أحمد الجدي
شهدت الأوساط المصرية جدلاً كبيراً بعد نفي عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الداعية خالد الجندي فكرة ممارسة الجنس في الجنة جملة وتفصيلاً في حلقة ضمن برنامجه "لعلهم يفقهون".
قال الجندي: "الحالة الجنسية والإخراجية المعروفة بتنتهي، ولن يكون هناك إنجاب، والأدوات التناسلية ستنتهي لأن وظيفتها تُعوَّض بأخرى، ومفيش علاقات جنسية في الجنة، بالمعنى المعروف لدينا، والجنة منزّهة عن العلاقات الجنسية الموجودة في الدنيا".
وأضاف: "أنت رضيت بأن يحدث لك تعديل في الأرض والوقت والنوم والشرب والأكل والتعب، وقبلت كل ذلك ولا تعلم أن مناطق اللذة الداخلية ستتعدل أيضاً، وربنا قادر على أن يضع اللذة في النظر أو ملمس اليد أو نسمة هواء تمرّ عليك، فلا تَقِس العلاقات الجنسية على البشر وتنتظر أن تجدها في الآخرة، لأن كل شخص لذّته قد تختلف عن الآخر، وفي الآخرة لن تكون هناك عاطفة بدليل قول الله تعالى {يوم يفر المرء من أبيه}".
السلفيون: "الأدلة واضحة"
يرفض السلفيون المصريون تصريحات خالد الجندي، وكان أوّل مَن هاجمه الداعية السلفي المحسوب على الدعوة السلفية في الإسكندرية سامح عبد الحميد حمودة، واتهمه بإنكار ما جاء في كتاب الله وسنة نبيّه.
يعرض حمودة لرصيف22 أدلة على وجود جنس في الجنة، ويقول: "الجنة فيها أنواع كثيرة من النعيم واللذات، ومن هذه اللذات لذة الجماع التي هي العلاقة الجنسية، وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم ‘أَنَطَأُ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، دَحْماً دَحْماً، فَإِذَا قَامَ عَنْهَا رَجَعَتْ مُطَهَّرَةً بكراً’".
وينقل حمودة عن الشيخ ابن عثيمين في تفسيره لقوله تعالى {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} قوله: "الآية فيها إثبات الأزواج في الآخرة، وإنه من كمال النعيم، وعلى هذا يكون جماع، ولكن بدون الأذى الذي يحصل بجماع نساء الدنيا، ولهذا ليس في الجنة مَنِيّ، ولا مَنِيَّة، والمنيّ الذي خُلق في الدنيا إنما خُلق لبقاء النسل، لأن هذا المنيّ مشتمل على المادة التي يتكون منها الجنين، فيخرج بإذن الله تعالى ولداً؛ لكن في الآخرة لا يحتاجون إلى ذلك، لأنه لا حاجة لبقاء النسل، إذ إن الموجودين سوف يبقون إلى أبد الآبدين لا يفنى منهم أحد".
يعتبر حمودة أن "الأدلة واضحة على أن في الجنة جماعاً ومعاشرة جنسية"، ويتهم الجندي بأنه "يكذب حين يزعم أن الجنة ليس فيها الجماع المعروف المعهود".
ويعرض حديثاً ورد في السلسلة الصحيحة للألباني فيه: "قيل يا رسول الله: هل نصل إلى نسائنا في الجنة؟، فقال: إن الرجل ليصلُ في اليوم إلى مئة عذراء".
ويتابع أن ابن عباس وغيره قالوا في تفسير قول الله تعالى {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ}، أي في افتضاض الأبكار، وأفرد ابن القيّم باباً في ذكر نكاح أهل الجنة ووطئهم والتذاذهم بذلك أكمل لذة، وسُئل النبي صلى الله عليه وسلم "هل يمس أهل الجنة أزواجهم؟"، قال: "نعم، بذَكَرٍ لا يمل، وفرج لا يحفى، وشهوة لا تنقطع" (رواه ابن ماجه).
وينفي حمودة أيضاً فكرة عدم وجود حور عين في الجنة مؤكداً أنهم "من نعيم الجنة، وسيملك كل مسلم منهنّ حسب أعماله"، مستدلاً على كلامه بالحديث الذي قال فيه الرسول: "أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة، قلوبهم على قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض، لكل امرئ منهم زوجتان كل واحدة منهما يرى مخ ساقها من وراء لحمها من الحسن".
ويستدل أيضاً بحديث: "إن أدنى أهل الجنة منزلةً له ثمانون ألف خادم، واثنتان وسبعون زوجة، وتُنصَب له قبّة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت"، ويورد تعليق عبد الرحمن المباركفوري في كتابه "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" عليه وقوله: "أن يقال يكون لكل منهم زوجتان موصوفتان... لا ينافي أن يحصل كل منهم كثيراً من الحور العين غير البالغة إلى هذه الغلية، كذا قيل والأظهر أنه تكون له زوجتان من نساء الدنيا وأن أدنى أهل الجنة مَن له اثنتان وسبعون زوجة في الجملة يعني اثنتين من نساء الدنيا وسبعين من الحور العين".
"للرجُل قوة مئة رجُل"
يؤيد الداعية السلفي المصري حسين مطاوع المحسوب على منهج الشيخ ربيع المدخلي ما قاله سامح حمودة، ويقول لرصيف22: "مما أعده الله لعباده المؤمنين في الجنة الحور العين، والدليل على ذلك قول الله تعالى {كذلك وزوجناهم بحور عين} و{متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين}، والحور العين في غاية الجمال... وكل رجل يدخل الجنة له زوجتان من الحور العين، وقال تعالى في وصفهن {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} و{وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ}".
وبدوره، يتحدث مطاوع عن وجود "دلائل"على وجود علاقات جنسية في الجنة، ويقول: "هذا ثابت. الرجل يجامع في الجنة زوجاته من الحور وزوجاته من أهل الدنيا إذا دخلن معه الجنة، ويعطى الرجل قوة مئة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع".
وكدليل على ما يقوله يذكر حديثاً للرسول زيد بن أرقم فيه: "إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ: فَإِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ تَكُونُ لَهُ الْحَاجَةُ؟! قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَاجَةُ أَحَدِهِمْ عَرَقٌ يَفِيضُ مِنْ جِلْدِهِ فَإِذَا بَطْنُهُ قَدْ ضَمُرَ".
القرآنيون... نساء الجنة "رمز للبراءة"
يؤيد القرآنيون بقيادة الباحث المصري أحمد صبحي منصور ما قاله خالد الجندي. وكانوا قد نشروا على موقعهم الرسمي مقالاً عام 2015 يعرض فيه "نهاد حداد" وجهة نظرهم.
ومما أتى في المقال المذكور: "وعد الله المؤمنين بأنهم سيكونون برفقة نساء لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان! ولكن لم يعدهم بأنهم هم من سيطمثوهن، وقد قصد بعدم طمثهن أنهن على الفطرة، وأنهن رمز للبراءة والعفة والطهارة ولم يمسسهن أحد كما لم يمسس أحد مريم أم النبي عيسى عليه السلام، حتى عندما وعدهم الله بأنه سيزوجهم بحور عين! فإن هذا الزواج هو من قبيل زواج آدم وحواء فحواء وآدم أيضاً كانا زوجين".
وأضاف كاتب المقال: "لم يعرف آدم ولا حواء أن لهما سوأتين مع أنهما كانا زوجين إلا بعد أن أكلا من الشجرة التي نهاهما الله عنها. معنى هذا أن الزواج بالحور العين ليس بالمعنى المادي للكلمة ولكن بالمعنى الروحي لها! الجنة لا جنس فيها، بل فيها أزواج مطهرة، وولدان مخلدون! هي جنة تزوج النفوس فيها والأرواح! وتتمتع بالسعادة المطلقة التي كان يتمتع بها آدم وزوجه لولا أن عصى آدم أمر ربه! وهل هناك أسمى ولا أروع من السعادة الروحية؟".
"استمتاع معنوي"
قبل ذلك، وبالتحديد عام 2010، ظهر جدل واسع حول الجنس في الجنة على خلفية قيام الحركات الإرهابية بتجنيد الشباب من خلال إغرائهم بالحور العين.
حينذاك، كتب رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية الدكتور أنور ماجد عشقي مقالاً خلص فيه إلى أن "الاستمتاع بالحور ليس استمتاعاً جنسياً... هو استمتاع معنوي لا ندرك مداه بعقولنا الدنيوية".
وجاء في مقال عشقي أن "الجنة تنعدم فيها الدواعي الجنسية. لهذا فإن الأعضاء التناسلية سوف تختفي عند الإنسان في الدار الآخرة لأن الله عز وجل وصفها بالسوأة، فقال تعالى: {فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة}. فالله عز وجل لم يخرج آدم وزوجه من الجنة إلى الأرض بسبب المعصية التي ارتكباها، بل بسبب ظهور السوأتين بعد أكلهما من الشجرة، لأن الله عز وجل تاب عليهما بعد أن تليا كلمات علمّهما الله إياها، فعفا عنهما، لكنهما بسبب ظهور السوأتين لم يعودا مؤهلين للبقاء في الجنة فأخرجهما عز وجل منها".
وأضاف عشقي: "الجنة لا جنس فيها لأن الأجهزة التناسلية للإنسان تختفي لأنه ليس في حاجة إليها في الجنة، كما ليس في حاجة إلى كل الغرائز التي ابتلى الله بها الإنسان على وجه الأرض لتستقيم الحياة".
"كيفيته لا يعرفها إلا الله"
من جانب آخر، يؤكد الداعية الأزهري والباحث في الشؤون الإسلامية محمد عبد السلام دحروج لرصيف22 أن الجنس موجود في الجنة على عكس ما أكده خالد الجندي، إلا أن حاله في الجنة ليس كحاله في الدنيا و"كيفيته لا يعرفها إلا الله".
وقال دحروج إن الله خلق الدنيا والآخرة و"كل دار لها مقاييسها الخاصة فالخمر المحرّم من الله في الدنيا مثلاً ليس هو الخمر الموجود في الآخرة والذي أحله الله، وكذلك هو الحال مع الجنس والطعام وغيره".
رصيف 22