إسلام بركات
في نهاية الشهر الماضي، أعلنت وزارة اﻷوقاف عن إطلاق برامج تدريبية ﻷئمة اﻷوقاف للتوعية ضمن خطة قالت إنها «لمواجهة التطرف والتوعية بمخاطر الإلحاد»، والذي اعتبرته «موجهًا للإضرار بالقيم المصرية الأصيلة، وضرب المجتمع المصرى من الداخل».
على هامش تلك البرامج اعتبر وزير اﻷوقاف محمد مختار جمعة، في تصريحات صحفية أن اﻹلحاد «ورقة سياسية» تُستخدم لضرب المجتمعات وتفكيكها، ضمن ما أسماه «حروب الجيل الرابع والخامس»، والهدف من ذلك على حد زعمه إعادة رسم خريطة المنطقة، من خلال «اﻹلحاد الممول والموجه والمسيس». وأضاف جمعة أن اﻹلحاد «ينزع القيم الإيجابية من نفس الملحد بما يفرغه من الرقابة الذاتية الأصيلة، رقابة الضمير، ومراقبة خالق الكون والحياة، فلم يعد أمامه سوى القانون الذى يسعى إلى التفلت منه ما وسعه ذلك».
لم تكن تلك البرامج أولى المبادرات التي أطلقتها وزارة اﻷوقاف تحت قيادة جمعة، فقد سبق للوزارة أن اطلقت عدة مبادرات، سواء كانت خاصة بالوزارة وأئمتها، أو بالتعاون مع مؤسسات أخرى من الدولة.
من تلك المبادرات ما تعاونت فيه وزارة اﻷوقاف، ووزارة الشباب والرياضة، في يوليو 2014 ،على إطلاق ما أسموه «حملة قومية لمكافحة ظاهرة انتشار الإلحاد بين الشباب» . بالاستعانة بعدد من علماء النفس والاجتماع والسياسة والأطباء النفسيين.
وكانت وزارة اﻷوقاف قد أعلنت في أغسطس 2014، بحسب ما نشرته صحيفة» المصري اليوم»، أن «الوزارة تعمل بتنسيق كامل مع كثير من الوزارات والمؤسسات وعلى رأسها الأزهر، ووزارة الشباب والرياضة، وأنها وقعت بروتوكولًا ثلاثيًا لمواجهة التطرف والإلحاد معًا، وأنها تسير في ذلك بخطى ثابتة، كما أنها نسقت مع وزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي، ووزارة الثقافة، واتحاد الإذاعة والتلفزيون، وكثير من المفكرين والإعلاميين، لمواجهة كل هذه التحديات.
كما أوصى «المؤتمر الثامن والعشرين للمجلس اﻷعلى للشؤون اﻹسلامية»، والتابع لوزارة اﻷوقاف، بضرورة تأكيد الوسطية في مواجهة اﻹرهاب، وعدم الذهاب إلى النقيض الآخر من الإلحاد والانحلال الأخلاقى، حيث إن هذه الانحرافات تسهم فى تدمير المجتمع من داخله، وتمهد الطريق أمام الإرهاب، وتقوي حجج الإرهابيين المتاجرين بالدين.
صاحبت تلك المبادرات عدة مقالات كتبها محمد مختار جمعة، وزير اﻷوقاف عن «مخاطر اﻹلحاد وانتشاره»، على حد عنوان أحد مقالاته المنشورة في جريدة «اﻷهرام» الحكومية، والذي قال فيه: «إن للإلحاد مفاسد وشرورًا لا تُحصى ولا تُعد على الفرد والمجتمع والأمم والشعوب، منها: اختلال القيم وانتشار الجريمة وتفكك الأسرة والمجتمع والخواء والاضطراب النفسى ، وتفشي ظواهر خطيرة كالانتحار، والشذوذ، والاكتئاب النفسي».
وفي مقال آخر له تحت عنوان «صناعة الإلحاد والإرهاب»، نُشر على موقعه الرسمي في مارس 2015، اعتبر جمعة أن اﻹلحاد واﻹرهاب صناعة استعمارية تهدد اﻷمن القومي والتماسك المجتمعي.
وجاء في هذا المقال أن «الإرهاب والإلحاد كلاهما صناعة استعمارية تهدد أمننا القومي وتماسكنا المجتمعي، وتعمل على زعزعة استقرارنا وأنه لا بد من تضافر جهود المؤسسات الدينية والثقافية والفكرية والتعليمية في مواجهة هذه الظاهرة المتنامية الموجهة في عالمنا العربي، ولابد أن يفكر وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية والثقافة والتربية والتعليم والتعليم العالي والشباب العرب مجتمعين كل في مجاله في مواجهة هذه الظاهرة قبل أن تستشري فتفتك بشبابنا ومجتمعنا وأوطاننا وأمتنا، ويمكن أن نتخذ من مبادرتنا ’معا في مواجهة الإلحاد’ التي أطلقتها وزارتا الأوقاف والشباب منطلقًا نبني عليه في تبصير الشباب بخطورة الإلحاد على حياتهم وعلى مستقبلهم، ونحن نفتح الباب واسعًا أمام جميع المفكرين والعلماء والمثقفين والمؤسسات الدينية و الفكرية والثقافية لمشاركتنا في التبصير بمخاطر هذه الظاهرة، وكشف من يقف وراءها، ويسعى إلى تهديد تماسك مجتمعاتنا من خلالها».
يُلاحَظ من تلك المبادرات والمقالات الصادرة عن وزارة اﻷوقاف ووزيرها أن خطابها على مدار اﻷعوام السابقة اتسم بكونه تحريضًا على التمييز ضد المواطنين الملحدين، وفقًا لتعريف «مبادئ كامدن لحرية التعبير والمساواة»، والتي عرفت التحريض على التمييز بأنه «كل دعوة موجهة للجمهور بإحدى طرق العلانية لممارسة أي فعل من شأنه إضعاف أو منع تمتع أفراد أو مجموعات على قدم المساواة مع غيرهم من الناس بحقوق اﻹنسان وحرياته اﻷساسية؛ سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو اﻹجتماعي أو الثقافي أو أي مجال من مجالات الحياة العامة».
ووفق معايير اختبار «منظمة المادة 19» لتقييم مدى خطورة التحريض على الكراهية، وما يستدعي منه التدخل وفقًا لدرجة خطورته، فإن خطورة التحريض تتوقف على مجموعة عوامل، وهي السياق وشخصية المتكلم ونيته ومحتوى الكلام ومدى تأُثير التعبير ومدى رجحان حدوث تبعات متعلقة بالتعبير.
فيما يلي نحاول تطبيق كل هذه العوامل على التصريحات الأخيرة لوزير الأوقاف.
محتوى الكلام:
تضمنت تصريحات وزير اﻷوقاف العبارات التالية: «اﻹلحاد الممول والموجه والمسيس»، «اﻹلحاد صناعة استعمارية»، «اﻹلحاد ورقة سياسية تستخدم لضرب المجتمعات وتفكيكها ضمن حروب الجيل الرابع والخامس».
ومن تأثيرات الإلحاد على المجتمع كما يرى «التفلت من القانون»، «زعزعة الاستقرار»، «تفكك الأسرة والمجتمع والخواء والاضطراب النفسى»، و«تفشي ظواهر خطيرة كالانتحار والشذوذ والاكتئاب النفسي»، وهي تعبيرات تدعو بوضوح إلى الكراهية وتؤثر على موقع الملحدين في المجتمع بما يمثل تحريضًا عليهم.
السياق:
اتسم السياق الذي تلا عزل الرئيس اﻷسبق محمد مرسي بعد 3 يوليو 2013 بتصاعد العنف من التنظيمات اﻹسلامية، ما قد يعرض السلامة الشخصية للملحدين المصريين للخطر، كما أن اتهامهم بتهديد اﻷمن القومي والعمالة للخارج وزعزعة الاستقرار المجتمعي يزيد من احتمالية تعرضهم للملاحقة اﻷمنية والمحاكمة.
شخصية المتكلم:
يشغل محمد مختار جمعة، موقع وزير اﻷوقاف منذ 16 يوليو 2013 حتى اﻵن، ويأتي تأثيره على الجمهور من منصبه الرسمي وموقع وزارة اﻷوقاف كأحد مؤسسات الدولة في مصر والمسؤولة عن إدارة جميع مساجد مصر والإشراف على خطابها الديني.
نية المتكلم:
على مدار اﻷعوام السابقة، أخذ وزير اﻷوقاف في خطابه، سواء خلال تصريحات صحفية صاحبت المبادرات التي أطلقتها الوزارة أو مقالاته، يؤكد على أن«الإرهاب والإلحاد كلاهما صناعة استعمارية تهدد أمننا القومي وتماسكنا المجتمعي»، لأنه، على حد تعبيره، «تدعمه أياد خفية، ويفكك البنى العسكرية والاقتصادية والفكرية لمجتمعاتنا»، كما دعا إلى «تضافر جميع المؤسسات لمواجهة الإلحاد»، وهنا تبدو نية القائل واضحة: التحريض على التمييز والكراهية والاتهام بالخيانة والدعوة للملاحقة الأمنية والمساءلة القانونية.
مدى رجحان حدوث تبعات متعلقة بالتحريض:
كثيرًا ما صاحبت الحملات الإعلامية على الملحدين مخاطر واعتداءات وانتهاكات. على سبيل المثال، تعرض أحمد حرقان للاحتجاز من قبل اﻷمن الوطني في 11 نوفمبر 2017 بعد اقتحام منزله، واستمر احتجازه لمدة ثلاثة أيام جرى فيها تقييده وإهانته وسؤاله عن معتقداته وأفكاره.
كما تعرض عدد من الملحدين لأحكام بالحبس تتراوح بين ستة أشهر وسنتين بسبب تعبيرهم عن معتقدهم، وآخر هذه الأحكام كانت بحق مواطنين مصريين في ديسمبر 2017 بالحبس لستة شهور، بعد أن تقدمت شركة الحلويات التي كانا يعملان بها ببلاغ ضدهم إلى الأمن الوطني، بسبب نسبة تدوينات لهما على وسائل التواصل الاجتماعي، وأحيلا للمحاكمة حيث جرت إدانتهما.
ومما سبق، يمثّل خطاب وزير الأوقاف تجاه الملحدين تحريضًا واضحًا على الكراهية والتمييز، ويتسم بالخطورة ويستوجب المساءلة وفق هذه المعايير.
هذا الخطاب التحريضي من وزارة اﻷوقاف ووزيرها يتعارض مع الدستور المصري والذي تنص المادة 53 منه على أن المواطنين لدى القانون سواء، «وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض». وهو ما يعني أن الدولة عليها مواجهة خطاب التحريض على الكراهية والتمييز، وأن توقفه وتحاسب المسؤولين عنه، لا أن تدعه يصدر عن إحدى مؤسساتها.