شيوخ الفضائيات - مقالات
أحدث المقالات

شيوخ الفضائيات

شيوخ الفضائيات

لماذا يخرج شيوخ الفضائيات الفتن من قبرها؟ ماذا ينتج إدمان مشاهدة برامج الشيوخ؟ هل تعرف جرائم الشيوخ في حق الإسلام؟

طارق أبو السعد

شيوخ الفضائيات، لقب أطلق على كثير من الوعاظ الذين يقدمون وجبات من النصيحة والوعظ الديني في القنوات الفضائية، سواء في برامج بعينها أو في قنوات مخصصة لذلك، هذه القنوات لم تسهم في محاربة الجريمة ولم تسهم فى محاربة الإدمان، ولن تسهم فى محاربة الغلاء وجشع التجار، سواء التجار الصغار أو الكبار، كما لم ولن تسهم في تغيير سلوكيات المواطنين من شخص مستهلك إلى شخص منتج، إنما استطاعت هذه القنوات والشيوخ فيها أن يخلقوا مواطنًا أسيرًا لهم ولأفكارهم الموهومة عن الدين وعن المجتمع، أيضًا هذه القنوات وهؤلاء الشيوخ لم يسهموا فى تماسك اللحمة الوطنية، وفي الوقاية من الأمراض، ولم يحسنوا من مستوى الأخلاق، لكنهم في النهاية أدوا إلى تفريغ الدين من محتواه وأصبحوا عبارة عن أركان جافة تقليدية، وأصبح الدين طقوسيًّا آليًّا حركيًّا، كل هذا وأكثر منه تجارة صنعها رجال الفضائيات لا لشىء إلا ليتكسّب من ورائها الكثير وأصبحت تجارة ليست مع الله ولكن مع رجال الأعمال الإسلاميين، الذين استغلوا حب الشعب الفطري للتديُّن، استغلوا سطحية الكثير من المثقفين، واستغلوا حالة الاحتقان السياسي وعدم وجود قنوات شرعية للتعبير عن الرأي، فاستغلها هؤلاء ليجعلوا الدين سردابًا نختبئ فيه من مواجهة مشكلاتنا الحقيقية، لقد أضرنا شيوخ الفضائيات ضررًا شديدًا وبالغًا أصاب الدين ذاته وأصاب الوطن نفسه ولم ينجُ منه أفراد المجتمع.

أضرار شيوخ الفضائيات على الدين، كما أراها، هي:
أولاً، جعلوا الدين مشاهد وليس دينًا معاشًا: الدين هو عبارة عن الممارسات السلوكية للمسلم، والتى تنظمها عقيدة يؤمن بها، ونسك يؤديها إلى رب العالمين، أما شيوخنا الأفاضل فقد قاموا باختصار ذلك كله وجعلوا المسلم يكتفى بممارسة إسلامه عبر الشاشة الصغيرة، بمعنى أنك تشعر أنك تقترب إلى الله بمجرد أن تحول القناة وتشاهد الشيخ فلان الفلاني وهو يلقي الدرس الخاص به، رغم أن الدرس ملىء بالأفكار السطحية والمحسنات الصوتية التى تجعل المستمع منتبهًا، هذا هو الإسلام، مشاهد، في حين أن الله طلب منا أن نمارس الدين أي نعيشه فلا يكفى أن تستمع ألف مرة عن ألف حكاية وألف شيخ يكلمونك عن الصدق، ولكن يجب أن تمارس الصدق في الحياة، شيوخ الفضائيات جعلونا نشبع نفسيًّا لمجرد الاستماع إلى حكايات الصادقين، حتى توحّدنا معهم في الحكاية دون أدنى بذل لمجهود في تمثل خلق الصدق، وهكذا في كل خلق وفي كل سلوك وفي كل عبادة، جعلونا نشاهدها لا نمارسها.

ثانيًا، جعلوا الدين مقولبًا ومُنَمْذَجًا: من المعلوم لدى علماء الدين أن الله، تبارك وتعالى، طلب منا تدبُّر الآيات وتفهمها، ومعلوم أن أفهام الناس تختلف وتتفاوت، فيكون هناك حد أدنى للدين ولا يوجد حد أقصى للإيمان، وتحتمل الآيات الكريمة فى الكتاب التأويل والتفسير بما تحتمله اللغة العربية، فلا يمكن أن يكون هناك نموذج واحد فريد للدين وللتديُّن بل نماذج تتعدَّد بتعدُّد الأفراد المؤمنين بهذا الدين، فماذا فعل مشايخنا؟ قدَّموا نموذجًا واحدًا وكرروه وألحّوا وأصروا عليه واعتبروا أنه هو النموذج، وأعادوه مرارًا وتكرارًا حتى بقي في أذهان الناس أن المتدين يجب أن يكون هكذا وبالصورة التي طرحها شيوخ الفضائيات، مَن اختلف مع هذا النموذج اختلف مع الله ومع مراد الله، ويلفظه المجتمع «مثال للفتاة الملتزمة المتدينة عبر النموذج المتقولب»، هي تلك التي تغطي كل جسدها وكلما زادت مساحة الجسد المغطى كان ذلك معيارًا للتقوى، لا شك أن الحجاب فرض، إلا أن تعريف الحجاب هو النموذج المقولب الذي رسخوه في أذهاننا، شيوخ الفضائيات ارتكبوا هذه الجريمة وقولبوا لنا الدين ونمذجوا التديُّن.

ثالثًا، جعلوا الدين حكايات أسطورية: للوجود في الفضائيات لشرح قضية من القضايا، كم من الوقت سيأخذ، حلقة اثنين ثلاثًا… عشرين؟! لا أكثر، ولأن الشيوخ في الفضائيات يحتاجون إلى ساعات إرسال كثيرة من أجل الإعلانات والتقارير التي تقول أي البرامج أكثر مشاهدة في ظل هذا الصراع، المادي جدًّا! وهل تعتقد أو هل تظن أن هناك قضايا عقلية ستثار أم قضايا عاطفية «أقصد وجدانية من التي تجعل المشاهدين يبكون» وكلما بكى المشاهدون كلما كثرت المتابعات وكثرت المشاهدة على «اليوتيوب»، ومن بعدها تأتي الإعلانات والشركات الراعية والتى تنتج المصحف والسواك.. إلخ هذه الحكايات التى سيتم تناولها عبر الفضائيات، هى حكايات تدمّر العقل المسلم وتشكّل وعي وإدراك المسلمين بطريقة خاطئة جدًّا، وبالتالي يبقى المسلم أسير الحكايات الأسطورية (التى تمتلئ بها كتب التفسير) والتى لا تقدّم له حلاًّ بل تجعله عاجزًا عن صنع الحل والبقاء أسيرًا للحظة الربانية التى سيأتى بها النصر متجسدًا إلى المسلمين لحد عندهم، وهم يغطون فى النوم أمام عبادة مشاهدة شيوخ الفضائيات، التى يظنون أنها تقربهم إلى الله.

رابعًا، افتعلوا معلومات لتقديم مزيد من الحكايات: حكايات عن الرسول يكبرونها ويزيدونها، وقبلوا فيها الضعيف «من حيث السند» وغير المقبول عقلاً «من حيث المتن»، وضخّموا مرويات عن فضائل السور وفضائل البلدان، وكلما كان الخبر غريبًا وعجيبًا كلما تفنَّن شيوخ الفضائيات فى إلقائه على أذهان وآذان المستمعين، ليكسبوا متابعة ويكسبوا مشاهدين ويرتفع أجرهم، و«مش مهم المسلم ده مخه يضلم ولا يتكون عنده مضادات للفهم، أو تكبر عنده فرامل التفكير»، مش مهم، المهم العائد المادي، حتى ولو على حساب إيقاظ فتن فكرية وثقافية انتهت، حتى ولو على حساب التمزُّق الطائفي الشهير بين سنة وشيعة، مش مهم! المهم اسم الداعية يكبر وتكبر معه الحكايات، ويا سلام لو تمت ملاسنة بينه وين الشيخ الآخر المنافس له، سواء كانت الملاسنة بسبب تكذيب لحديث ضعيف أو غريب أو استنكار لمفهوم خاص لواقعة تاريخية، وتمتد الحكايات مثل حكايات الأخوة غير الطبيعية بين المسلمين المهاجرين والأنصار، وهى حكاية تسقط عندما نتدبّر الواقع في سورة الأنفال، وبعد بدر، وخلافهم على أسلاب الكفار، وهو أمر بشري جدًّا أقره الله ورسوله، لكن مشايخنا قدّموا لنا الصحابة فى صورة ملائكية تتناقض مع الواقع والحكايات عن انتفاء العصبية والقبلية، وهي الحكايات التي تسقط عندما نتدبر ما حدث فى سقيفة بني ساعدة، كثيرة هي الحكايات وكثيرة هي الثقوب التي تسببها هذه الحكايات في وعي المجتمع.

خامسًا، تدمير العقلية العلمية المسلمة وتجريفها: يرتكب شيوخ الفضائيات جريمة تجريف العقل المسلم لمستمعيهم إلى الدرجة التى لا يعرف فيها منهجًا علميًّا ولا ينكر أخبارًا ملفقة، وليس لديه القدرة على أن يميّز الخبيث من الطيب، فكم من المرويات المتناقضة التى يقاربها الشيوخ بطريقة تجعلها غير متناقضة تدليسًا على الناس، استجلابًا لاستحسان الجماهير، وليس نصرة للدين، فنصرة الدين الانتصار للحق وللرسالة التوحيدية لا الانتصار للمحدثين والإخباريين، كما يرتكبون جريمة أخرى وهي جعلهم النظر من باب الشك فعلاً يؤدّي إلى الكفر «أعوذ بالله»، بدلاً من استثماره كفعل يؤدّي إلى الإيمان كحالة سيدنا إبراهيم، وبالتالي استطاعوا تجريف العقول الإسلامية التى تستمع إليهم وتحويلها إلى عقلية أسطورية غائمة غير عملية وغير علمية، تعتمد على الأوهام، إنما هل منهم مَن حاول استثارة الغدة الضامرة في تلافيف مخ المسلم ليتدبّر وحده الكتاب ويسعد بتذوُّق حلاوة الذكر… لن تجد.

المقال

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث