تيري بطرس
أفتى كل من أية الله السيستاني ومفتي السنة الصميدعي، بعدم جواز تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد وراس السنة الميلادية، رغم ان راس السنة الميلادية ليس عيدا دينيا، بل هو عيد شعبي اكثر مما هو ديني. ولكن عيد الميلاد يرتبط بمولد يسوع المسيح، في بيت لحم، الطفل الذي كانت ولادته معجزة حتى بالنسبة للقرآن، وهو نبي من أنبياء الله ايضا. إذا التهنئة بمولده، كنبي لا تضر، ولا تخدش ايمان المسلم. بل يمكن القول وعلى اساس انه نبي من انبياء الله، ان المسلمين يجوز لهم التهنة والاحتفال بمولده.
الحقيقة لا اعتقد، ان الانسان المسيحي، يرغب ان يسمع تهنئة من جاره ان لم تكن تخرج من القلب، وايمانيا المسيحي لا يمكنه ان يفرض على الاخر ان يقوم بتهنئته ايضا، لان هذه الممارسة اي تقديم التهاني والمشاركة في الافراح والاتراح هي اعمال ذاتية تنبع من شعور النابع من داخل الانسان، يفرض عليه المشاركة، وهنا تكون مشاركة وجدانية اي اتت من وجدان الانسان او كما نقول من قلبه.
ان التساؤل عن جواز تهنئة فلان او علان، بمناسباته وخصوصا الدينية، باعتقادي امر يظهر كم ان السأل منقاد، ومجبر على طاعة امور يمكن له ان يفتي بها بلا حرج. لان مثل هذه القضايا تعني المشاركة الانسانية، ومن يسأل يعلن فقدانه لهذا الحس الانساني الذي يفرض عليه المشاركة في احتفالات الاخرين.
السيستاني والصميدعي لم يأتيا بشئ جديد، ورجال الدين الاسلامي، في غالبيتهم، يستندون الى فتاوي وكتب السابقون، والتي لم يأتي فقيه او مرجع، وقام بتفنيدها او تجديدها. اي انهم يقولون ما هو مكتوب ومتفق بشأنه.
اذا المسألة ليست السيستاني او الصميدعي او امام جمعة في الديوانية او رئيس الوقف الشيعي، فالرجلان صادقان في قول ماهو متفق بشأنه دينيا. بل القضية هي اين هو الشعور الانساني، لدى الانسان العادي، اين هي المشاعر الوطنية المشتركة التي تسمح بممارسة امور كثيرة بانسيابية وبلا عقد وبلا تساؤلات وادخال الدين في كل تفاصيل الحياة.
انا مع المسلم الذي يعتقد ان تهنئتي باعيادي، قد يخدش ايمانه، فليس من الضروري ان يهنئني، وانا مستعد ان اهنئه، لانني لا ارى في تهنئته باعياده، اي خدش لعقيدتي وايماني، فايماني يوصيني بان اكون متسامحا ومنفتحا مع الاخر. ولكننا هنا مرة اخرى كعراقيين، كمواطنين في بلد، نريد ان نبنيه وان نعلي من شأنه، كيف يمكننا ذلك، ورجال الدين يضخون افكارا تتهمني انا والصابئي والازيدي والكاكائي، بالكفر، ونحن نعلم ان اتهام الاخر بالكفر، يعني استباحة دمه.اي ان رجل الدين الذي يصف الاخرين بالكفر، يشرع لقتل مواطنين، يشرع للحرب الاهلية، فهل بالحروب وبالقتل وبالنبط تنبني الاوطان.
احد رجال الدين، يتسأل هل يقوم مسؤولي الدول الاوربية، بتهنئة المسملين، هذا الرجل، لا يفهم معنى المواطنة، لا يفهم اننا مواطنين في هذا البلد، ولن ازايد واقول قبل قدوم دينه اليه، ولكن مع وجود اقليات مسلمة كبيرة في بلدان الغرب، فرض الامر نفسه على المسؤولين هناك، ويقومون بالتهنئة بقدوم رمضان والاعياد مثل عيد الفطر والاضحى. وغالبية المسلمين هم من المهاجرين الذين وفدوا الى بلدانهم. اي ان رجل الدين، ينشر الكره والحقد وهو يعلم ذلك.
ان الدولة العراقية مطالبة وباسرع وقت، باعادة صياغة الكتب المدرسية، حذف كل الايات القرانية منها، والتي يؤتي بها لتعليم العربية الصحيحة كما يقال، ويمكن صياغة جمل جديدة تعبر عن الحياة والافكار وتتلائم مع العصر الحالي. ان الاكثار من هذه الايات وحشو عقول الطلبة بها، يعني ان هناك رغبة في فرض الدين ومعتقداته على الاخرين. وان كنا نريد دولة المواطنة، فالدولة لكل مواطنيها، وليس هناك اقلية واكثرية.
على الدولة ان تقوم بالاعلان رسميا ان ما يقوله هؤلاء الائمة ورجال الدين، هو خارج كل اسس بناء الدولة الحديثة ويتعارض مع دستور الدولة العراقية.وكل من ينشر الكراهية والحقد وما يؤدي الى جرح مشاعر الاخر والرغبة في الحاق الاذي به، يعتبر جرما، يتم معاقبة مقترفه. هنا اود ان اشير ان نقد الدين او ممارساته في عمل كتابي او محاضرات امر لا يعتبر من ذلك. فحرية الراي شئ ونشر الكراهية والحقد وما يمكن ان يؤدي الى استباحة دم انسان او سلب حريته او الاعتداء عليه جنسيا، كما شاهدنا وسمعنا من افعال الكثير من المنظمات الاسلامية، امر اخر. ان سكوت اجهزة الدولة عن مثل هذه الممارسات والاقوال والتي تكررت مرارا، يعني انها تنتهك حقوق مواطنيها من غير المسلمين، وانها باجهزتها تقوم بالتجاوز على القانون، وهذا الامر يفتح الباب لكل مواطن لكي يدافع عن ما يؤمن به، خارج اطار قانون لا تحترمه الدولة ذاتها.
ان يقوم بعض كبار رجال الدين الاسلامي مثل شيخ الازهر في المحافل الدولية، بتجميل الصورة، والادعاء بان ما يمارس ليس من الاسلام، وحالما يشارك في مؤتمر اسلام يناقض كل ما قاله امام المسؤولين الدوليين، يدل على ان الكثير من رجال الدين الاسلامي، يلعبون لعبة التقية والمشروعة حسب الفتاوي في كلا المذهبين الرئيسين (السنة والشيعة). ان مثل هؤلاء المسؤولين يشاركون في القتل والتدمير وزرع الاحقاد، وبالتالي تدمير الوطن.
صار من الضروري اعادة النظر بكتب التراث، وتجديدها بما يلائم العصر، وبما يلائم حقوق المواطن في دول تأسست على اساس المواطنة المتساوية.وصار من الضروري ترك امور الدين للكنيسة والجامع والمندي والمعبد، وتربية ابناء الوطن على اساس الانتماء المشترك والمتساوي اليه. ولتكن المدرسة هي البوتقة التي تصهر الجميع في حالة وطنية، تمكنهم من ان يعيشوا معا بسلام واحترام.
ونقضا لما افتى به بعض رجال الدين، كانت ردود فعل الكثير من الاخوة المسلمين العراقيين من السنة والشيعة، مستنكرة ومنددة لمثل هذه الفتاوي القاتلة فالف تحية لهم ولمواقفهم الوطنية الصحيحة.