محاكمة القرآن - مقالات
أحدث المقالات

محاكمة القرآن

محاكمة القرآن

أسامة المهدي

لا يجب أن يمر البيان الفرنسي للمطالبة بحذف وتجميد آيات القرآن مرور الكرام فالدعوة التى عبر عنها البيان لاقت ترحيباً داخل المجتمع السياسى والثقافى واعتبروا أن القرآن أو بعض نصوصه وراء عمليات الدهس والطعن فى أوروبا.

ورغم الأصوات المعتدلة التى انطلقت من العالم الإسلامى للتبرؤ من الفهم الخاطئ والدفاع عن القرآن وإصدار فتاوى تصف أصحاب الفكر التكفيرى تارة بالمنحرف وتارة بالخارجين عن صحيح الدين، لكن تبقى الحقيقة المرة أن الغرب كفر بتلك الأصوات إزاء تكرار الأحداث الإرهابية ضد الأبرياء،

وهنا أتخوف من أن تتحول بعض آيات القرآن نتيجة التربص الأحمق بها وانغلاق الفهم لحكمتها إلى موضع الاتهام ويبحث المسلمون للدفاع عنه ليؤكدوا أنه جاء ونزل من السماء لا للقتل بل رسالة سامية لترسخ مبادئ العدل والمساواة بين بنى البشر.

وأخشى ما أخشاه، أن تجد الدعوة ترحيبا أكبر خارج المجتمع الفرنسى وسط صعود سياسى قوى للتيار اليميني المتطرف لحكم أوروبا، ونجد يوماً مجلس الأمن يحدد جلسة لمناقشة تلك القضية «القرآن والإرهاب» وينصب مندوبى الدول الأعضاء بالمجلس داخل قاعته العريقة قضاة وهيئة محلفين، بينما يقبع القرآن بين أوراقهم متهماً ويقوم مندوبو الدول العربية والإسلامية بجمع أدلة الدفاع لتبرئة المتهم الذى نزل من عند الله ونقله الوحى لرسوله الكريم ليكون معجزة العالم إن طبقت لصلح حال رعية الله.

لا أبالغ إن قلت إن الشهور القليلة القادمة ستصبح الدعوة الفرنسية موضع اهتمام عالمى، خاصة أن العالم العربي، مهد القرآن وحضارته، معرض للانفجار إزاء الأحداث التى تحدث على أراضيه من غضب إسلامى وعربى من مراسم تدشين السفارة الأمريكية للقدس، ثم توقعات بخروج موجات من آلاف اللاجئين الهاربين بعد أن جن كسرى فارس بسبب شعوره بالإذلال من الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى وأن أموال أعدائه العرب وراء هذا القرار، ليكون عالمنا العربى فى مرمى انتقام الفيلق السليمانى الذى يعبث من هنا لهناك حاملاً الموت فى كل بقعة عربية يظهر فيها.

يأتى ذلك وسط شعور سيئ للجاليات الإسلامية والمواطنين المسلمين فى الغرب الأوروبى بأنهم مضطهدون فى الخطاب العنصرى الذى يحمله اليمينى المتطرف وهو ما سيستغله دعاة التطرف لبث سمومهم.

وهنا تتجدد مخاوفى حين يرى الغرب أناسا هاربين من أوطانهم دون إرادة تحميهم من الفكر المتطرف ومواطنين مضطهدين فى أوطانهم متمسكين بدينهم ضد العنصريين.

أرى أن يستيقظ من يرون أنفسهم أصحاب أمانة على تفسير وتوضيح الدين، ليكون لهم وقفة لا للهجوم على من يحرفون القرآن أو الداعين لتجميد آياته بل لإطلاق حملة للحفاظ على آياته وتفسيرها الصحيح فى قلب مهاجميه فى العواصم الأوروبية تحت شعار القرآن والسلام الإنسانى، أما ساسة العرب فعليهم مسؤولية الاتحاد وإدخال أنفسهم ضمن معادلة تقرير مصيرهم إزاء الصراعات التى تحدث على أراضيهم.. وهنا لنا حديث آخر.

المصرى اليوم

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث