متى نربط فظائع المنيا وما قبلها بأسبابها الحقيقيه؟ - مقالات
أحدث المقالات

متى نربط فظائع المنيا وما قبلها بأسبابها الحقيقيه؟

متى نربط فظائع المنيا وما قبلها بأسبابها الحقيقيه؟

دكتور فؤاد عبد المنعم رياض

لا يكفى بحال من الاحوال للقضاء على مشكله الاعتداء على الاقباط وطردهم من منازلهم وقراهم لمنعهم من الصلاه، مجرد التحقيق فى الجريمه فحسب ومحاكمة مرتكبيها بل يتعين كما يقضى المنطق السليم الرجوع الى كافه المعطيات والاسباب التى ادت الى الوصول لهذه النتيجه. ومن العبث محاوله القضاء على المشكله قضائا جذريا دون التقصى عن المعطيات التى تسببت في وجودها. وهناك ثمه حقائق يتعين عدم استمرار التغافل عنها.
أما الحقيقه الاولى هى ماتم منذ اوائل السبعينيات من القرن الاخير من اقناع جمهور الشعب المصرى بان مصرليست سوى دوله اسلامية يحكمها رئيس مؤمن وان المسيحيين ماهم الا دخلاء عليها .وقد نجم عن ذلك الاعتداء على الاقباط فى القرى كما شهدنا بالنسبه لمذبحه الخانكه عام 1972 وما تلاها من عدوان على الاقباط وتخريب لمناذلهم مع اصرار الدولة على ان كل ذلك ماهو الا خلافات شخصيهة
وقد تزايد بث الكراهية فى نفوس الجمهور ضد الاقباط منذ ذلك الحين فى الخطاب الدينى على المنابر والزوايا وكذلك وسائل الاعلام وبرامج التعليم بل وفى اماكن عامة حيث صار التمييز فى التعامل مع المواطنين امرا طبيعيا، والواقع أن نهج الحد من بناء الكنائس الذى دأبت عليه الدولة هو نفس نهج اقصاء المسيحيين عن بعض المناصب الحيوية كمنصب المحافظين ورؤساء الجامعات الى غير ذلك حتى بدء الاصلاح فى الاونه الاخيرة.
وللقضاء على هذا السبب الهام للماساة الحالي يتعين القيام بتصحيح مارسب فى اذهان الجمهور المسلم من افتراءات وتحريض ضد المسييحيين و بث الاحساس الفعلى باولوية الانتماء للوطن على اي انتماء اخر كما سبق ان نوهت ثورة مصر المجيدة عام 1919 بان "الدين لله والوطن للجميع" .ولامجال للتشدق بمبدا عدم التمييز بين كافه المواطنين الوارد بالدستور المصري طالما كان ذلك غير مشفوع بتطبيق فعلي صادق وقيام موسسات الدولة باعطاء الصورة المثلى له. ويجدر فى هذا المقام السعى للكشف عن طريق لجنة قومية عليا لمراقبة اي خرق لمبدأ المساواة الكاملة بين ابناء مصر فى كافة المجالات من دينية ورسمية ومدنية قبل ان يصير هذا الخرق بمثابة اسلوب طبيعي مع تقرير عقوبة رادعة لاي مخالفة لهذا المبدأ.
اما الحقيقة الثانية التى أدت دون شك لمواصلة الاعتداءات على المسيحيين فتتمثل فى تقاعص الدولة عن تقديم مرتكبى هذه الجرائم للقضاء وانشاء مجالس عرفية تقوم مقام القضاء للفصل فيها وتنتهى هذه المجالس عادة بادانة الضحية بدلا من مرتكبي الفعل ويحضرني فى هذا المقام ما شاهدته اثناء تشرفي برئاسه لجنة تقصى حقائق 30 يونيو من قرارات جائرة لمجالس عرفية فى قرى صعيد مصر بل وعلى مشارف القاهرة. ومن أمثلة ذلك قيام مجالس عرفية بتبرئة من قام بحرق منازل اسرة قبطية وذلك بسبب اتهام خطيب المسجد لاحد افرادها بمصاحبة فتاة مسلمة وإدانة المجلس الشاب المسيحي الذى لم يرتكب اية جريمة فى نظر القانون والزامه بتعويض اسرة الفتاة بمائة ناقة فضلا عن طرد الاسرة القبطية من القرية. وقد حرصت الدوله على عدم تقديم هذه الجرائم للقضاء خشية صدور احكام من شانها اغضاب وثورة اهالي القرى وتهديدهم للامن العام. ومن الجلي ان هذا التغاضي عن تقديم مرتكبي هذه الجرائم للقضاء على مدار عقود عديدة قد ساهم الى حد كبير فى مواصلة الواقعين تحت تاثير التعاليم الدينية المضللة ارتكاب هذه الجرائم خاصة وان مرتكبي هذه الجرائم هم الذين يفوزون فى نهايه الامر بالمكاسب المادية.
اما الحقيقة الثالثة: فهى سلبية المجتمع المدني ومثقفيه وعدم احتجاجهم ورفضهم البات لاهدار الحقوق المشروعة والتنكيل بشريحة هى اصل من اصول هذا الوطن. ومن الثابت ان اي اصلاح حقيقي ينبع اساسا من موقف المجتمع المدني وايمانه به. ولا شك أن الدور الرئيسي فى هذا المجال يقع على عاتق كافة المثقفبن الذين لا يمثلون حتى الان جبهة واحدة كما أنهم يقتصرون فى غالب الأحيان على مخاطبة بعضهم لبعض، كما أنهم ليسوا متمكنين بعد من التواصل الفكري مع عامة الشعب.
اما الحقيقة الرابعة: فهى استخفاف مصر حكومة وشعبا بالراي العام العالمي وبقرارات المجتمع الدولى الرسمية كالمجلس الدولي لحقوق الانسان التى تدين بشدة اهدار مصر لحقوق الاقلية المسيحية وكذا لحقوق المرأة، وكأن مصر تعيش فى كوكب آخر ولاشأن لها بالنظام الذى يحكم كوكب الارض غير مدركة بان العالم اصبح اشبه بقرية واحدة كما يجري القول وبالتالي فان الجرائم المرتكبة فى اي مكان فى العالم لن تخفى عن كافة شعوب العالم. و لن تكف المؤسسات الدولية عن ادانة مصر طالما استمرت بارتكاب هذه الجرائم, ومن المعلوم ان اضطهاد الاقليات كان من ذرائع الغزو البريطانى لمصر عام 1882 واحتلالها وذلك بعد ماوقع بالاسكندرية من مذبحة.
ان مأساة المنيا وما سبقها خلال نصف القرن الماضي يشكل نواة لمخاطر تهدد كيان الدولة فضلا عن تمزيق الشعب، وليس من الصواب تكرار اسلوب التهدئة المؤقتة المتسترة بتقبيل الذقون مع إفلات مرتكبي الفعل وترك المشكلة الحقيقية دون حل كي تتفاقم وتفلت من الزمام. ولعل الوعي بخطورة النتائج المترتبة على المشكلة يحث اولي الأمر على التصدي الحاسم لكافة الاسباب والعوامل التي أدت إلى حدوثها وعدم التراجع أمام أي معارضة حتى ولو شكلت تهديدا على الأمن العام، فالأزمة التي نحن بصددها هى قضية مصيرية يجب أن تحظى بأولوية المواجهة والحل.

أ/د فؤاد عبدالمنعم رياض

موقع د. رياض

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*