع القس. الدولة المصرية تلعب دور الغائب، في ردع الاعتداءات الطائفية، وهي مطالبة كدولة ليس بردعها فحسب، بل بأخذ دور ريادي في بناء ثقافة الدولة الوطنية والدولة المدنية لدى مواطنيها، بحيث يصبح التمييز على خلفية دينية أمرًا شاذًا وغريبًا وليس اعتياديًا. فإلى الاستحقاقات المفروضة على الدولة لحماية جميع مواطنيها، فإن الدولة المصرية بنظامها الحالي والسابق هي دولة تتغذى وتتمدد شرعيتها بإجازة الخطاب الديني الإقصائي في مدارس وجامعات ومساجد مصر، ولا تريد أن تصطدم مع المعتقد الديني الشعبي لعامة الناس وتتجنب الصدام مع المؤسسة الدينية العلمية الرسمية، الرافد الأساسي للخطاب الإقصائي للآخر (الأزهر) والتي خرّجت العديد من الشخصيات والناشطين في التنظيمات السلفية. وبهذا يصبح الدور الطبيعي المتوقع للدولة من حيث حضورها السيادي دورًا "انتهازيًا" غائبًا من بعض الساحات، مستفيدًا من غيابه منتهجًا سياسة "فرق تسد". إن تبني الدولة لخطاب ديني واحد، وتعريفها دستوريًا بأنها تتبع الدين الإسلامي كدين رسمي للدولة، الأمر الذي يبدو طبيعيًا واعتياديًا لدى الغالبية المسلمة، إضافة إلى شبه غياب لدور تثقيفي وتوعوي لقيمة وأهمية المواطنة المصرية كهوية جمعية أولى، لا بدّ أن يخلق بيئة تراكمية يعتبر فيها المصري القبطي "ضيفًا" في بلده أو "اهل ذمة" تزج به في مكانة "دونية" أمام المواطن المسلم. ما يتعرض له المسيحيون العرب في مصر من عنف طائفي كان قد تعرض له المسيحيون في العراق وسوريا وأدت موجات العنف لتهجير وتشريد الآلاف منهم. ولا يقفز الخطاب الطائفي الإقصائي عن فلسطين، وان كانت بمستويات أقل وبأساليب مختلفة، إذ أن الخطاب الإسلامي حول إسلامية أرض فلسطين وإسلامية بيت المقدس هو خطاب حاضر وبقوة وهو بمضامينه يحيد المركب المسيحي من النسيج الفلسطيني لامتلاكه تصورًا إسلاميًا للدولة. يفتقد الشارع العربي عمومًا والمصري خاصة لآليات وأشكال رد على موجات العنف الموجهة ضد المسيحيين العرب عامة والأقباط بشكل خاص. فالموقف الشعبي العارم الحاضن للأقباط كمركب أساسي في الهوية المصرية الحضارية التاريخية والحالية والذي يمكنه أن يشكل دعمًا معنويًا لا يستهان به لهذه الشرائح الشعبية المستضعفة، هو موقف غائب إلى حدّ كبير. يمكننا أن نسجل حالات عديدة تمت فيها اعتداءات "شعبية" لمسلمين على مسيحيين في مناطق مختلفة من مصر بسبب بناء كنيسة أو علاقة عاطفية بين مسلمة ومسيحي أو لنزاعات شخصية أخرى، سرعان ما تتحول إلى نزاع طائفي، أيّ أن المزاج الشعبي ليس فقط غير جاهز للاحتضان فحسب، بل هو مزاج عدائي في كثير من الحالات.
لينجا