'السادة غير المحترمين' وتحكيم الشريعة في أوروبا - مقالات
أحدث المقالات

'السادة غير المحترمين' وتحكيم الشريعة في أوروبا

'السادة غير المحترمين' وتحكيم الشريعة في أوروبا

بقلم مالك العثامنة

يصر السيد "غير المحترم" القادم من الشرق العربي، وقد استضافته بلجيكا "لاجئا" على إقامة تمنح له امتيازات كثيرة مثل التأمين الصحي والراتب الشهري والتعليم لأطفاله ودروس في اللغة الهولندية بل ومساعدة من الدولة البلجيكية في دفع أجرة المنزل، على "أن ما ينقص بلجيكا هو حكم الشريعة الإسلامية!".

هكذا بلا تردد ولا خجل يطرح الرجل فكرته تلك أمامنا ونحن نسأله عن حاله وأحواله، وقد كان يتذمر من أنه تلقى تنبيها رسميا بعدم استخدام العنف مع زوجته التي تبين أنها تعرضت للضرب المتكرر منه وأمام أطفاله بل وإلى الحبس في المنزل مع منعها من الخروج إلا بإذنه وبرفقته. وأكد أيضا في حديثه "المتفاخر" أنه يسعى الآن لجلب زوجته الثانية، لكن تحت مسمى "صديقة" وقد يضطر إلى تطليق زوجته الأولى "في الأوراق الرسمية البلجيكية"، وهذا لا يضر فشيخ الجامع أكد له أنه طلاق غير شرعي وجائز!

هذا السيد "غير المحترم أبدا"، يعمل أيضا لكن بما درج العرب على تسميته هنا بـ "العمل بالأسود"؛ أي عمل بأجر دون الإفصاح عنه للجهات الرسمية تهربا من دفع الضريبة، وهو سوق عمل منتشر وواسع بين المهاجرين من العالم الثالث والعرب خصوصا. وعليه فالسيد "غير المحترم بالمطلق" يأخذ من دافعي الضرائب راتب مساعدات شهري من صندوق فيدرالي مخصص لذلك، ويعمل بأجر غير مسجل تهربا من دفع الحقوق الواجبة عليه كمقيم في بلد يرى أنه جيد ولا ينقصه إلا حكم الشريعة الإسلامية ليصبح كاملا مكتملا ويستحق رضاه.

حين ناقشته ببساطة أن الأديان تحث على الأخلاق أولا، وأن ما يمارسه من تضليل على الدولة المستضيفة هو سرقة وكذب، أجابني بثقة العارف والمشفق على جهلي بالدين بما مفاده أن هذه دول كفار، والسلب منها ـ في عرفه وتقييمه الشرعي ـ حلال بل واجب حتى ينتشر الإسلام على الأرض ويرث الله الأرض وما عليها!

طبعا، انتهى الحوار إلى مشادة كلامية وقد شعرت بالاستغلال؛ فأنا كدافع ضرائب في بلجيكا، يسلب مالي وجهدي وتعبي لمصلحة مثل هذا السيد "غير المحترم بتاتا" وهو عينة من كثيرين يؤمنون بنفس المنطق الإقصائي المتوارث جيلا بعد جيل بالتفوق "الديني" والاستعلاء المبطن على أي "آخر" خارج الملة.

بلا شك فإن التعميم خطأ، فهنالك على الطرف الآخر من الحكايات قصص نجاح محترمة من وافدين ومهاجرين لجأوا وهاجروا إلى أوروبا وفي بلجيكا تحديدا حيث أراهم وألتقيهم. انسجموا مع إنسانيتهم دون الانسلاخ عن ثقافتهم التي حملوها معهم، واندمجوا باقتدار في مجتمع التعددية ملتزمين بالقوانين بل وفاعلين في محيطهم الاجتماعي بشكل مثير للإعجاب. لكن هؤلاء قلة، وهم مثلي ضحايا التنميط العام الذي خلقته أكثرية من نوع "السيد غير المحترم" وهؤلاء "السادة غير المحترمين" كثرة، ويتكاثرون.

في السياق، وعلى ضفافه...

في الانتخابات للمجالس المحلية هنا في بلجيكا، يبرز في الأخبار نية حزب جديد اسمه "حزب الإسلام البلجيكي" خوض تلك الانتخابات في منطقة مولنبيك )المنطقة التي فرخت للعالم صلاح عبد السلام ومعظم مطلوبي الإرهاب الجديد في أوروبا). مؤسس الحزب كما علمت هو سائق حافلة وقد تم ترخيص حزبه الذي وضع على رأس برامجه تشريع قانون الفصل بين الجنسين في الحافلات ووسائل النقل العامة!

الخبر نفسه بكل خلفياته وتفاصيله يحمل قراءات مدهشة تجعلنا نطرح التساؤلات حول هؤلاء المتنطحين بقناعة راسخة بأن ديمقراطيات أوروبا العلمانية ينقصها حكم الشريعة؛ أول تلك التساؤلات تتعلق بفضاء الحرية المؤسساتية والديمقراطية التي أتاحت لهؤلاء أن يسجلوا حزبا ببرامج "عقائدية" وإتاحة المجال لهم من قبل "دولة الكفر" بأن يخوضوا الانتخابات بمنافسة شريفة ونزيهة، وهو ما يجعلني أتساءل إن كانت تلك الفضاءات من الحرية ممكنة في حدود أي دولة إسلامية مفترضة تطبق حكم الشريعة فيها؟

الحزب لاقى اعتراضا، لكنه لم يلق قمعا رسميا، حتى أن وزيرة بلجيكية (وزيرة تكافؤ الفرص في بروكسل) السيدة بيانكا ديباسيت قامت بأقصى فعل احتجاج لها عبر تغريدة "تويترية" فقط لتعبر رفضها أفكار الحزب بالفصل بين الجنسين في وسائل النقل العمومية، واصفه إياه أنه أمر مروع!

ولك أن تتخيل/ تتخيلي حجم الاعتراض ونوعه وشكله لو قرر علماني أفغاني في دولة طالبان الإسلامية مثلا، أن يقترح المدارس الابتدائية "الابتدائية فقط!" لتكون مختلطة! أتخيل أن المسكين صاحب الاقتراح سيكون هو بحد ذاته تغريدة على صيغة خبر عاجل.

حسب دراسة مسحية اجتماعية أجريت عام 2016، وتم نشرها، فإن في بلجيكا ما يزيد على 780 ألف مواطن ومقيم يدينون بالإسلام، وهم بالتالي يشكلون ما نسبته سبعة في المئة من مجموع العام للسكان، وهي نسبة كبيرة في مواسم الانتخابات.

لا يمكن القول إن حزبا مغمورا مثل "حزب الإسلام" البلجيكي الناشئ قد يشكل ظاهرة مقلقة، لكن أفكاره التي يحملها هي بالضبط الحالة المقلقة والتي تنتشر بين غالبية المسلمين الذين ترسخت لديهم منذ طفولتهم فكرة "التفوق الديني" والتي تلخصها عبارة "الحمدلله على نعمة الإسلام"، وهي عبارة عادية جدا لو لم تكن في سياقات المقارنة مع "الآخرين" لتعكس يقينا بالتفوق والاستعلاء والتميز، مما يشكل في المحصلة نموذجا يشبه نموذج السيد "غير المحترم" المصر على أن يسرقني كدافع ضرائب ويصر في الوقت نفسه على أن ما ينقصنا في عيشنا "الذي يريده على مزاجه" حكم الشريعة في مؤسسات الدولة التي يسرقها.

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث