محمد سالم
في اليوم التاسع عشر من شهر يناير عام ١٩٨٥ تم تنفيذ حكم الاعدام علي المفكر السوداني محمد محمود طه تطبيقا لحد الردة الذي حكمت عليه به المحكمة السودانية نتيجة لما رأت في أفكاره كفرا وردة يستوجب القتل تطبيقا للشريعة
حكم المحكمة لم يكن ليصدر الا بعد الرجوع للهيئات الاسلامية الكبري ومنها مجمع البحوث الاسلامية التابع للأزهر والمختص برقابة المؤلفات والاعمال الفكرية والبحث في المسائل الدينية المفكر الكبير لم ينزع عنه الاسلام او يخرج من دائرة الفكر الاسلامي كان يدعو فهم جديد للدين ذا منحي روحاني وصوفي وتأويل جديد للشريعة وكان اشد انكارا لاستبداد النميري باسم الله والشريعة وهو ماحدا بالتعجيل بقتل المفكر في فورة جنون تطبيق الشريعة لإسكات اي فكر يعارض استبداد متسربل في سربال ديني.من العجيب أن الازهر الذي يدعي انه مظلة لكل فكر ومذهب اسلامي لا يستظل بظله الا اصحاب الرؤي والافكار والمتشددة مثل السلفين رغم انهم يختلف عنهم في تقديم رؤية مختلفة من الاسلام السني اما اصحاب الرؤي المستنيرة من المفكرين الاسلاميين فلاينالهم الا التكفير واهدار الدم
لاشك أن ماحدث للكاتب الكبير هو جريمة ارهابية. لا يختلف عن ماقام به الارهابين من قتل للمفكر الكبير فرج فودة وشروعهم في قتل الكاتب الكبير نجيب محفوظ (لولا أن الله سلم). وهي جرائم وجدت مظلة تشرعنها في فتاوي علماء ينتسبون للأزهر
لافرق بين فتاوي مجمع علمي ممول من ضرائب المصريين او مشايخ يقبضون رواتبهم الشهرية من خزانة الدولة الممولة من ضرائب المصريين ولافرق إن كان القتل علي يد جماعة دينية او في رعاية حكم ديني فالجريمة واحدة قتل انسان علي أفكاره لم يعهد العالم الحر مثلها الا في عصور الظلام زمن محاكم التفتيش المسيحية لكن ما هو الفرق بين الازهر والجماعات الدينية؟!
الجماعات الدينية لازالت تري في فرج ونجيب محفوظ انسان مرتد يستحق القتل فقط هي كانت تري إن في عملية اغتيالهم كان استدراج من الامن لضربهم اما الازهر فهو يري انه المؤسسة الدينية المنوط بها نشر الوجه المتسامح من الاسلام ومحاربة افكار الجماعات الدينية ولا يدعوا لفرض الاسلام بالقوة والعنف ويرفض التكفير
لكن أن كان الازهر صادقا في انه يمثل وجه التسامح في الاسلام لماذا لا يعتذر الازهر عن قتل المفكر الكبير محمد محمود طه بحد الردة وهو يدعي انه يحمل لواء التجديد الاسلامي ؟!
لماذا لا يحذوا حذو الكنيسة الكاثوليكية التي اعتذرت عن محاكمة جاليلو ومحاكم التفتيش والحروب الصليبية وتحريضها ضد اليهود التي كانت مظلة لاضطهاد وقتل الاف ومحاربة الفكر الحر علي امتداد اربعة قروون في اوروبا
في فورة تجديد الخطاب الديني الذي جاء نتيجة الممارسات القبيحة للجماعات الدينية وجرائم القتل التي ترتكبها باسم الدين التي اوجدت نفورا وكرها للدين بسببها هل يعتذر الازهر عن فتاوي التكفير التي كانت غطاء شرعيا لجرائم الجماعات الدينية والحكومات المستبدة باسم الدين ؟!إن كان صادقا في انه يمثل وجها للاسلام غير الذي تمثله جماعات العنف
هل يمكن ان يخرج علينا شيخ الازهر احمد الطيب ويعتذر عن تكفير طه حسين بسبب الشعر الجاهلي ونجيب محفوظ وفرج فودة وغيرهم هل من الممكن أن نري بيان من مجمع البحوث الاسلامية يعتذر فيه عن تكفير المفكر الكبير محمد محمود طه ؟! أن كان الازهر صادقا حقا في تأسيس خطاب جديد لايرعي العنف والارهاب لماذا لايتخذ خطوة تبين انه يختلف عن اصحاب الفكر المتشدد الذين لا يقبلون الراي الاخر ويكفرون المختلف عنهم ويدعون احتكار الحقيقة لماذا لايتبرء الازهر من فتاوي التكفير هل ثمة شئ يمنع الازهر من التبرؤ من دماء المفكر الكبير محمد محمود طه؟!