الكاتب: إسماعيل عزام
انفصاليون يتبنون هجوم الأهواز، وطهران توزع الاتهامات على أطراف متعددة. تدرك إيران حساسية منطقة الأهواز، خاصة وأن هناك من يراهن على المكوّن العرقي لكسر شوكة النظام الإيراني المتهم بالتدخل في شؤون جلّ جيرانه.
هجوم الأحواز .. اتهامات وتحذيرات وأسئلة مفتوحة!
أجّج هجوم الأهواز أو الأحواز نيران التوتر الواقع بين إيران ومجموعة من جيرانها العرب، خاصة وأن المنظمة التي تبنته، إلى جانب تنظيم "داعش" الإرهابي، هي "المقاومة الوطنية الأحوازية" المرتبطة بعدة فصائل سياسية معارضة منها حركة النضال العربي لتحرير الأحواز، الأمر الذي يجعل الهجوم غير مقتصر على عملية مسلحة ضد الحرس الثوري الإيراني، بل تذكيراً كذلك بتحدٍ كبير تواجهه طهران، هو تدبيرها لورقة المجموعات العرقية في البلاد، ومنها المشاريع الانفصالية في منطقة الأحواز.
اتهامات إيرانية خطيرة
ولا تعدّ المشاريع الانفصالية في الأحواز شأناً إيرانيا فقط، فالفصائل الحاملة لهذه المشاريع تبحث منذ زمن عن دعم خليجي بالأساس. في الجانب الآخر أشهرت السعودية أكثر من مرة ورقة المجموعات العرقية لتنتقد سجلّ إيران في حقوق الإنسان، كما أن الكثير من التقارير تربط بين دعم سعودي لفصائل المعارضة في الأحواز، رغم غياب أيّ تأكيد رسمي سعودي بصريح العبارة على وجود هذا الدعم.
ولا تتعامل طهران بالتحفظ تجاه اتهاماتها للسعودية وحتى الإمارات، فرمضان شريف، المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني، قال إن منفذي هجوم الأحواز "مرتبطون بمجموعة إرهابية تدعمها الرياض". كما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن مسؤول إيراني بالخارج قوله إن "السعودية والإمارات ضالعتان فيما جرى بمدينة الأهواز". بينما حمّل وزير الخارجية الإيراني من وصفهم بـ"رعاة الإرهاب وسادتهم الأمريكيون" مسؤولية الهجوم.
ووصل التوتر حدّ احتجاج رسمي إيراني على حديث مستشار إماراتي. وفي الوقت الذي لم تعلن فيه طهران رسمياً اسم المستشار، قالت وسائل إعلام مقرّبة من إيران إن الأمر يتعلّق بالأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، الذي كتب على تويتر إن "الهجوم ليس إرهابياً، وإن الخيار هو نقل المعركة إلى العمق الإيراني". وفي الوقت الذي نفت فيه أبو ظبي رسمياً أيّ علاقة لها بالهجوم أو التحريض عليه، يُذّكر تصريح الأكاديمي الإماراتي بما سبق لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان أن قاله من أن المعركة مع إيران يجب أن تنقل إلى داخلها.
ويرى عبد اللطيف الحناشي، في حديث لـDW عربية، أن هناك دولاً خليجية من صالحها إضعاف النظام الإيراني والانتقام منه نتيجة تمدده ودعمه الحوثيين والنظام السوري وحزب الله. ويتحدث الحناشي عن أن التخوّف الخليجي من المشروع الإيراني يصل إلى الولايات المتحدة خاصة في عهد الرئيس دونالد ترامب. ويربط الحناشي بين دعوة ولي العهد السعودي بضرب إيران من الداخل وبين التحريض الأمريكي ضد البلد ذاته، خاصة وأن طهران أدخلت واشنطن ضمن دائرة المتهمين بخصوص الهجوم الأخير.
الأهواز.. قصة توتر قديم-جديد
ليس موضوع الانفصال في هذه المنطقة الحدودية مع العراق جديداً، فالتاريخ يؤكد أن إقليم خوزستان، وعاصمته الأهواز، شهد استقلال كيانٍ عربي هي الإمارة المشعشعية خلال القرن السادس عشر، وبقيت الإمارة التي عُرفت كذلك باسم عربستان قائمة مع تغيير إسمها إلى الدولة الكعبية بعد سيطرة آل كعب عليها، لكن حكمهم انتهى عام 1925 في أعقاب سلسلة من الاتفاقات الحدودية بين الفرس والعثمانيين برعاية بريطانية وروسية.
الأمر لم ينتهِ هنا، إذ تجدّد النزاع بين إيران والعراق، لا سيما بعد اكتشاف النفط. ورغم اتفاق مصالحة في الجزائر عام 1975، فالتوتر اشتعل مجدداً وكان سبباً في اندلاع الحرب العراقية الإيرانية بعد تراجع صدام حسين عن الاتفاقية. وعلى مدار العقود الماضية، نشطت فصائل تنادي بعودة الاستقلال للإقليم، خاصة وأن المكوّن العربي لا يزال حاضراً بقوة في هذه المنطقة، وقد كان نظام صدام نشيطاً في دعم هذه الفصائل، رغم حذر هذه الأخيرة من طموحات صدام التوسعية، لا سيما مع احتلاله الكويت.
وتشهد الأهواز وجود عدة قوى تنادي بالاستقلال. من أشهرها هناك الجبهة العربيّة لتحرير الأحواز، وحركة النضال العربي لتحرير الأحواز، جبهة الأحواز الديمقراطيّة، والجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية. كما نشأت مجموعات تجمع هذه القوى منها اللجنة التنفيذية لإعادة الشرعية لـ"دولة الأحواز"، والمجلس الوطني لقوى الأحواز.
تحدي الأقليات العرقية
وتدرك طهران خطورة موضوع المجموعات العرقية غير الفارسية، خاصة وأن الأمر يتجاوز الأهواز ليصل إلى الأكراد الذين ينتشرون في عدة محافظات منها كرمنشاه، والبلوش المنتشرين على الحدود مع باكستان وأفغانستان، وهناك الأذر أو الأذريون الذين يوجدون فيما يعرف بأذربيجان الإيرانية شمال غرب البلاد. وهناك محاولات متعددة لتجميع بعض الفصائل من هذه المجموعات داخل إطار واحد لتشديد الضغط على طهران.
وتثير عدة منظمات حقوقية أوضاع هذه الأقليات، وقد سبق لمقرّر الأمم المتحدة أن أشار إلى وجود "تمييز ضد الأقليات الدينية والعرقية وحرمانهم من الحقوق السياسية والمدنية". وما يزيد من تخوّف طهران أن العمل المسلح ليس محصوراً على تنظيمات أهوازية، فهناك فصائل بلوشية كـ"أنصار الفرقان" تقاتل الحكومة الإيرانية، فضلاً عن أن الاختلافات العرقية لا تنحصر على اللغة، بل يوجد ضمنها الدين كذلك، وتحديداً الحضور السني في دولة تؤمن بتصدير الثورة الشيعية إلى الخارج.
بيد أن الحناشي يتحدث عن قوة طهران في مواجهة التحدي العرقي: "رغم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والإثنية في البلد، إلّا أن النظام الإيراني قوي يعتمد على جيش مسلح وجيش آخر غير نظامي، فضلاً عن دعم جزء كبير من الشعب الإيراني". ويبرز الحناشي أن طهران واجهت مثل هذه التحديات منذ الثورة الإسلامية، وهي قادرة على مقاومتها خاصة وأنها تعتمد كذلك على حلفاء في الخارج، منهم روسيا والصين، وكذا تركيا، الدولة السنية التي تناست اختلافاتها الطائفية مع إيران، وخلقت معها تعاوناً كبيراً.
استقلال الأحواز.. مطلب واقعي؟
سبق لعارف الكعبي، وهو رئيس ما يعرف للجنة التنفيذية لإعادة الشرعية لـ"دولة الأحواز" في إيران أن صرّح لموقع إرم نيوز، أن دول الخليج تساند هذه اللجنة في مطلب إقامة الدولة. الشيخ علي عبد الحميد الخزعل، الذي قدمه الموقع ذاته على أنه حفيد لآخر حاكم لـ"دولة الأحواز"، أشار بدوره إلى وجود مساندة خليجية لاستقلال الأحواز، متحدثاً عن فهم خليجي لخطورة السيطرة الإيرانية على منطقة اعتبرها بوابة للأمن القومي الخليجي.
يعمل عدد من المجموعات الأحوازية على التقرّب من الدول الخليجية، وكمثال تلك الرسالة التي أرسلتها حركة النضال العربي لتحرير الأحواز إلى القمة الخليجية الأخيرة، متحدثةً عن أن "الشعب العربي الأحوازي يعدّ جزءاً أصيلاً من المجتمع الخليجي". في المقابل، لا تعلن أيّ دولة خليجية وقوفها رسمياً إلى جانب استقلال الأحواز، لكن الإعلام في السعودية والإمارات، يحتفي كثيراً بهذه المجموعات ويفرد لها مساحات مهمة من التغطية.
ويرى الحناشي أن من يدعم الانفصاليين الأحواز لأجل استقلال الإقليم يراهن على الحصان الخاسر: "حجم القوى الأحوازية التي تطلب الاستقلال يبقى قليلاً مقارنة بالمشهد داخل هذه المنطقة، كما أن قدرات هذه القوى محدودة للغاية، وهي لم تستطع تحقيق أهدافها في عزّ دعمها من لدن نظام صدام حسين خلال الحرب الإيرانية-العراقية".
ويزيد السياق الإقليمي من صعوبة تحقيق الأجندة الانفصالية في المنطقة، وهو ما ظهر مع الأكراد الذين فشلوا في خلق دولتهم بالعراق رغم تنظيمهم الكبير مقارنة بالقوى الأحوازية. كما أن الإدارة الأمريكية بدورها، ورغم صراعها مع إيران، تفضل معالجة ملّف الأحواز ضمن ما يتعلّق بالوضع داخل إيران، حسب التصريح السابق لعارف الكعبي.
ويقول الحناشي في هذا السياق إن دول الشرق الأوسط مدركة لخطورة إحياء ملّف الأقليات، إذ تعيش جلّ الدول على مثل هذا التحدي، كما أن المجتمع الدولي بدوره يرى أن تشجيع مطالب الاستقلال عبر العالم أمر غير مناسب ما دام ذلك سيفتح باباً أمام الأقليات، سيكون من الصعب للغاية إغلاقه.
دي دبليو