إيلان بيرمان:
أدى الإعلان غير المتوقع (في كانون الأول/ديسمبر الماضي)، الصادر عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخصوص سحب أميركا قواتها العسكرية من سوريا، إلى إطلاق نقاش حول مستقبل سياسة مكافحة الإرهاب الأميركية في واشنطن.
أشار الخبراء والمتخصصون إلى أن على الرغم من الهزيمة شبه الكاملة لتنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا، فإن التنظيم يحتفظ بوجود عملياتي دوليا، ولا يزال نشطا في المسارح الأخرى (مثل شمال إفريقيا وجنوب شرق آسيا)، ويحتفظ برسالة أيدلوجية رنانة، لا تزال تجذب المجندين لقضيته. رغم ذلك، ومع انهيار "خلافة" داعش، من الواضح أن طبيعة "الحرب على الإرهاب" آخذة في التغير ـ ويحصل ذلك بطرق مهمة. ببساطة، أدى انحدار داعش إلى عصر جديد من الجهاد اللامركزي.
هذا التحول مهم. في ذروة قوته في أواخر عام 2014 وأوائل العام 2015، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مساحة تقارب 81,000 ميل مربع ـ وهي مساحة تعادل تقريبا حجم المملكة المتحدة. خلال هذه الفترة، "حكمت" المجموعة الإرهابية نحو ثمانية ملايين مدني، وهو ما يوازي عدد سكان سويسرا، وحقق إيرادات سنوية تبلغ مليار دولار.
بعبارة أخرى، بدا داعش وكأنه يربح ـ ولاحظ متطرفون آخرون ذلك. بحلول عام 2016، تبنى ما يقرب من 36 من الجماعات الراديكالية قضية مشتركة مع داعش وأميرها أبو بكر البغدادي، أو تعهدوا بالولاء له. وشملت تلك القائمة، من بين آخرين، حركة بوكو حرام النيجيرية المتشددة، وجماعة أنصار الخلافة المتطرفة في الفلبين، وميليشيا أنصار بيت المقدس الواقعة في شبه جزيرة سيناء.
واليوم، تأثرت هذه الفصائل بشدة بانحدار تنظيم الدولة الإسلامية. لكنها لم تخرج عن مسارها المتطرف.
وهذا لأن، في جميع الحالات تقريبا، كانت المجموعات التي تبنت قضية مشتركة مع داعش هي كيانات مستقلة، وما زالت تحتفظ بشخصيات تتمتع بالحكم الذاتي والبنية الأساسية والقدرات التشغيلية. في الواقع، بالنسبة لكثيرين، كان الانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلامية، تحالف أيديولوجي وسياسي أكثر من اندماج حقيقي. والآن بعد أن تآكل مكانة داعش العالمية، "تحررت" هذه المجموعات من "الخلافة" وهي تملك الحرية في تحقيق أهدافها المستقلة الخاصة بها.
وتظهر نتائج هذه المستجدات من خلال تطورات متلاحقة مثل جهود بوكو حرام المضاعفة لإقامة دولة الخلافة المحلية في شمال نيجيريا، وتزايد الأنشطة المناوئة للدولة لحركة حركة الشباب الصومالية.
هذا لا يعني أن داعش لم يعد ذي أهمية، بالطبع. يحافظ التنظيم على القدرة على الإلهام والتعبئة والقيام بأعمال إرهابية كبيرة، مثلما تشير الهجمات الأخيرة في سوريا والنشاط المتنامي من قبل التابعين له في أماكن مثل منطقة الساحل الإفريقي. ومع ذلك، فقد أدى تراجع قيمة تنظيم الدولة الإسلامية إلى تشتيت في الحركة السلفية الجهادية العالمية، التي كانت قد ترسخت في السابق حول "علامة" داعش التجارية.
ماذا يعني كل هذا؟ بالنسبة لحلفاء أميركا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن التهديد الذي تشكله الفصائل المتطرفة لا يزال حقيقيا وملحوظا أكثر من أي وقت مضى، ويتطلب ردا حازما واستمرارا بتخصيص الموارد. بالنسبة لأميركا، قد لا يكون الأمر كذلك.
خلال حملته الرئاسية الناجحة عام 2016، قام المرشح ترامب بحملة كبيرة تركزت على ضرورة هزيمة الدولة الإسلامية، ولكن أيضا على أهمية سحب أميركا مما اعتبره ورطات أجنبية لا داعي لها. والآن بعد أن بات يعتقد أن الهدف الأول قد تحقق بشكل كاف، فإن الرئيس يمضي في المرحلة الثانية.
كل ذلك يثير تساؤلات حقيقية حول ما إذا كانت إدارة ترامب ستنظر إلى بيئة الإرهاب الحالية، والأكثر انتشارا، كمشكلة أميركية... أو ببساطة كأشخاص آخرين.