سهير الشربيني
أرجو أن تكون قائمة المراقبة العالمية لعام 2018 حافزًا لحشد المؤمنين للوقوف جنبًا إلى جنب عائلتهم المضطهدة في جميع أنحاء العالم"، هكذا افتتح المدير التنفيذي لمنظمة الأبواب المفتوحة التقرير السنوي الذي ترصد فيه مؤسسته الانتهاكات الواقعة بحق المسيحيين كل عام.
رتب التقرير قائمة مكونة من 50 بلدًا لأكثر الدول تمييزًا وعنصرية ضد المسيحيين. تعمل تلك المؤسسة في مجال مناصرة المسيحيين منذ 60 عامًا، مقرها الرئيسي في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنها تعمل في أكثر من 60 دولة. وفي تعريفها لنفسها على موقعها الرسمي فإنها «تقدم الدعم للمسيحيين المضطهدين من خلال رفع الوعي بالاضطهاد الذي يكابده المسيحيون على مستوى العالم».
وبحسب ما جاء في مقدمة التقرير، فإن هناك نحو 215 مليون مسيحي يواجهون مستويات عالية من الاضطهاد في البلدان المدرجة في التقرير. إذ قُتل نحو 3066 مسيحيًا، بينما اختطف 1252، وتعرض 1020 شخصًا للاغتصاب أو للتحرش الجنسي؛ بينما تعرضت حوالي 793 كنيسة لهجمات خلال عام 2018.
وقد رصد التقرير بالنسب والأرقام درجة الضغوط والقيود التي يواجهها المسيحيون سواء كان ذلك في شكل عمليات عنف أو قيود على ممارسة الأنشطة الدينية وبناء الكنائس، أو قيود على المتحولين إلى المسيحية، أو ضغوط على المستوى المجتمعي، وهو ما سيتم عرضه في هذا التقرير.
الدول الأكثر تطرفًا
جاءت كوريا الشمالية، متصدرة التصنيف في المركز الأول في التقرير، للسنة السادسة عشر على التوالي منذ عام 2002، حيث وصلت نسب القيود الممارسة على بناء الكنائس والحياة الاجتماعية والخاصة للأسر المسيحية إلى نحو 99.8%، بينما وصل مستوى العنف الممارس بحقهم إلى 63%. فالعداء والقيود ضد المسيحيين تأتي بالأساس من قبل الدولة والمجتمع على حد سواء. فالدولة تنظر للمسيحيين على أنهم عناصر معادية يجب القضاء عليها، بينما يميل المجتمع إلى إبلاغ السلطات فورًا عن وجود أي نشاط ديني.
يليها في المرتبة الثانية، دولة أفغانستان، التي ينخفض العنف فيها عن كوريا الشمالية بمقدار طفيف 3% فقط. إلا أنهما يحتفظان بنفس النسب فيما يتعلق ببقية مستويات الاضطهاد. ويُذكر أن جميع المسيحيين في أفغانستان هم بالأصل متحولون من الإسلام، ويعانون فيها من عدم القدرة على التعبير عن عقيدتهم، كما أنهم يواجهون خسارة في تجارتهم، وقد يتعرضون إلى القتل على أيدي أفراد أسرتهم.
وتأتي الصومال في المرتبة الثالثة في القائمة، وتدور نسب الاضطهاد فيها في نفس إطار كوريا الشمالية وأفغانستان، إذ يبلغ مستوى العنف فيها 62%، والضغوط على مستوى الدولة وبناء الكنائس تقدر بنحو 98%، إلا أن الضغوط على الحياة على الخاصة والاجتماعية تسجل انخفاضًا بسيطًا بمقدار 3% فقط.
أما السودان، التي تحتل المركز الرابع من بين الدول الأشد قمعًا للمسيحيين، فمعدل العنف الممارس بحقهم يزداد بفارق 10% عن الدول السابقة، بنسبة تقدر بنحو 72% نظرًا لتفشي التطهير العرقي في ظل الحكم الشمولي للرئيس البشير وحزبه -وفق ما ورد في التقرير. بينما تمثل الضغوط على بناء وعمل الكنائس 96%، إلا أن الضغوط الممارسة على الحياة الاجتماعية والأسرية والخاصة تنخفض لتصل إلى 85%.
وأخيرًا باكستان، في المركز الخامس، ويُمارس الاضطهاد بشكل رئيسي فيها من قِبل الجماعات الإسلامية المتطرفة، إذ يسجل العنف الممارس بحق المسيحيين أعلى مستوياته مقارنة بالدول السابقة له في الترتيب بنسبة 99.8%، أما الاضطهاد من قبل الدولة فيصل إلى 90%، و82.5% من قبل المجتمع.
الدول العربية والإسلامية
تتفاوت درجات الاضطهاد في دول المغرب العربي، فبينما تحتل ليبيا المرتبة السابعة نظرًا لتفشي الفوضى والحرب الأهلية فيها والاضطهاد العنيف ضد من يعبرون علانية عن دينهم، وضد المسيحين من أصول إسلامية. فمستوى العنف فيها سجل في هذا العام نسبة 62%. بينما تأتي تونس في المرتبة الـ30، إذ ينخفض فيها مستوى العنف إلى 23%، إلا أن المصدر الرئيسي للاضطهاد فيها يأتي من قبل أفراد الأسرة والمجتمع، كما أنه من الصعب الاعتراف رسميًا بتحولهم إلى المسيحية، إذ تصل نسبة الضغوط الأسرية إلى 79%. الأمر نفسه في الجزائر، ذات المركز الـ42، إذ يتمثل الضغط الرئيسي في الأقارب والجيران من المسلمين، علاوة على القوانين التي تحظر التحويل وتعتبر التبشير جريمة. وتبلغ نسبة الضغوط الممارسة من قبل الدولة 62% ومن قبل المجتمع 44.5%.
أما في دول الخليج، فتتصدر السعودية المرتبة الـ12، إذ تتبع وفق التقرير نظامًا إسلاميًا صارمًا، وتعتبر المسيحيين مواطنين من الدرجة الثانية، وتنكر أي أماكن أخرى للعبادة لأي دين آخر غير الإسلام، فتصل القيود المشددة على بناء الكنائس إلى أعلى مستوياته بنحو 98%. بينما تحتل قطر المرتبة الـ27، وتأتي الضغوط فيها بشكل أساسي من قبل الدولة والمجتمع اللذين يرفضان النظر لأي دين آخر غير الإسلام، ويمارسان ضغوطًا على المتحولين، فتبلغ فيها الضغوط الممارسة من قبل الدولة 67.5% ومن قبل المجتمع 70%.
أما الكويت، فتاتي في المرتبة الـ34 كثالث أعلى دولة خليجية في مستوى الاضطهاد ضد المسيحيين، إذ يتعرض المتحولون إلى المسيحية فيها إلى تمييز ومضايقات ومراقبة من قبل الشرطة، فضلاً عن المشاكل القانونية ذات الصلة بالأحوال الشخصية. فنسبة القيود المجتمعية الممارسة عليهم تبلغ حوالي 69.5%، وتصل نسبة الضغوط الأسرية على المتحولين إلى 75%.
أمّا الإمارات، التي تحتل المرتبة الـ40، فإنها بحسب التقرير لديها تناقض في قيمة التسامح، ففي الوقت الذي تتسامح فيه مع المسيحيين المغتربيين، إلا أن المتحولين إلى المسيحية يواجهون الكثير من الضغوط من قبل عائلاتهم والمجتمع المحيط بهم، وتصل تلك الضغوط إلى 60%. أما عُمان، صاحبة المركز الـ46، فترك الإسلام فيها يعتبر خيانة للقبيلة والأسرة. وقد يأتي الاضطهاد في شكل إخلائهم لمنازلهم أو طردهم من العمل. ويمثل الضغط الأسري 59%، والضغط على الحياة الخاصة 73%. الأمر كذلك في البحرين، التي تحتل المركز الـ48.
وتبدو من الأرقام أن السمة الرئيسية والمشتركة في دول الخليج هي أن الضغوط القادمة من قبل الأسرة والمجتمع تمثل المصدر الرئيسي للضغط على المسيحيين، يليه الضغوط من قبل الدول الخليجية على عمل الكنائس وبنائها.
أمّا مصر فتحتل المرتبة الـ17 في قائمة الدول الأكثر تمييزًا ضد المسيحيين، ويبلغ نسبة الاضطهاد على مستوى المجتمع 73%، وذلك في شكل ضغوط هائلة على المتحولين من قبل عائلاتهم للعودة إلى الإسلام، إلى جانب العداء الناجم ضد المسيحيين الذين ينجحون في التجمع. وتصل نسبة القيود الممارسة على المستوى الاجتماعي 73%، كما تبلغ نسبة العنف فيها 74%. بينما في العراق، التي تحتل المركز الثامن وفق التقرير، تستهدف الحركات المتطرفة فيها المسيحيين والأقليات الدينية وتقوم بعمليات خطف وقتل، كما يواجه المسيحيون من خلفيات إسلامية ضغوطاً كبيرة من قبل عشائرهم وعائلاتهم، والتي قد تصل أحياناً إلى حد محاولة القتل، فيُمثل العنف، الذي يُقدر بنسبة 68%، والضغوط من قبل الدولة والمجتمع 89%، السمتان الرئيسيتان للاضطهاد فيها.
أما دولة اليمن، صاحبة المركز التاسع في التقرير، فقد تسببت الحرب لجماعات مثل داعش والقاعدة في توسيع عملياتهم ضد المسيحين، حتى أصبح المتحولون من الإسلام يواجهون ضغوطاً عنيفة على المستوى الاجتماعي والوطني بنسبة تصل إلى 99%.
وفي الأردن، التي تأتي في المرتبة 21، يواجه المتحولون إلى المسيحية قدرًا كبيرًا من الاضطهاد بدايةً من محيط عائلاتهم، إذ تبلغ نسبة القيود الممارسة من قبل الأهل على أولئك المتحولون 69%. وفي سوريا، التي تحتل المركز الـ15، تعد الأسرة بحسب التقرير المصدر الرئيسي للاضهاد ضد المتحولين من الإسلام، إذ يمثل الضغط من قبل الأسرة نحو 84.5%، علاوة على هدم معظم الكنائس في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الإسلامية.
الدول الأكثر انتهاكًا لحقوق الإنسان
المسيحيون ليسوا وحدهم مضطهدين، ففي دول عرضها التقرير ضمن القائمة التي يعاني فيها المسيحيون أعلى مستويات التهديد، يواجه المسلمون في الدول ذاتها نفس مستوى التهديد بل وأكثر. ففي الصين، التي تأتي في المرتبة الـ43 وفق التقرير، ويمثل مستوى العنف فيها ضد المسيحيين 54%، والضغوط على عمل وبناء الكنائس 80%. نجد أيضًا أن الأقليات المسلمة هناك لم تنج من انتهاكات حقوق الإنسان؛ إذ يواجه المسلمون أعتى حملات القمع والعنف فيها، فوفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في 30 آب 2018، فإن هناك معسكرات سرية يُحتجز فيها مليون شخص من عرقية الإيغور المسلمة وأقليات مسلمة أخرى، ويتعرضون فيها للاحتجاز التعسفي والتعذيب، فضلاً عن فرض قيود صارخة على ممارسة العبادات، وتفعيل نظام المراقبة الرقمي لكل جوانب الحياة اليومية لهم.
أما ميانمار، صاحبة المركز الـ24، فوفقًا للتقرير هناك نحو 100 ألف مسيحي في مخيمات اللاجئين نتيجة لتواطؤ المجتمع البوذي مع حكومته في تبديد ممتلكات الكنائس وتحويل أبنيتها لمزارات بوذية وطرد المسيحيين وممارسة العنف بحقهم. وفي الوقت ذاته، وبحسب ما ورد في تقرير للأمم المتحدة، فهناك نحو 700 ألف من مسلمي الروهينجا قد نزحوا إلى بنجلاديش منذ بداية الأزمة في آب 2017، فضلاً عن تدمير النظام الميانماري لقرى الروهينجا بالجرافات، وإزالته لكل آثار الحياة في تلك المناطق. علاوة على تعرض الكثير من المسلمين إلى أعمال عنف وحشية كالاغتصاب الجماعي وغيرها من مظاهر العنف الجنسي ضد النساء.
وفي الهند، التي تحتل المرتبة الـ11 وفق تقرير المراقبة العالمي، فإن نسبة العنف المرتكب بحق المسيحيين قد وصل إلى 86.5%، إذ يوجد بالهند جماعات هندوسية متطرفة هدفها الأول والأخير ليس فقط القضاء على المسيحيين، بل وممارسات عمليات التطهير أيضًا تجاه المجتمعات المسلمة بأعنف الأساليب. فوفق تقرير منظمة العفو الدولية 2018/2017: هناك عشرات من جرائم الكراهية التي تستهدف المسلمين قد وقعت في شتى أنحاء الهند. وقُتل ما لا يقل عن عشرة رجال مسلمين، وجُرِحَ كثير غيرهم على أيدي الجماعات الأهلية المعنية بحماية الأبقار.