أحمد الجدي
على الرغم من تحريم عدد كبير من مشايخ السلفية ممارسة أو مشاهدة لعبة كرة القدم، وعلى رأسهم الشيخ المصري البارز محمد حسان، مالك قناة الرحمة الفضائية، شهدت قناة الرحمة نفسها برنامجاً جديداً اتخذ من كرة القدم وسيلة للدعوة الإسلامية.
وكان حسان قد قال في فتوى قديمة عن كرة القدم: "هي قطعة جلدية سخيفة، جعلها اليهود غاية الجد والبطولة في حياة الأمة، فصارت الأمة تراقب بعين متجردة هذه الكرة من هنا إلى هناك إلى هنالك، ويهتف لها العاقل بعد أن خدع نفسه بأنه ممَّن يحملون هم الدين، أنت لا تحمل هم الدين وأنت تعيش للكرة".
ولكن قناة الداعية السلفي عينه تبث منذ فترة برنامجاً باسم "ريمونتادا"، يقدمه الداعية السلفي والإعلامي حازم شومان، وفيه يستخدم لعبة كرة القدم ونجومها على مستوى العالم وسيلةً لشرح عدد من المسائل الإسلامية المهمة.
يبدأ البرنامج السلفي بصوت المعلق التونسي لقناة بي أن سبورت عصام الشوالي، وهو يتحدث عن الريمونتادا والتي تعني في كرة القدم العودة من الهزيمة للانتصار، ثم يبدأ حازم شومان حلقته بتشبيهات من عالم كرة القدم ومنها يدخل إلى الدعوة الإسلامية.
ضربة جزاء
في حلقة بعنوان "ضربة جزاء"، احتفل حازم شومان بوصول مصر إلى كأس العالم كجزء من حديثه الأساسي عن يوم القيامة من خلال نسج قصة حول مسيرة مصر في هذه البطولة.
قال: "ألف مبروك يا شباب مصر وصلت كاس العالم، تخيلوا لو مصر كسبت الثلاث فرق في مجموعتها، وصعدت كأول المجموعة، تخيلوا لو صعدت مصر دور الـ16، وقابلنا البرازيل وكسبناهم 2 - صفر، ثم صعدنا لدور الـ8 وكسبنا ألمانيا 3 – صفر. خيال بخيال. كسبنا إنكلترا 1 - صفر في دور الـ4، ولعبنا النهائي مع الأرجنتين. ميسي يواجه صلاح، ميسي جاب غول في الدقيقة 43 ومحمد صلاح عوّض وعدّل النتيجة في الدقيقة 89، وأصبحنا 1-1، هنلعب ضربات جزاء، عصام الحضري واقف، الموضوع هيكون صعب جداً، تعالوا نتخيل المنظر الرهيب ده، مَن سيفوز بكأس العالم، وجبنا غول والأرجنتين جابت غول، والمصري يضيع ضربة جزاء ومنظر صعب وحزن في مدرجات مصر، والأرجنتين تسجل، ثم يضيع لاعب مصر مرة أخرى والدموع تنهمر وحلم كأس العالم اقترب من الزوال".
بعد هذه المقدمة الكروية الخيالية الطويلة يضيف: "ستوب هنا يا شباب. حبس الدم وتوقف نبضات القلب والقلق والحيرة كل هذه المشاعر لن تكون من أجل مباراة نهائي كأس العام بل ستكون يوم القيامة أثناء وجودك على الميزان لحساب حسناتك وسيئاتك. الحسنة تأتي والسيئة تأتي كضربات الجزاء، الموقف مصيري ما بين الجنة والنار، وأنت تترقب وتشعر بكل المشاعر المرعبة".
احسبها صح
في حلقة أخرى، تحدث شومان عن الاستهانة بالموت وبيوم القيامة وبالجنة والنار وما قد تؤدي إليه هذه الاستهانة بصاحبها. وضرب مثلاً على هذا الأمر بمبارة كرة القدم بين برشلونة وليفانتي في الدوري الإسباني.
قال: "كانت صدمة مروعة لفريق برشلونة عندما لعب ضد فريق ليفانتي وبعد أن كان البارسا واثقاً من سحقه لهذا الفريق 6 - صفر على الأقل كنوع من أنواع الاستهانة بالخصم، كانت النتيجة فوز ليفانتي 5 - 4 في مبارة كانت أشبه بمسرحية هزلية لملايين الجماهير حول العالم. إنها الاستهانة، ومن هنا يجب أن نتذكر الكلمات التاريخية لكريستيانو رونالدو، نجم نادي ريال مدريد الإسباني ومنتخب البرتغال، عندما قال: أنا لا استهين بأي خصم أبداً فمهما كانت قدرات دفاع الفريق الخصم ضعيفة فأنا لا أستهين به".
وأضاف: "الاستهانة من أسباب الخسائر الفادحة ليس فقط في كرة القدم بل في الحياة، فهناك مَن يستهين بالقبر وكأنه واثق في الجنة، وهناك مَن يستهين بيوم القيامة دون أن يتذكر أنه سيقف 50 ألف سنة في هذا اليوم في عز الحر أمام الله، وهناك مَن يستهين بالنار وعذابها فلا يفعل الخير وهناك مَن يستهين بالجنة وجمالها فلا يدخلها".
الهداف
من ضمن حلقات البرنامج التي أثارت جدلاً في أوساط السلفيين، تلك التي كانت بعنوان "الهداف" والتي تحدث فيها عن اغتنام المسلم للفرص حتى يكون هدافاً في دينه ويحظى بخير الآخرة.
بدأ حلقته قائلاً: "عارفين هاري كاين هداف توتنهام الإنكليزي ثمنه كم؟ 194.7 مليون يورو. يتحسبوا دول إزاي لو ضربناهم في 21 جنيه؟ وهداف برشلونة ميسي ثمنه 202.4 مليون يورو. حاجة رهيبة جداً. ومحمد صلاح هداف ليفربول الإنكليزي ستكون قيمته 222 مليون يورو لينافس نيمار أغلى هداف في العالم".
وأضاف: "ليه الهدافين غاليين أوي كده؟ لأنهم أغلى سلعة في الكرة؟ لأنهم مَن يحرزون الأهداف، وكما يوجد هدافون في الدنيا هناك هدافون في الآخرة، مثل ابن أم مكتوم الذي كان أعمى ولكنه أصاب الهدف ومات رافعاً الراية في القادسية وكان أول مَن هاجر إلى المدينة المنورة وعلّم أهلها القرآن، وخالد بن الوليد هداف تاريخي دخل 30 معركة وأحرز 30 هدفاً يعني نتيجته 100% بإحرازه 30 هدفاً أي 10 هاتريك في شباك أهل الباطل، ومعاذ ومعوذ بن أبي عفراء أحرزوا غول تاريخي وهو قتل أبو جهل، فرعون هذه الأمة، وعمرو بن العاص هداف كبير فتح مصر وفلسطين وأحرز هدفين أحرقا قلوب أهل الباطل حتى الآن، ومصعب بن عمير كان هدافاً أسلم على يده سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، رأس المدينة المنورة، فأسلمت المدينة كلها في يوم واحد، وكما يوجد هدافون هناك هدافات نسائيات أيضاً مثل أم سليب، نسيبة بنت كعب، والسيدة فاطمة والسيدة خديجة والسيدة عائشة. وصفات الهداف بشكل عام أنه يستطيع إحراز هدف من لا فرصة دون أن يتحجج بالظروف وهو ما يجب أن تكون عليه أيها المسلم عندما تقرر أن تقيم الليل يوماً غير عابئ بأي ظروف، وعندما تقرر الالتزام، وعندما تقرر استثمار يومك في طاعة الله".
كيف يتم تجهيز مادة البرنامج؟
يقول مؤسس حملة "دافع" السلفية وأحد دعاة قناة الرحمة التي تعرض البرنامج محمد رجب لرصيف22 إن الشيخ حازم شومان يقوم بإعداد هذا البرنامج بالكامل بنفسه، ويقوم باختيار المصطلحات، وتجهيز المادة التي يرغب بعرضها أثناء الحلقة ثم يسلمها إلى فريق الإخراج بالقناة كي يقوم بتنفيذها تمهيداً عرضها أثناء الحلقة.
وينفي رجب أن يكون البرنامج مخالفاً لمنهج القناة السلفي ويقول: "محتوى البرنامج ليس عن الكرة، فقد حوّل الشيخ المفهوم إلى معنى إسلامي جوهري بحيث أخذ الاسم من مصطلحات ومفردات الرياضة ليبحث عنه في الشريعة بمعانٍ أصلية يتحدث عنها ويثبت أنها هي الأساس لأجل الفوز بالآخرة".
ويضيف: "المظهر رياضي لكن المحتوى ديني. وبالنسبة إلى فتوى الشيخ حسان، فالشيخ لم يحرّم الكرة أو الرياضة بل أوضح أن لها ضوابط شرعية أبرزها عدم ظهور العورة وأن لا تضيع فريضة".
هجوم سلفي على البرنامج
أثار هذا البرنامج جدلاً كبيراً في الأوساط السلفية، وقام الداعية السلفي المعروف الشيخ هشام البيلي بإصدار تسجيل صوتي يهاجم فيه البرنامج ويحذّر فيه من مقدمه، وقال: "الداعية الضال المنحرف نحذّر منه ومن قنواته، هذا الجاهل المدعو حازم شومان قام بعمل برنامج بزعم أنه يحث الناس على العبادة والطاعات، ولكن ثنايا البرامج الاستدلال بلاعبي الكرة في النصح، ونجاحاتهم، وضاق ذرعاً من أن يفتح كتاب كسير النبلاء الذي فيه آلاف التراجم عن سلف الأمة الذين هم خير من لاعبي الكرة في العلم والعمل وخير مثال لشباب الأمة، مثل البخاري إمام المحدّثين، وأحمد بن تيمية شيخ الإسلام".
وأضاف: "ما وجد إلا لاعبي الكرة مدخلاً لنصح الأمة للعبادة. ينشغل الشباب في لعب الكرة وإضاعة الصلاة، وصرف أموال الأمة في هذه اللعبة، ويزعمون أنهم دعاة وأنهم سلفيون، بل استعملهم الشيطان في الصد عن سبيل الله لا الدعوة إلى الله، وهذا الرجل ليس بعالم ولا حازم فهو يقول أن أئمة الإسلام هدافين كقوله إن عمرو بن العاص هداف أحرز هدفين في مصر وفلسطين بفتحهما. بئس ما قلت. أنت تطعن في الصحابة. لقد ابتلينا بهؤلاء الذين يزعمون أنهم دعاة عصريون والذين ينشئون جيلاً متميعاً لا يدري الصواب من الخطأ، فأعظم ابتلاء في الأمة بالعالم الفاجر وطالب العلم الفاجر".
تأييد للبرنامج
ولكن على الجانب الآخر، يثني الداعية السلفي سامح عبد الحميد حمودة على برنامج ريمونتادا ويرى فيه سعياً جاداً لاختراق أوساط الشباب والحديث بلغتهم من أجل دعوتهم إلى الله ومنعهم من السير في طريق الشيطان.
وقال حمودة لرصيف22: رغم اعتراضي على بعض ما جاء في البرنامج مثل تشبيه كبار الصحابة بلاعبي كرة القدم وهو تشبيه لا يصح ولا يجوز شرعاً، إلا أن البرنامج يمثل شكلاً عصرياً للدعوة إلى الله نحتاجه الآن كي نقترب من الشباب ونجذبهم لنا وننصحهم".
وأضاف: "الشباب يحتاج مَن يتحدث لغته حتى يثق فيه ويسمع كلامه وهو ما فعله حازم شومان ولكنه وقع في بعض الأخطاء التي يجب أن يحذر منها في المرات القادمة حتى يكون محتواه متكاملاً".
لغة جديدة؟
من جهته، يرى الباحث في الشأن السلفي محمد يسري أن برنامج ريمونتادا يمثل ثورة إعلامية سلفية بهدف زيادة قاعدة الأنصار والمؤيدين.
وقال يسري لرصيف22 إن السلفيين اتجهوا لاستخدام لغة تواصل مختلفة بعد انحسار التيار كثيراً في مصر وبهدف واحد هو جمع المزيد من التلاميذ والأنصار حول هذا التيار.
ويضيف أنهم، بعد أن حرّموا كرة القدم، عادوا وأجازوها واستغلوا نجومها في الترويج لأفكارهم وهو ما لاقى نجاحاً كبيراً عبر البرنامج الأخير لحازم شومان.
ورصد الباحث في الشأن السلفي محاولات سلفية مماثلة لاختراق عقول الشباب والتحدث بلغتهم في الكتب، إذ ظهرت كتب تتحدث عن فيسبوك مثل كتاب "فيسبوك... آدابه وأحكامه"، هذا بخلاف كتب أخرى في السوق تتحدث عن الحب وفقاً للمنظور الإسلامي و"هذه أمور لم تكن موجودة في السابق"، على حد تعبيره.
فتوى حازم شومان
مقدّم البرنامج نفسه الشيخ حازم شومان كانت له فتاوي يحرم فيها كرة القدم، وسبق أن قال نصاً في إحدى حلقاته القديمة: لاعب الكرة أصبح نجماً في المجتمع والعباقرة والعظماء يهربون إلى الخارج من أجل فرصة.
ثم تحدث عن الفخر بنجوم الكرة العالميين، نفس هؤلاء الذين يستشهد بهم في حلقات برنامجه ريمونتادا، قائلاً: "مَن افتخر بالمشركين كان في النار، أين التصور الصافي والسليم؟".
وتابع: "الكرة تنفق عليها أموال تزوج شباب مصر كلهم، كما أنها تمنع من إقامة الصلوات الخمسة، فهي مخططات من أعداء الإسلام، كونها لهو يلهوننا به حتى ننسى طريق الله. طالب الجنة لا يلعب، وأنا ضد الهيافة والسفاهة، ضد أمة منحطة تحارب ربها بالمعاصي وتقف أمام ماتش كرة. الدين سيرتفع في النهاية ولن يزيدنا كأس لإفريقيا أو انتصار على إيطاليا شيئاً بل سنرتفع ونزيد فقط بالدين".
هذا التناقض في آراء الداعية السلفي حازم شومان رصده الداعية السلفي حسين مطاوع، الذي يحرّم لعبة كرة القدم، مستغرباً "هذا التناقض الغريب من مقدم برنامج ريمونتادا الذي حرّم في السابق كل ما يفعله الآن في الحاضر بشأن هذه اللعبة".
وقال مطاوع لرصيف22: "هذا التناقض بعيد كل البعد عن المنهج السلفي القويم ذي الموقف الواضح والثابت والذي لا يتغيّر من العديد من القضايا، منها كرة القدم التي فيها العديد من المفاسد مثل إضاعة الفروض والأموال وإظهار العورات بخلاف صناعة العصبيات التي يحرّمها الإسلام، وذلك من خلال تعصب كل جمهور لفريقه والذي يصل إلى حد الموت في بعض الأحيان".