لوني شيكتمان*
ثمة أسباب للشعور بالتفاؤل بشأن الاقتصاد الأميركي في عام 2017: فالنمو ثابت، والتضخم منخفض، وكثير من الناس يعملون. وتبدو الشركات متلهفة على العمال، بدرجة ربما تجعل 2017 العام الذي يبدأ فيه نمو الأجور بقوة بعد طول انتظار، لا سيما أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب وعد بتخفيضات ضريبية كبيرة للشركات، مع تقليص اللوائح التنظيمية. ولا عجب في أن سوق الأسهم تغازل مستوى 20 ألف نقطة على مؤشر «داو جونز» للشركات الصناعية، بعد أن سجل مؤشر ثقة المستهلك أعلى مستوياته منذ الكساد الكبير في نوفمبر الماضي. وإذا أمكن للرئيس ترامب تفادي حروب تجارية مع دول أخرى، فإن الاقتصاد سيتجه نحو الصعود خلال العام الجديد، وهو ما يمنح الإدارة المرتقبة وقتاً كي تؤتي التخفيضات الضريبية المقترحة وحزمة التحفيز النقدي لإصلاح البنية التحتية أكلها في عام 2018 و2019 على التوالي.
ويقول الخبير الاقتصادي «كريس كرستوفر»، مدير قسم الاقتصاد الاستهلاكي الأميركي والعالمي لدى «آي إتش أس ماركيت» للأبحاث الاقتصادية، «هناك زخم كبير يدعم الاقتصاد خلال العام الجديد». ومن المتوقع أن ينمو إجمالي الناتج المحلي الأميركي، الذي يقيس إنتاج السلع والخدمات، بنسبة 2.3 في المئة خلال 2017، بحسب «آي أتش أس ماركيت». وهذه النسبة، وإن لم تمثل النمو القوي الذي توقعه ترامب أثناء الحملة الرئاسية، لكنه يمثل بالفعل قفزة صحية مقارنة بالصعود الذي بلغ 1.6 في المئة في 2016. بيد أن سُحُباً قليلة تُخيم في الأفق الاقتصادية. وإحدى هذه السحب ارتفاع الدولار الأميركي، الذي يبدو جيداً للمستهلكين الذين يشترون عطوراً فرنسية، لكنه سيء بالنسبة للشركات الأميركية التي تصدر بضائع وخدمات إلى دول لديها عملات أضعفتها مثل اليابان والصين وأعضاء الاتحاد الأوروبي.
وتتصاعد سحابة أخرى بفعل رفع أسعار الفائدة طويل الأجل، والتي ستجعل اقتراض الأموال أغلى بالنسبة للشركات والمستهلكين، بحسب «ديفيد باين»، الخبير الاقتصادي لدى موقع «كيبلينجر» للتحليلات الاقتصادية. ويتكهن «باين» بأن أية تحسينات تطرأ على الاستهلاك سيلتهمها ارتفاع قيمة الدولار. والمشكلة الثالثة المحتملة هي الحرب التجارية. وخلال الأسبوع الماضي، كشفت شبكة «سي إن إن» أن الإدارة المقبلة تلوح بفكرة استخدام أمر تنفيذي لفرض تعرفة جمركية على ما يصل إلى عشرة في المئة من السلع المستوردة، كطريقة لتشجيع التصنيع المحلي.
ومثل هذه التحركات من شأنها إثارة مقاومة عنيفة من مجتمع الأعمال، وكذلك من كثيرين في الكونجرس. ومن المثير للقلق أن من شأنها إثارة ردود مماثلة من شركاء تجاريين، وهو ما يكبح التجارة الدولية، التي تعاني بالفعل من التباطؤ. وعلى الرغم من نمو الاقتصاد، فإن قطاعي التصنيع والتعدين لم يشهدا أي تحسن على مستوى التوظيف خلال العام الماضي، في إشارة إلى أن النمو الاقتصادي لا يتوزع بالتساوي. ويرى «كريستوفر» أنه «إذا كان الاقتصاد متنوعاً، فإنه لا ينمو بشكل كبير في كافة القطاعات، مع وجود تباينات».
ويتوقع خبراء الاقتصاد أن تظل نسبة البطالة منخفضة حول 4.5 في المئة، وأن يحدث انضباط في سوق العمل خلال 2017، وهو ما يعني أن الأجور والرواتب ينبغي أن تواصل الصعود. ويتوقع «باين» أنها ستنمو بنسبة ثلاثة في المئة خلال العام الجديد. ويمكن أن يشجع ذلك بعض الناس على العودة إلى سوق العمل، إذ يؤكد خبراء الاقتصاد أن الدولة لا يزال بها على نحو غير معتاد شريحة كبيرة من الأميركيين الذين توقفوا عن البحث عن عمل.
وعلى الرغم من أن التخفيضات الضريبية واسعة النطاق، وتخفيف القيود، وزيادة الإنفاق على البنية التحتية، التي وعدت بها الإدارة الجديدة من شأنها أن تضيف مزيداً من التحسن على الاقتصاد، غير أنه من غير المؤكد ما إذا كانت المنافع ستعم على الاقتصاد بأسره، ومن المستبعد أن يحدث ذلك حتى عامي 2018 و2019، حسبما يتوقع الخبراء.
ويرجع ذلك إلى أن الإصلاحات الضريبية الضخمة المقترحة، والتي تعتبر الأكبر منذ رونالد ريجان في 1986، والسياسات الاقتصادية الأخرى، ستحتاج إلى بعض الوقت كي تنفذها الإدارة الجديدة والكونجرس.
*محلل اقتصادي أميركي
كريستيان ساينس مونيتور
ترجمة صحيفة الاتحاد