لماذا يكره الإسلاميون تاريخ ما قبل الإسلام؟ كيف نكتشف الأفكار الداعشية المختبئة في أفكار الإسلاميين؟ ما الرسالة التى يوجهها داعش بقتل مدير متاحف تدمر؟

طارق أبو السعد

ارتكب «داعش» جريمة جديدة في سجل جرائمه الطويل، غير أن هذه الجريمة حرف جديد في كتاب داعش، فقد قام تنظيم الدولة، بذبح ما يمكن اعتباره أهم شخصية علمية وثقافية معاصرة في العالم العربي، والمختص فى الآثار والمخطوطات العربية، هو العالم البروفيسور الجليل خالد محمد الأسعد، مدير متاحف مدينة تدمر الأثرية، من بين آلاف الأشخاص الذين أعدمهم «داعش» وقام بتصفيتهم كلما سيطر على مدينة من المدن، إلا أنه يبقى قتل وذبح العالم خالد الأسعد شاهدًا على محاربة «داعش» العلم والعلماء، شاهدًا على نتيجة الأفكار السلفية التى لا تحترم التاريخ والآثار -على خلفية أنها أصنام وآثار القوم الكافرين- وأثارت هذه السيطرة مخاوف جدية على آثار المدينة التى تعرف باسم «لؤلؤة الصحراء» وتشتهر بأعمدتها الرومانية ومعابدها ومدافنها الملَكية التى تشهد على عظمة تاريخها.

وقد كان داعش سيطر بالكامل على مدينة تدمر في مايو الماضي بعد قتال استمر أكثر من عشرة أيام بين القوات النظامية وداعش، وبعد دخول داعش وسيطرته بالكامل، رفض البروفيسور خالد أن يغادر مدينته التي قضى عمره فيها طفلا وشابا ومتعلمًا وعالمًا ومنقِّبًا عن آثارها ومحققًا مخطوطاتها، لأكثر من نصف قرن وهو يعكف على ترميم ودراسة هذه الآثار،

ذبحوا عالم الآثار والباحث الأثري السورى، الدكتور خالد الأسعد، المعروف بنشاطه المتكاتف لسنوات مع بعثات آثار أمريكية وفرنسية وألمانية قامت بمعيته في عمليات حفر وبحوث بأطلال وآثار عمرها 2000 عام في تدمر، هذه الأعمال المدرَجة ضمن قائمة «اليونسكو» للتراث العالمي، فالرجل كان يفيد الإنسانية؛ ولهذا قتله داعش، فهم لا يعرفون ولا يفهمون معنى الإنسانية.

البروفيسور خالد الأسعد الذي بثت وكالات الأنباء بلغات عدة خبر مصرعه، وبعد ذبحه عُلقت جثته على عمود فى الطريق العام بتدمر التى سيطر عليها التنظيم المتطرف في مايو الماضى، لم يكن مقاتلا يحمل السلاح ولم يكن غير عالم يحمل القلم والعلم وهو ما يكرهه ويحاربه داعش وكل التنظيمات الإسلامية، قد يكون بعضهم لم يصل للنتيجة النهائية «الدعشنة» ربما بعضهم تعثر في الطريق، ربما بعضهم نموه الفكري والحركي بطىء، إلا أنه من المؤكد أن كل التنظيمات الإسلامية تعتمد على أفكار واحدة، وحتمًا ستصل إلى المرحلة النهائية -طالت المدة أم قصرت- فقط هي الفروق الفردية في النمو والوصول إلى نهاية المطاف.

خالد الأسعد بلغ من العمر 82 عامًا، لم يشفع له عند داعش كبر سنه ولا عدم قدرته القتالية للعفو عنه، كما لم يرقَّ قلب أحدهم وهو يجر رجلا في عمر جده، ولم تهتز يد أحدهم وهي تهوى لتقطع رأس الدكتور خالد الأسعد؛ ذلك لأنهم قوم بشعو الروح مشوهو الخلق رديئو العلم، قتل التنظيم فيهم أي لمحة إنسانية، ولم يبقِ لهم إلا الوجه البشع الذى استنكرته الملائكة لهؤلاء البشر، فقد قالوا لله، تبارك وتعالى: «أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء»، يسفك الدماء ويريقها وكأنما يريق من كوب به بقايا الماء، أزعم -والله أعلم- أنهم كانوا يقصدون هؤلاء الدواعش. ما الذى أرعب داعش من رجل في نهايات عمره لا يملك سلاحًا ولا يملك تنظيمًا يناوئهم، ولا يملك في يمينه سبايا جميلات انتصبت قلوب رجال التنظيم إليهن؟! إنه وبكل أسف فقط يملك علمًا يفيد به الإنسانية.

والمعروف عن الأسعد أنه قام بدراسات علمية عدة، نشرت مترجمة إلى معظم اللغات الحية في عدد من الدوريات الأثرية العالمية عن تدمر التى وُلد فيها عام 1934، بالقرب من معبد «بل» الأثرى، وحصل فى 1956 على إجازة بالتاريخ من جامعة دمشق، وبعدها دبلوم بالتربية. وطبقًا لما ذكر «زمان الوصل» المختص بالشأن السوري عن العالم الأثري، لم يجد داعش إلا خالد الأسعد ليقتله انتصارًا للإسلام وحمايةً للدين.

يفصلون رأسه عن جسده ويعلقون جثته على أحد الأعمدة مكتوبًا عليها تهمته أو الاتهامات التى من أجلها ذبحوه، فكتبوا في أعلى اللافتة «المرتد خالد محمد الأسعد.. موالٍ للنظام النصيري» وتحتها دوَّنوا في حقه 5 اتهامات: «بصفته: 1- ممثل سوريا في المؤتمرات الكفرية 2- مدير لأصنام تدمر الأثرية 3- زيارته إلى إيران وحضور حفلة انتصار ثورة الخمينى 4- تواصله مع العميد عيسى، رئيس فرع فلسطين 5- تواصله مع العميد حسام سكر بالقصر الجمهوري»، وهي التي من أجلها ذبحوه.

يا ترى يا هل ترى حزب النور والسلفية العلمية وكل التيارات الإسلامية سترى فيه هزيمة علمية على أيدى تلاميذهم، أم سيتجاهلون هذه الجريمة النكراء، ما يؤكد ادعائي أن الأفكار الداعشية هي في الأصل من التطور الطبيعي للأفكار السلفية والإخوانية والقتالية، وهي ذات الأفكار التي لا يريد أحد من كَهَنة التراث أن نقترب من التساؤلات حولها! هل آثار الفراعنة آثار قوم كافرين تستحق الإهمال وأن من يهتم بها عليه أن يحمل كفنه على يديه، فسيكون مصيره تهمة أنه مدير أصنام الفراعنة الكفار؟ هل المصريون فراعنة؟ وهل الفراعنة ملعونون للعنة فرعون موسى، أم أنه خطأ لحاكم واحد وأن هذا من العلوم التى يأمرنا الله بها، وهي «قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق» فيكون التعرف إلى الحضارات السابقة مهمة إسلامية، «أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم»؟ أليست هذه مهمة إسلامية أو إنسانية، فمن غرس فيهم أنها أصنام؟ أتعلمون من؟ اذهبوا واسألوا ياسر برهامي هل ترميم تمثال حورس حلال؟ وارجعوا لشيوخ السلفية الوهابية بالسعودية وعلماء نجد ورأيهم القاطع في مثل هذه المسائل، عندها ستجدون الإجابة وتعلمون من أين تأتينا بعوضة التكفير والقتال والتعصب والإرهاب، هذه البعوضة من تقرصه وتمتص منه دمًا، يتحول إلى إرهابي وقاتل.

فتشوا أيها الناس واعرفوا من أين يأتينا هذا البعوض؟ وأين يقع المستنقع الذي يبيض فيه ويفرخ؟ إذا ما اكتشفتموه لا تستوردوا مبيدًا ضد البعوضة الإرهابية ناقلة المرض، بل فليتكاتف الجميع ويقوم بردم المستنقع، حمايةً للمستقبل وحماية لأولادنا، ولله الأمر من قبل ومن بعد.