آفة الآفات!! - مقالات
أحدث المقالات

آفة الآفات!!

آفة الآفات!!

القس رفعت فكري

ذكرت وسائل الإعلام الأسبوع الماضى أن سلطات أمن بنى سويف تمكنت من احتواء موقف سلبى شهدته كنيسة الشهيد العظيم مار جرجس بقرية «الزيتون»، التابعة لمركز ناصر بمحافظة بنى سويف، عندما فوجئ المصلون بأحد أفراد قوة تأمين الكنيسة يقتحم «صحن» الكنيسة، وسار حتى مواجهة الهيكل، ثم بادر بالصياح بصوت جهورى، موجهًا حديثه للكاهن والشعب مرددًا «أنتم كفار يا كفرة.. كلكم كفرة»، وتمكن بعض المصلين من السيطرة على الشرطى واصطحابه خارج الكنيسة، وتم تسليمه لباقى أفراد الشرطة المكلفين بتأمين الكنيسة، الذين قاموا بإخطار مأمور المركز، الذى حضر على الفور للكنيسة بصحبة عدد من قيادات الشرطة بالقسم، وقام بإلقاء القبض على الشرطى، وتمت إحالته للتحقيق مع وقفه عن العمل.

إن هذه الأقوال الطائشة غير المسؤولة من أحد أفراد الأمن، تجسد لنا إلى أى مدى تغلغل التعصب لدى بعض المتطرفين فكريًا، ومن ثم تغلبت النظرة الطائفية البغيضة حتى داخل الدين الواحد. والتعصب هو آفة الآفات المدمرة للعقل الإنسانى، فالآفة هى كائن حى يسبب الأذى لكائن حى آخر مهم بالنسبة للإنسان، وقد يكون الكائن الثانى الإنسان نفسه، والتعصب آفة ومرض بغيض يتسبب فى تدمير المجتمعات الإنسانية.

و«الدوجماطيقية» أى توهم اقتناص المُطلق، هى الأساس فى تأسيس «الأصولية» بكل أنماطها فى أى دين أو فى أى مذهب يدعى امتلاك الحقيقة المطلقة، وصراع المعتقدات هو دلالة وقوع الإنسان فى وهم الاعتقاد بأنه مالك للحقيقة المطلقة، ومن يتوهم أنه يمتلك الحقيقة المطلقة هو متعصب بطبعه، والتعصب هو اتجاه نفسى لدى الفرد يجعله يدرك فردًا معينًا أو جماعة معينة أو موضوعاً معينًا إدراكًا إيجابيًا محبًا، أو سلبيًا كارهًا، دون أن يكون لذلك ما يبرره من المنطق أو الشواهد التجريبية، لذا فإن مناقشة موضوع التعصب أو التطرف بكل أشكاله السياسية أو الأدبية أو العنصرية أو الدينية، إنما هو سبر أغوار النفس الإنسانية بنشأتها وتكوينها، وهى محاولة لا يألو الإنسان فيها جهدًا لمصارعة ذاته بذاته، فإما أن ينتصر عليها ويخضعها لسلطان العقل، أو أن تفلت من عقال العقل وتنحدر نحو الحيوانية بعد أن خلقها الله بأحسن تقويم. إن التعصب هو تقديس للأنا وإلغاء للآخر، فكل ما تقوله «الأنا» يدخل فى حكم الصحيح المطلق، وكل ما يقوله الآخر يدخل فى حكم الخطأ، ويقود هذا إلى موت لغة التواصل والحوار، وحين يموت منطق الحوار تنطق الحراب والبنادق وتُحفر الخنادق وتُستباح الدماء.

إن البشرية فى سعيها لتحقيق المجتمع الإنسانى بحاجة دائمًا إلى الانفتاح والنزوح نحو الخارج، وتمزيق الشرانق التى ترسم الدوائر الضيقة، فهى بحاجة إلى التآلف والتآخى والتكاتف بدلًا من التخندق والمواجهة وهدم جسور التواصل التى تؤدى بالنتيجة إلى الإرهاب ذلك الكابوس الذى تعانى منه البشرية.

إن الحقيقة الثابتة أن الآخر هو جزء من حياتى، جزء من عالمى الخاص، وهو فى رقبتى على طول المدى، فلا يمكن أن أعيش بدون الآخر، ولا أستطيع حتى أن أمارس العبادة بدون الآخر، بل لا أستطيع الوصول إلى الله بدون الآخر.

إن التعددية ثراء والتنوع غنى، والعصفور الواحد لا يصنع ربيعًا، والزهرة الواحدة لا تصنع بستانًا، فمتى يتعلم الأصوليون درس التعددية؟!!.

*رئيس سنودس النيل الإنجيلى

المصرى اليوم

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث