فتحية الدخاخني
لحسن حظى، أو لعله سوء الحظ، أننى تلقيت تعليمى المدرسى خارج مصر، ولم أسمع سؤال «إنت مسلم ولاّ مسيحى؟»، ومصطلح «عضمة زرقا» أو «أربعة ريشة» أو «كوفتس» إلا بعد عودتى إلى مصر لإتمام دراستى الجامعية، وعلى الرغم من أن والدىَّ مصريان، ولكن أياً منهما لم يتطرق إلى مثل هذه الموضوعات فى المنزل، إلى أن اصطدمت أذنى بهذا التعبير على لسان أحد أخوتى الصغار، عندما رفض تناول بعض الحلوى التى أرسلتها لنا جارتنا المسيحية بحجة أنها «عضمة زرقا.. أربعة ريشة»!!.
توقفت عند هذا المصطلح طويلاً، فى محاولة للبحث عن تفسير لهذا التغير فى سلوك أخى الصغير، رغم أننا نشأنا فى بيت واحد، وتذكرت أن أعز أصدقاء والدىَّ مسيحيون، رغم أن ذلك لم يخطر ببالى من قبل، لكننى عرفت أننى تربيت وسط أصدقاء مسيحيين ولم أكن أدرى، ما الذى دفع أخى لقول ذلك؟.
كانت الإجابة هى المدرسة، فهناك سمع أخى هذه الكلمات، وهناك تعلم أن المسيحيين «كفار سيدخلون النار»، والأسوأ أن طعامهم مقرف، ولا يصح للمسلمين أن يأكلوا منه، منذ هذه اللحظة بدأت أتعرف على مؤشرات التعصب الدفينة والطائفية المكتومة فى المجتمع الذى يرفع المسؤولون عنه دائما شعار الوحدة الوطنية، مرددين: «عاش الهلال مع الصليب».
كم مرة قرأنا عن أزمة طائفية بسبب علاقة عاطفية أو خلافات مادية، أعلنت الحكومة تسويتها عبر جلسة عرفية حكمت بتهجير الأسر المسيحية!! من الكشح إلى الفيوم، وغيرها، واليوم فى سيناء، وإن كان الوضع مختلفا هناك، فالمعركة هناك ضد تنظيم إرهابى يحاول تدمير الوطن، ويستغل قضية الأقباط لتأجيج الصراع.
الرئيس عبدالفتاح السيسى دعا أكثر من مرة لتجديد الخطاب الدينى وتعزيز قيم التسامح، وأكد ضرورة بناء كنيسة فى كل مدينة جديدة، وهو حريص على زيارة الكاتدرائية فى عيد الميلاد، كل هذه خطوات محمودة من جانب رأس النظام تظهر رغبته فى القضاء على التعصب الدينى والطائفية فى المجتمع، لكن المشكلة لن تحل بالقوانين أو التصريحات أو الأوامر الرئاسية، التعصب فى مصر مسألة ثقافية، تحتاج إلى العمل على تغيير ثقافة المجتمع الذى تربى على فكر التمييز ضد الآخر، والبداية لا شك من المدرسة. فالتعصب يبدأ من حصة الدين التى تفصل المسلم عن المسيحى، ليكتشف الطفل وهو فى أول سنوات تكوينه أن هناك آخر، وأن هذا الآخر مختلف عنه، وأنه يجب أن ينفصل عنه، لتأتى المرحلة الثانية عندما يدس بعض المدرسين السم فى عقول الأطفال مستخدمين ما تربوا عليه من عنصرية وتمييز، معتبرين الآخر كافراً سيدخل النار، وتستمر ثقافة التمييز بعد ذلك فى المسجد وبين الأصدقاء لنصل إلى ما نحن فيه.
علينا التوقف عن دفن رؤوسنا فى الرمال كالنعام، ونعترف بأن هناك مشكلاً، وهناك تعصباً وتمييزاً ضد الأقباط فى مصر، يمنعهم من بعض الوظائف العامة، ويشوه صورة مصر المسالمة المتسامحة، ويمنعها من التقدم، ويخلق ذريعة للتدخل فى شؤوننا، ووسيلة لضرب دولتنا من الداخل.
يجب أن نعيد دراسة مقترحات إلغاء تدريس مادة الدين فى المدارس، وإلغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية، وأن نهتم بتغيير ثقافة المدرسين ونعاقب الذين يعلمون أولادنا التعصب منهم، وأن نعمل على جعل المواطنة التى نص عليها الدستور حقيقية وليست حبراً على ورق. أطالب البرلمان بسرعة إنشاء مفوضية عدم التمييز التى أقرها الدستور. وأدعو الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، أن يولى هذا الملف نفس الاهتمام الذى يوليه لمكافحة الغش وتسريب الامتحانات.