أربيل - الخليج أونلاين (خاص)
تشهد محافظة نينوى شمال العراق تغييراً ديمغرافياً خطيراً بعد انتهاء القوات العراقية من عمليات تطهير البلاد من قبضة تنظيم الدولة، وبدء مرحلة جديدة من الصراعات الداخلية؛ إثر الفوضى السياسية العارمة التي تعيشها الحكومة المركزية واضطراباتها المتراكمة بما يتعلق بملف إعادة الأمن للمناطق المحررة.
حرب "داعش" أنتجت ثغرات واضحة على المستوى الاجتماعي، وتلقت منطقة سهل نينوى (شمال وغرب مدينة الموصل) حصة كبيرة من الاختراقات الأمنية، وتعرضت لابتزازات متكررة من قبل الفصائل المسلحة التي سيطرت على الأرض بعد عمليات التحرير، وسط انتهاكات عديدة للأراضي والبيوت والمحال التجارية.
مليون ونصف المليون مسيحي كانوا يقطنون العراق قبل 2003، لكن لم يتبق منهم إلا 250 ألفاً. أما من عادوا ليسكنوا المناطقَ التي يسيطر عليها الجيش العراقي ومليشيا الحشد فوضعهم غيرُ مستقر.
فهناك الكثير من المحاولات لتغيير ديموغرافية مناطق كاملة، خصوصاً "برطلة"، التي عليها توجه غريب، فهناك الآن محاولات لتغيير ديموغرافيتها وشراء ممتلكات المسيحيين، وخلق نوع من الاستفزازات التي أنشأت رد فعل عكسياً، ومحاولات ضم مناطق شبكية كـ"الخزنة" إلى برطلة.
إرباك في مناطق المسيحيين
يشكو أهالي محافظة نينوى بشكل متكرر من ممارسات الفصائل المسلحة، التي قالوا إنّها عكرت صفو المدينة بعد استعادتها من سيطرة "داعش"، لكن مناطق يسكنها المسيحيون تتعرض لاستفزازات متكررة.
شرطي المرور "ربيع صبحي" يتحدث لمراسل "الخليج أونلاين" قائلاً: "إن مواكب الحشد الشعبي التي تجوب منطقة سهل نينوى ليل نهار تسبب الإرباك في المدينة"، موضحاً أنها غالباً ما تكون مصحوبة بمنبهات السيارات عالية الصوت، وتطلق النار في الهواء لفتح الطريق أمامهم.
وأضاف "ربيع": "لا أحد يجرؤ على رفض هذه الممارسات، لأن مصيره سيكون الإهانة في أحسن الأحوال، فضلاً عن تلقيه كلمات مشينة تخدش كرامة المواطن وتعرضه لمضايقات قانونية بداعي الاعتراض على تحركات الأمن العسكري".
أتاوات بالإجبار
ثمة فصائل مسلحة مختلفة في منطقة سهل نينوى، وتتخذ كل جهة عسكرية سلكاً لابتزاز المواطنين، وهذا ما يسبب تهديداً لمستقبل الأهالي.
وفي هذا الصدد يعرب المحامي القانوني ليث الحمداني، في حديثه لموقع "الخليج أونلاين"، عن قلقه قائلاً: "نعاني من أكثر من جهة حاكمة في سهل نينوى، أبرزها الفصائل المسلحة والجيش، وأضعفها الشرطة والقضاء والمجلس المحلي، وموضوع الأتاوات بات أمراً عادياً".
وأضاف الحمداني: "إن دخول الضابط أو عنصر الأمن أو فرد الفصيل المسلح إلى المطاعم والبقالات دون دفع المال صار أمراً عادياً، والذي حظه عاثر فقط يعترض أو يطالبهم بالكف عن ذلك، لأنه سيُتهم بأنه كان من المتعاونين مع داعش خلال احتلاله المدينة".
وتابع: "قبل أيام اشتكى صاحب سكلة (ساحة بيع الحصى ورمل البناء والإسمنت)، وكان يطالب برفع قضية ضد حركة العصائب التي طالبته بـ 25 ألف دولار، وذلك مقابل الحماية".
وقال صاحب السكلة: "إنهم دائماً يصرخون بوجوهنا قائلين عبارات: نحن حررناكم، ونحن حمينا أعراضكم، ولولانا لما كنتم هنا، ونحن من خلصكم من داعش".
هذا المشهد يتكرر مع كل صاحب صيدلية ومطعم وسوبر ماركت، والحكومة تدرك هذه الممارسات لكنها لا تستطيع مواجهة هذه الفصائل المسلحة، وتسكت عن الابتزازات غير القانونية بحق المواطنين، بحسب الحمداني.
تغيير ديمغرافي
خروقات عديدة تطول أجزاء واسعة من منطقة سهل نينوى في ظل غياب التدخل الحكومي لمعالجة هذه الأزمة، وهو ما أكده المدير العام لشؤون المسيحيين في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بحكومة إقليم كردستان "خالد ألبيرت".
وقال لـ"الخليج أونلاين": "الحشد الشعبي يسعى بمختلف الوسائل لتغيير الواقع الديموغرافي للمناطق المسيحية"، لافتاً إلى قيامهم بجلب "الشبك" من الشيعة إلى الأحياء المسيحية، وبناء مجمعات سكنية لهم، ثم الاستيلاء على أملاك وأراضي المسيحيين النازحين في مدن إقليم كردستان".
وأوضح ألبيرت أن مؤسسة الحشد الشعبي (مليشيات انضمت للجيش العراقي) شرعت بإقامة مشروعين سكنيين في منطقة برطلة، والضغط على المسيحيين لمغادرة المنطقة، وهو ما أجبر بعض المسيحيين على بيع منازلهم رغماً عنهم، مشيراً الى أن هذا العمل "يعد مؤامرة ضد المسيحيين لتغيير ديموغرافية المنطقة".
استقدام أعداد من الشبك، وإسكانهم في منطقة سهل نينوى، ومنحهم بطاقة خضراء، واعتبارهم من سكان المنطقة، وكذلك نقل الطلاب من جنوب البلاد إلى جامعة الحمدانية لمواصلة دراستهم فيها، وتأجير منازل لهم على حساب الحشد، كله يجري وفق برنامج لعملية "تشييع" المنطقة، حسب تعبيره.
موقف الحكومة العراقية
في ظل الصمت الحكومي عن انتهاكات الحشد الشعبي بحق المكون المسيحي يعلن ناشطون في مجال حقوق الأقليات استنكارهم الشديد لتعامل الحكومة "المخجل" والذي يفاقم أزمة الاستيلاء على الأراضي بذريعة التحرير وحماية الأرض.
هذا الموقف الضعيف من قبل المجلس المحلي في محافظة نينوى أيضاً يضع علامات استفهام كبيرة حول مستقبل منطقة سهل نينوى.
وفي هذا الصدد يقول الناشط في حقوق الأقليات كامل زومايا: "تعد هذه المحاولات البائسة كسابقاتها في سلسلة عمليات التغيير الديموغرافي لمناطق المسيحيين، حيث يبدو ظاهرها أنه تصرف شخصي لكن هناك من يقف وراء ذلك، وهذا الأمر أصبح واضحاً للعيان لما يتعرض له المسيحيون في سهل نينوى من تجاوزات وتغيير ديموغرافي لمناطقهم، وخاصة بعد 2003".
واللافت للنظر، كما يؤكد زومايا، "التهم الجاهزة والباطلة التي لفقها قادة الحشد الشعبي باتهام المسيحيين تارة بالطائفية، وتارة أخرى يحملوهم ثمن تحرير مناطقهم".
وأفاد أن 5 من السكان المسيحيين أصيبوا بجروح عندما فتح "الحشد الشعبي" النار على محتجين في بلدة برطلة (شرقي الموصل مركز محافظة نينوى)، لافتاً إلى أن "آخر الاعتداءات كانت من قبل مجموعة من الطلبة الشبك على طلبة مسيحيين، فضلاً عن كثرة حالات سرقات الدور، وازدياد حالات التحرش الجنسي قولاً وفعلاً بالنساء والفتيات، وكل هذه الانتهاكات تحت أعين الحكومة العراقية التي تخشى خسارة مناصبها على حساب المسيحيين".