التحول الكبير.. من الغرب الليبرالي إلى روسيا والصين: كيف خسر العالم العربي معركة الديمقراطية؟ - مقالات
أحدث المقالات

التحول الكبير.. من الغرب الليبرالي إلى روسيا والصين: كيف خسر العالم العربي معركة الديمقراطية؟

التحول الكبير.. من الغرب الليبرالي إلى روسيا والصين: كيف خسر العالم العربي معركة الديمقراطية؟

في زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الأخيرة للصين، أفادت أنباء بأن الأمير أقر بحق بكين في «التعامل مع أقلية الإيغور المسلمة بالطريقة التي تراها مناسبة»، وكل ذلك باسم «محاربة التطرف الإسلامي».

يقول محمد فاضل، أستاذ في كلية الحقوق بجامعة تورونتو الكندية، في مقالة نشرها بموقع Middle East Eye البريطاني، إنَّ فشل ولي العهد في الدفاع عن حقوق المسلمين ب الصين يمكن تفسيره بسهولة في سياق حاجته لحلفاء من أجل تلميع صورته الدولية، في أعقاب الاشمئزاز العالمي من ضلوعه الواضح في عملية القتل الوحشي وتقطيع أوصال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول.

يستدرك فاضل: «لكني أعتقد أنه يمثل تحولاً أعمق للعالم العربي بعيداً عن الغرب الليبرالي ونحو القوى السلطوية في روسيا والصين، فكيف حدث ذلك؟».

إعادة توجيه عميق

يقول فاضل وهو مختص في التاريخ الإسلامي واللاهوت، إنه على مدار 150 عاماً، ركز الفكر السياسي العربي بشكل أساسي على التوفيق بين ماضيه الإسلامي والحداثة، وترافق الإصلاح السياسي مع الإصلاح الديني يداً بيد، ورغم طرح أنواع مختلفة من الإصلاح الديني، يمكن تحديد هذه الأنواع بسهولة على أنها مماثلة لاتجاهات الفكر الديمقراطي في الغرب.

إن تأثير الفكر الليبرالي، بما يشمل فكر كارل ماركس، على الفكر الإسلامي الحديث في العالم العربي لم يولّد فقط مجموعة واسعة من مشاريع الإصلاح الديني –بدءاً من الدعوة إلى خصخصة الدين، إلى مشروع نيوليبرالي لحكومة دستورية محدودة تعزز الملكية الخاصة للممتلكات من أجل الدعوة، إلى إعادة توزيع جذري للثروة- لكنه أنتج أيضاً علاقة انفصام مع الغرب الليبرالي.

من جهة، أُعجب المسلمون العرب الإصلاحيون بإنجازات الغرب في الحكم الليبرالي والتقدم العلمي والمادي، لكنهم من جهة أخرى أبدوا استياءهم من الغرب، لاستغلال تقدمه النسبي لتعزيز طموحاته الإمبريالية، التي عملت بنشاط على تقويض قدرة الشعوب العربية على تحقيق الإصلاح والتقدم والحكم الذاتي الفعال.

الارتماء في أحضان الغرب

خلال الحرب الباردة، كان العداء الواسع النطاق للشيوعية سوفيتية النمط سبباً في رفض الدول العربية المناهضة للإمبريالية، مثل مصر في حقبة جمال عبد الناصر، الانضمام إلى الكتلة السوفييتية. وبدلاً من ذلك، ساعدت هذه الدول في إنشاء حركة «دول عدم الانحياز».

يمكن قول الشيء نفسه عن الدول العربية المحافظة. فبينما كانت تلك الدول لا تشعر بالارتياح إلى جوانب معيَّنة من الحداثة الليبرالية، فقد وجدت كثيراً من القواسم المشتركة مع الغرب الليبرالي أكثر من الاتحاد السوفييتي، ولذلك ألقوا بثقلهم ناحية الغرب.

مع انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة، بدا من المحتم أن يتطور العالم العربي تدريجياً نحو حكومة دستورية تقوم على نوع من التسوية بين الإسلاميين والليبراليين.

في الواقع، يبدو أن هذا كان المسار المتبع في بعض الدول العربية خلال فترة ما بعد الحرب الباردة، حيث تخلت الأنظمة الاستبدادية تدريجياً عن مساحة أكبر لمصلحة الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، وسمحت بانتخابات أكثر حرية نسبياً بمجالات مختلفة من الدولة والمجتمع المدني، وإن كان ذلك من دون السماح بأي تحديات فعالة للحاكم.

من هذا المنظور، يمكن اعتبار الربيع العربي لعام 2011 ذروة قرن ونصف القرن من الفكر السياسي والديني الذي سعى إلى تحقيق نظام حكم دستوري محدود في العالم العربي، يمكن أن يوفق بين الإسلام والحداثة الليبرالية.

نموذج استبدادي جذاب

بينما قد يرغب البعض في الدفاع عن الثورة المضادة على أساس حماية الدولة من التطرف، فمن الواضح الآن أن الأطراف التي تقود هذا الاتجاه، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لا ترى أي مصلحة في إقامة حكم ديمقراطي بالعالم العربي.

بدلاً من ذلك، تروج تلك الدول لنموذج سلطوي للسياسة لا يوجد فيه مواطنون، بل مستهلكون فقط. وأي محاولة للمطالبة بالحقوق السياسية توصَم بتهمة التحريض على الفتنة. في هذا الصدد، فإن موقف المملكة السعودية والإمارات من المعارضة السياسية هو المؤشر الأكثر دقة لمستقبل السياسة في العالم العربي.

من ناحية أخرى، مصر بصدد تعديل دستورها رسمياً لتمديد حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي لعام 2034، وتكريس السيادة العسكرية على الدولة.

ومن ثم، فإن الثورة المضادة ليست مجرد رفض للديمقراطية الانتخابية، على أساس أنها مكَّنت الإسلاميين المناهضين للديمقراطية حسب زعمهم، بل بالأحرى هي تنصُّل من اتجاهات الفكر السياسي والديني العربي السائدة خلال السنوات الـ150 الماضية.

لم تعد الديمقراطية أمراً مسلَّماً به باعتبارها هدفاً مرغوباً في السياسة العربية، بل يُنظر إليها على أنها تهديد وجودي للمجتمع تجب مواجهته واحتواؤه في كل منعطف. ويُنظر إلى أي نوع من السياسة الشعبية على أنه تهديد لـ «الوحدة الوطنية»؛ ومن ثم يجب قمعه بقوة.

ما هو شكل الدولة في عالم الثورات المضادة؟

عكس سياسات ما قبل الربيع العربي، عندما كانت هناك مهادِنة على الأقل للمُثُل السياسية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن القيمة الوحيدة التي تتبناها الثورة المضادة هي «بقاء الدولة».

وبدلاً من التزام الدولة توفير الحقوق السياسية، أصبح التزام الدولة الوحيد هو حماية سكانها التعساء من خطر الانهيار الاجتماعي الذي قد ينجم عن أي شكل من أشكال الديمقراطية.

وفي مقابل التنازل التام عن الوكالة السياسية لمصلحة الدولة، تلتزم الدولة محاولة تحسين مستويات المعيشة لمواطنيها، لكن دون النص على أي بند لمحاسبة الدولة عند الفشل في تحقيق هذا الطموح.

هذا المفهوم البائس للسياسة كان مستحيلاً، سواء في أثناء الحرب الباردة أو في فترة الهيمنة الأمريكية الأحادية القطب التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي.

صعود روسيا والصين، والارتماء في الحضن الشرقي

لكن في عالم العلاقات الدولية الجديد متعدد الأقطاب والصفقات الذي تروج له إدارة ترامب، ترى الأنظمة الاستبدادية العربية روسيا والصين نموذجين دائمين للسياسات السلطوية القائمة على القيمة المشتركة لازدراء الديمقراطية التعددية والتنافسية، باعتبارها تهديداً لسلامة الدولة.

كان صعود الصين جذاباً بشكل خاص للأنظمة الاستبدادية العربية، لأنه يجسد أملها في تحقيق التنمية دون التخلي عن أي من سلطاتها. ومع ذلك ستكون هذه الأنظمة الاستبدادية أكثر سعادة عند التضحية بالتنمية إذا رأت أنها ستؤدي إلى مطالب بالديمقراطية.

إن استعداد محمد بن سلمان لتأييد السياسة الصينية تجاه الأقليات المسلمة، من هذا المنظور، هو أكثر من مجرد قرار تكتيكي.

إنه يمثل صعود تحالف جديد من الأنظمة الاستبدادية العالمية المتحدة، في اعتقاد مشترك بأن الديمقراطية أمر خطير، وأنه يجب منح الدول سلطة مطلقة لإدارة التغيير الاجتماعي والسياسي داخل حدودها الخاصة دون إزعاج المساءلة من قِبل شعوبها، أو فكرة أن الحقوق الفردية يمكن أن تقف في طريق خططهم.

ليس من المستغرب إذن ألا يعترض ولي العهد السعودي على معاملة الصين لأقلياتها المسلمة: الأيديولوجية الجديدة للأنظمة الاستبدادية العربية ترفض أي نوع من التضامن العابر للحدود، سواء كان ليبرالياً أو إسلامياً.

ومن ثم، فإن اللامبالاة بمعاناة الإيغور، ودعم الحكام العرب المستبدين للإسلاموفوبيا في الغرب، هما نذير وتنبُّؤ بمستقبل الحكم السياسي في العالم العربي.

عربى بوست

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث