مستشار/أحمد عبده ماهر
محام بالنقض ومحكم دولي وباحث إسلامي
كنتيجة لنقص الإمكانات اللازمة للزواج لدى الشباب، ولانحدار بعض القيم الأدبية، ولقلة الإحساس بالمسئولية، ولعله لأسباب أخرى، نشأت فرص زواج للكبار من فتيات ومطلقات صغيرات في السن، وإنه وفقا للفرص المتاحة يحدد المجتمع ردود أفعاله تجاه الأحداث، لذلك نعيش واقع كثرة طلاق الرجال وهدمهم لعش الزوجية بعد عشرون وثلاثون بل وأربعين سنة من عمر العلاقة الزوجية.
والمرأة المطلقة التي كبر سنها بعد أن أنجبت وخدمت وسهرت وبذلت، ليس لها من حق إلا ثلاثة أشهر نفقة عدة، ومؤخر صداقها الذي يكون هزيلا في معظم الأحيان، ومتعة يقدرها القاضي وفق يسار الزوج ومدة الزوجية، وتلك الحقوق المسماة بالشرعية لا تكفي المطلقة لمجرد أن تشتري حاجياتها الأساسية لتبدأ حياة جديدة.
ومن عجيب أمر دولتنا لأنها تتحمل نتائج هذا الطلاق الجائر الذي يكون سببه شبق الرجل في غالب الأمر، فتعيد الدولة للمطلقة معاش والدها، فنكون هنا بصدد خاسرين اثنين هما الزوجة المطلقة بعد زواج دام لعشرات السنين، والدولة التي ستدفع المعاش حتى يعيش الرجل سعيدا بلا أعباء نتيجة فعله إلا الثلاثة أشهر التي يلقيها كنفقة عدة كما أفتى بذلك فقهاء الزمن الجميل.
بل إن الدولة تتحمل علاج تلك المطلقة التي وهن عظمها بعد سني الشقاء في بيت طليقها، لأنه أخرجها من بطاقته العلاجية ليدخل الجديدة الجميلة الوافدة، فتكون خسارة الدولة مضاعفة على خسارة المطلقة.
ولست أدري من ذلك الفقيه الذي نشبت أنياب فقهه بالمجتمع فلا يستطيع المجتمع منها فكاكا، أهو القرءان الذي سمح بتشريد تلك الأنثى بعد عشرات السنين لا لجرم ارتكبته إلا كبر سنها، أم هي السُنَّة التي أمرت بهذا الهوان؟، بالطبع فإن القرءان والسُنَّة بريئان من فتاوى الحنظل المر الذي دام واستدام أكثر من 1200 سنة، وأذاق النساء والدولة مر الهوان.
فنفقة العدة التي غالبا ما تكون ثلاثة أشهر أو حتى تضع الحامل حملها، هي نفقة الضرورة، والمتعة هي لجبر خاطر المطلقة بعد عشرة السنين، لكن أين الحق في الحياة، ماذا ستفعل تلك المرأة التي منعها زوجها ـ في غالب الأمر ـ عن العمل لترعاه وترعى أولاده لعشرات السنين ثم وفجأة وبلا مقدمات، تراه يلفظها ويهدر حقها في الحياة الكريمة ليستمتع هو بمتعة الحياة ولذة الجماع مع الصغيرات والصبايا من الإناث، أين العدالة الشرعية بين حقوق تلك المرأة وهذا الرجل، وأين الميزان الاجتماعي بين رغبات هذا الرجل والدولة؟، لا يمكن أن يكون المغنم للرجل والخسارة للمرأة والدولة
لذلك أرى ـ وعسى ما يراه حكماء الأمة أوفى وأعدل ـ أن يدفع الرجل الذي طلق زوجته التي أنجبت له بعد زواج استمر خمسة عشرة عاما فما فوق معاشا شهريا يقدر وفق يساره ومعاشها عن والدها أيهما أكبر، وفي هذه الحالة لا تستحق هذه المرأة معاشا عن والدها من الدولة، كما يتكفل ذلك المطلق باستمرار علاجها على نفقته، ويبقى فقط على أسرتها والدولة تدبير المسكن الملائم لها، وهو ما يجب سن التشريعات به، حتى لا نجدهن مشردات أو يستجدين العيش في بيت هذا الأخ أو تلك الأخت أو الأعمام أو الأخوال.
إن تشريعات المرأة التي بناها الفقه القديم كانت ملائمة لعصرها، وأصبحت اليوم تمثل حضيض الظلم للمرأة، فوسط الخروج عن قيم النخوة والاعتراف بالفضل بين الناس، وتكاثر متطلبات الحياة الكريمة وارتفاع تكلفتها لا يمكن أن ندع الرجل يفلت بالتلذذ ليهدم حقوق العدالة، وتحمل الدولة عنه وزره.
والمرأة وسط ما يحيق بها من ظلم ليس أمامها إلا التلطم بين حياة الاستجداء من هنا وهناك، أو الرضا بالدنية من الحياة، لذلك كان لزاما أن نجد تشريعا قانونيا يفي بالكرامة الإنسانية ويتحمل به كل مسئول مسئوليته، كما نؤكد على ضرورة تجديد الفقه ليتلائم مع حقيقة حياتنا الحضرية في تلك الحضارة التي نعيشها.