الإسلام كدين... المسلمون كمجتمع: ما الخلاف بينهما؟ - مقالات
أحدث المقالات

الإسلام كدين... المسلمون كمجتمع: ما الخلاف بينهما؟

الإسلام كدين... المسلمون كمجتمع: ما الخلاف بينهما؟

فراس سعد:

 

الدخول إلى الطائفة المسلمة

مؤخرًا تتّابع أخبار وقصص أفراد أوروبيين وأميركيين دخلوا الإسلام، وفي نفس الوقت نقرأ عن مسلمين تركوا الإسلام بما فيهم مسلمون جدد أوروبيون وأميركيون أيضًا لأسباب عديدة، أهمها أنهم اصطدموا بواقع لم يخطر في بالهم ولم يقرؤوا عنه حين قرروا دخول الإسلام، فهم حقيقة قرؤوا عن الإسلام ولم يقرؤوا عن المجتمعات المسلمة، من هنا يجب التمييز دائمًا ما بين الإسلام كدين والمسلمون كطائفة أو مجتمعات، هذه حركية اجتماعية مفهومة وليست خاصة بالإسلام أو هي تقتصر على المسلمين.

بطبيعة الحال سيصادف المسلمون الجدد الداخلون إلى الإسلام ترحيب المسلمين وتهليلهم عبر شبكات التواصل الاجتماعية وفي القنوات والصحف الإسلامية، لكن الواقع ربما يختلف عن وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي، يمكنك أن تُسلم لكن ربما لا يمكنك أن تَسلم من تجاهل كثير من المسلمين أو من نظراتهم المستغربة، ومن سؤال مشكك، لماذا يسلم هذا الرجل؟ هم يستغربون كيف يمكن لرجل مثقف (أو امراة مثقفة) أن يدخل مجتمعاً مليئًا بالسلبيات، أقرب ما يكون في بعض البلدان إلى مجتمع مضاد للإسلام كدين وأخلاق وسلوكيات مقررة مفترضة، المسلمون الجدد لا يعرفون أن الإسلام كدين أي كعقيدة وشرع يختلف ربما جذريًا عن المسلمين كمجتمع، أو عن مجتمع المسلمين.

نعم يمكنك أن تدخل الإسلام، لكن لا يمكنك أن تدخل مجتمع المسلمين، الذي يشبه مجتمع طائفة بما يعنيه مصطلح طائفة من عادات وسلوكيات ومقولات اجتماعية وعلامات - سيمياء قد تبتعد بهذا القدر أو ذاك عن الدين وعن الشرع خصوصًا، فالدين شيء واتّباع هذا الدين شيء آخر، وهذا هو السبب الذي يجعل مثقفًا يدخل الإسلام، بعدما يعاشر مجتمع المسلمين يفضل النجاة بنفسه والعزلة هاربًا بدينه الجديد - الإسلام - من دنيا المسلمين أو من طائفة المسلمين، وفي بعض الحالات يتخلى الداخل الجديد عن الإسلام حالما يكتشف سلوكيات المجتمع الإسلامي الذي يتعرّف عليه، كما فعل بعض الأوروبيين.

أما بالنسبة للمتحولين حديثًا إلى الإسلام السني من الأقليات الإسلامية فهؤلاء يُقبل إسلامهم لكن تبقى النظرة إليهم كأشخاص من أقليات، أي تبقى أبواب الطائفة السنية مغلقة في وجوههم، فمن الصعب قبول الزواج منهم أو تزويجهم، مثلًا رغم وجود استثناءات قليلة.

دعوة المسلمين للإسلام

يقين كثير من الملتزمين بالدين أن معظم المسلمين بعيدون عن الشريعة بحذافيرها، وهم كذلك بالفعل، دفعهم لاختراع فكرة الدعوة للدين، وتبشير المسلمين بدين الإسلام من جديد، وكأنهم لم يسمعوا بهذا الدين، لكأنهم ليسوا مسلمين، وإلا فما معنى وجود حركات إسلامية ابتداء بالوهابية وانتهاء بحزب التحرير والإخوان المسلمين، وماذا يعنيه تكاثر الدعاة والأئمة والقنوات الفضائية الذين جميعهم لديهم هدف أوّل هو دعوة المسلمين للإسلام الصحيح، إنهم يفترضون أن إسلام المسلمين ليس كافياً ليكون إسلامًا مرضيًا عنه، إنه إسلام شكلي ويجب على المسلمين أن يكونوا مسلمين بالفعل والمعنى وليس بالقول والشكل.

هذا هو الفرق بين النظرية والتطبيق، فالمؤثرات الحياتية والإعلامية والسياسية تضعف النظرية بفعل الزمن وبفعل عامل الإلهاء، والتغطية، فلا يلقى منها سوى الاسم، أي أننا نصبح مسلمين بالاسم فقط، أما فعليًا فنحن نتحول إلى مجموعة متعصبة، تحافظ على الشكل، على سطحية الشرع، وتحرص عليه، مقابل تناسيها حقيقة الشرع، وجوهر الدين وروحيته، وأحياناً تتفلت حتى من الشكلية، فلا تفرق بين مسلم وغير المسلم، أو بين مجتمع مسلم وآخر غير مسلم. وهنا تنتفي حتى طائفية المجتمع، باعتباره مجموعة متضامنة بالعصبية، أي تنتفي العصبية ذاتها.

في المحصلة لا يمكن النظر للإسلام من خلال المسلمين، وإن كان ممكنًا النظر للمسلمين من خلال الإسلام، فالإسلام فكرة ونظرية، دين وعقيدة وشريعة، يبقى كما هو أيًا كانت التحولات الطارئة على المجتمعات الإسلامية، حتى لو لم يبق مسلم واحد على الإسلام، يبقى الإسلام إسلامًا.

لكن مهلاً، هل صحيح أن الإسلام يبقى إسلامًا مهما جرى، مهما تحوّل المسلمون، مهما اختلفوا، عن أسلافهم، مهما كانت التحديات والانعطافات التي خاضوها، ورغمًا عن الكوارث التي مرت عليهم؟

الحقيقة تقول إن الإسلام رغم ثبات القرآن والسنة كنصوص باستحالة تغييرها، غير أن الإسلام يتغير حتمًا بتغيّر المسلمين، فليس التغيير ممكنًا في النصوص بطبيعة الحال، لكن التغيير يجري في فهم النصوص وفي طريقة تفسيرها واستخدام علوم جديدة لتأويلها، وللإسلام أدوات عديدة تساعد على مفاهيم متعددة مختلفة، تصل أحيانا درجة التناقض، وإلا ما وجدت المذاهب الإسلامية وما حصل تباين أو تنوع أو اختلاف طرق الأئمة والمجتهدين، وهذا أمر يفرضه اختلاف الزمان والمكان، يجعل من الدين والمجتمع كطائفة متلائمين مع محيطهما... وعلى سبيل المثال ففهم بعض المفكرين المسلمين المعاصرين لآية الزواج الشهيرة من سورة النساء حيث يقول تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3]، ويقول في آية أخرى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ (النساء:129) يختلف عن فهم الفقهاء والشارع الإسلامي حتى وقت قريب، فهؤلاء المفكرون الجدد ذهبوا إلى تقييد الزواج بأكثر من زوجة، يقول بعضهم إن الآية الكريمة تقول بزواج واحدة لأن العدل أمر صعب أو مستحيل على الإنسان -الرجل هنا - وبالتالي فالظلم واقع حتمًا على الزوجتين أو على إحداهن وكلما زاد عدد الزوجات زاد الظلم، ويقول في ذلك المفكر الإسلامي المجدد د.عدنان ابراهيم إن الأصل بالنسبة للزواج هو "التوحيد" أي الزواج بواحدة وليس التعدد، وذهب المفكر السوداني المجهول محمود محمد طه إلى حد تحريم الزواج بأكثر من امرأة واحدة. وقد ذهبت بعض الدول الإسلامية مثل تونس وتركيا في قانون الأحوال الشخصية مذهب هؤلاء المفكرين الجدد فمنعت على الرجل قانونًا الزواج بأكثر من امرأة واحدة.

عن الطائفة القبيلة

الطائفة كقبيلة تشكّل لأعضائها رابطة من دم وانتماء وهوية وعصبية. مثلًا ينظر أغلب السوريين للدروز وللعلويين كما لو أنهم قبيلة لها كل الصفات والروابط التي تقوم عليها القبيلة من رابطة الدم والقرابة والعصبية إلى "الشبه" بين وجوه أفرادها... وهذا وهم مضحك، فلا يوجد أي تقارب عرقي أو دموي أو لوني بين الدروز أو العلويين، يصدق الأمر على جماعات أخرى دينية بل وعرقية مثل الكرد مثلًا... إلخ.

فالمنطقة السورية أو الحوض السوري إذا صح التعبير تضم أكثر بني البشر اختلافًا، لسبب تاريخي شديد الوضوح، يتمثّل في تعرض هذا الحوض عبر آلاف السنين إلى مئات الغزوات رافقها سبي واغتصاب وزواج، كما رافقها استيطان لأقوام متنوعة الأعراق والألوان والثقافات، يضاف إلى ما سبق تغيير ديمغرافي مستمر لم يتوقف حتى هذه اللحظة.

ربما كانت "الطائفة الشرق أوسطية" إذا صح التعبير، أقرب ما تكون الى القبيلة لو قارناها بطوائف في الغرب. فالطائفة عمومًا هي حقل اجتماعي مغلق إلى الأبد، فلا زواج خارجها ولا ولاء لوطن أو لفرد أو حزب، مما يعني أنها تتوفر بالفعل على نفس صفات القبيلة وروابطها.

الإسلام والمسلم والطائفة المسلمة

الإسلام هو عقيدة وشريعة، والمسلم النموذجي هو مؤمن بعقيدة الإسلام مطبق لشريعته. معظم الشريعة وضعت للحفاظ على الجماعة، وعلى تقرير كيفية محددة لتطبيق العبادات والعلاقات، وخضوع الجماعة لتطبيق محدد للعبادات مثلًا، يجعل من العبادات ملكية خاصة للجماعة، وبقدر ثبات وتبلور هذا التطبيق وتحوله إلى عادة بقدر ما يكون هذا التطبيق جماعوياً، خاصاً بالجماعة من ضمن ملكيتها الخاصة التي لا يسمح لأحد انتهاكها، ولا يمكن القبول بأي اجتهاد أو تغيير له، تحت طائلة الاتهام بالبدعة والتكفير والخروج عن الملة أو الجماعة الطائفة.

ولو عقدنا مقارنة بين القرآن الكريم وبين كتب الشريعة لوجدنا جنوحًا عامًا إلى تقييد الآيات وحصرها في مفاهيم منضبطة غير مرسلة لا تحتمل التأويل، ولو عقدنا مقارنة بين أحاديث السنة وبين اعتقادها من قبل المؤمنين بها، وبين تطبيقها لوجدنا مزيدًا من التضييق، بما يعني أن مسموحات القرآن الكريم والسنة أكبر بكثير من مسموحات كتب التشريع أو الشريعة، وكذلك أكثر تسامحًا وانفتاحًا منها. وهذا هو الفارق بين الإسلام كدين عالمي كوني وبين المسلمين كطائفة.

ولو فرضنا أن إنسانا مؤمنًا بالإسلام يحيا وحده في جزيرة نائية أو يحيا في مدينة مكتظة نائيًا بنفسه عن أهلها، لصح عليه وصف المسلم، لكن هذا الإنسان حالما ينخرط في المجتمع المسلم ويتقبل تعريفاته وعاداته ومقولاته حتى يصبح جزءًا من مجتمع فيضطر للتخلي عن مفهومات ومسالك هي جزء أساسي من الشريعة والسلوك - القرآني.

فالمجتمع الطائفة يحوي تطبيقات أقل أو أكثر من ملزمات ونواهي العقيدة والشريعة، كما يحوي على مفاهيم متطرفة أو منحرفة نشأت بفعل ظروف قاهرة أو بفعل الضعف الإنساني، والمسلم الجديد الداخل على هذا المجتمع الطائفة سيصل إلى لحظة يأخذ فيها قراره أن يتقبّل مجتمع الطائفة كما هو فيحصل على القبول والرضى وبالتالي الاندماج، أو يعتزل عن هذا المجتمع الطائفة مفضلًا العيش وفقًا لتعاليم العقيدة والشريعة لكنه يخسر نعمة الاندماج.

رصيف 22

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*