قالت صحيفة الإندبندت البريطانية، إن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، يقوم بتصعيد حربه الدعائية، بعد الهزيمة التي تلقّاها التنظيم في آخر معاقله في مدينة الرقة، وانهيار ما أُطلق عليه "دولة الخلافة"، موجهاً رسالة من أهم المدن الأميركية مفادها: "نحن في وطنكم".
الرسالة التي بعثها التنظيم كانت عبارة عن صورة لرجل يرتدي وشاح داعش، وكأنه يلعب نوعاً من "الغميضة الجهادية"، لكنه يظهر في الخلفية مساحة واسعة، تمكّن من يراها من معرفة أنه متواجد في مدينة نيويورك، وبالتحديد الحديقة العامة في فصل الشتاء.
وكان العنوان التوضيحي الذي كتب على الصورة التي نُشرت على الإنترنت بعد أيام قليلة من عيد الميلاد، يقول "نحن في وطنكم"، التي انتشرت على نطاق واسع على قناة جهادية بارزة على الإنترنت، بحسب الإندبندنت البريطانية.
توقيت التقاط الصورة بالتحديد غير معروف، لكن الرسالة واضحة تماماً، وقد تكرَّرت في منشورات مماثلة في الأسابيع الأخيرة، وكلها تهدف إلى إظهار عناصر داعش يلتقطون الصور في المدن الغربية، وتحث المتابعين على تنفيذ الهجمات أينما كانوا. يقول المعلق في أحد هذه الفيديوهات: "لقد حان الوقت لحصد الرؤوس".
حياة جديدة للتنظيم
وترى الصحيفة البريطانية أن هذا الفعل من التنظيم يعد رداً نموذجياً تقدمه آلة داعش الدعائية، التي لا تزال ناشطة تماماً بعد 3 أشهر من سقوط عاصمة المنظمة الإرهابية في الرقة، سوريا. التي تثبت أن "الخلافة الافتراضية" لا تزال تحارب، وقد صار وجودها متضائلاً لكنه لا يزال ضخماً، يركز على حشد أتباع التنظيم في مواجهة الهزائم العسكرية الساحقة، وفقاً لمسؤولين في الولايات المتحدة ومحللين مستقلين.
وترصد الصحيفة التغيّر الكبير في المحتوى لدى التنظيم منذ خسارة الرقة، التي كانت في السابق موطناً لقسم وسائط الإعلام الرسمي ومراكز الإنتاج في التنظيم، فقد انتهى وقت مجلات داعش البراقة وأشرطة الفيديو المحترفة التي تمجّد فضائل الحياة تحت الحكم الإسلامي المسلح. وحل محل ذلك تيار ثابت من التحريض، وكله تقريباً يهدف إلى التشجيع على تنفيذ العمليات الإرهابية وتعليمات مفصلة لعمل ذلك.
بعضها هاوٍ ولا يبدو أن تصويره تم في استوديوهات أو من قِبل متحدثين رسميين، بل من مدوّنين ومتطوعين آخرين، غالباً ليسوا تابعين لداعش تماماً- المقابل الإلكتروني للإرهابيين الفرديين الذين يتصرفون دون توجيهات أو تعليمات رسمية.
ويقول المحللون إن داعش تصير أكثر اعتماداً على منصات مستقلة، قادرة على توزيع النداءات مُحددة الأهداف بعشرات اللغات المحلية، ولا يمكن إسكاتها بسهولة بالضربات العسكرية.
في الوقت نفسه، هناك علامات على حياة جديدة، تظهر من الناطق الرسمي باسم التنظيم.
في الأسبوع الماضي، أصدرت وكالة أعماق الإخبارية التابعة لداعش أول بياناتها باللغة الإنكليزية، منذ منتصف سبتمبر/أيلول، قبل سقوط الرقة مباشرة. كما شهدت الأسابيع الأولى من 2018 صعوداً حاداً في حركة حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المؤيدة لداعش، مقارنة بالأشهر السابقة، وفقاً لتحليل صدر الجمعة الماضية عن مجموعة المخابرات SITE، وهي مؤسسة خاصة تراقب المحتوى الجهادي.
تقول ريتا كاتز، المديرة التنفيذية لـ SITE: "تُظهر الدولة الإسلامية الآن العلامات الأولى لإعادة تجميع وسائل الإعلام"، وتضيف: "عانى التنظيم من انتكاسات كبرى بسبب هجمات التحالف والنظام، لكنه يتخذ حالياً خطوات كبيرة لإعادة تجميع عملياته الدعائية التي تُعتبر أحد أسلحته الخطيرة".
وتظهر الحملة الدعائية الجديدة الصعوبات التي يواجهها مسؤولو مكافحة الإرهاب أثناء السعي إلى وقف المسلحين عن الاتصال مع الإرهابيين المحتملين في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء الغرب. حتى بعد تدمير ملاذ داعش، وحظر مئات الحسابات التابعة للتنظيم على وسائل التواصل الاجتماعي، بمساعدة من الشركات الخاصة، لا يزال الإرهابيون ومؤيدوهم يجدون السبل لإيصال رسائلهم.
تغيير داعش لاستراتيجيته الإعلامية
أدى انهيار الرقة، في أكتوبر/تشرين الأول، إلى تراجع حاد في منتجات الإعلام الرسمي للتنظيم. "الرومية"، وهو الإصدار الإلكتروني الرئيسي لهم، توقف عن الصدور كلياً، بينما انخفض معدل الفيديوهات والمنشورات بشكل درامي، لكن ذلك لم يؤد بالتنظيم إلى الاستسلام.
فحاول عناصر داعش تغيير استراتيجياتهم الإعلامية، التي كانت بداياتها في سوريا عام 2013، وذلك بعد أن دمرت القوات الأميركية مواقع الإنتاج الخاصة بالتنظيم، وتعقبوا المتحدث الإعلامي الخاص بهم، فقاموا بالانتقال إلى منصات اجتماعية أخرى، حاصدين من خلالها شبكة عالمية من الحلفاء، لإسماع بياناتهم الرسمية، ونشر محتواهم الموالي للتنظيم.
"إن تدهور وضع تنظيم الدولة على أرض المعركة لم يقابله تردٍّ مشابه في الفضاء الإلكتروني". هكذا قالت تارا ميلر، محللة عسكرية سابقة بالاستخبارات الأميركية، ومستشارة سياسات خبيرة في مشروع مكافحة التطرف "إن ما نشهده هو جهد مستمر للظهور على الإنترنت، والمزيد من الجهد لتشجيع الناس على تنفيذ هجمات إرهابية فردية".
وأظهر تحليل الموقع أن المواقع التابعة للتنظيم نشرت إجمالي 907 بيانات وتقريرات وفيديوهات، في الفترة بين نوفمبر/تشرين الثاني، وديسمبر/كانون الأول 2016. وخلال هذه الفترة نفسها في العام الماضي، نشر التنظيم وداعموه 211 قطعة فقط.
وأشار تحليل نُشر بتاريخ 7 يناير/كانون الثاني، أعدته مدونة الأمن القومي Lawfare، أن هناك تراجعاً عاماً في المحتوى المنشور، يقرب من 90% عن أعلى نقطة وصل لها التنظيم في 2015. كتب تشارلي وينتر وجيد باركر، الباحثان في مكافحة الإرهاب بالمدونة، وكاتبا التقرير، أن هذا ليس تراجعاً إعلامياً فقط، بل انهياراً كاملاً.
ويقول المحللون، إن هناك متطوعين قاموا بسد هذه الفجوة. فقد صمم التنظيم شبكة واسعة من مصوري الفيديو والمعلقين التابعين للميليشيا للاستمرار في العمل حتى بعد توقف الشبكة الرئيسية بالكلية- وهي شبكة دعمها التنظيم وشجع وجودها في وقت ذروته.
ورغم العثور على كثير من المقاتلين الإلكترونيين لسنوات، فإن اعتماد التنظيم عليهم في إطلاق البيانات قد ازداد. وهو ما يطلق عليه وينتر وباركر "الإرهاب الانتقامي"، وهي أعمال عنف تهدف للثأر من الخسائر التي يتكبدها التنظيم، بينما تقنع المتابعين والخصوم أن التنظيم ما زال موجوداً.
يقول الكاتبان "قبل خفوت قوة تنظيم الدولة، كانت الهجمات الإرهابية الناجحة بمثابة مكسب تكتيكي. والآن، هي ضرورة استراتيجية. وإن الفضاء الإلكتروني لم يزل موائماً لتسهيل هذه الهجمات بكفاءة كما لم يسبق من قبل".
وأضافا "قبل انحسارها الإقليمي، كانت العملية الإرهابية الناجحة بمثابة مكافأة تكتيكية. أما الآن، فقد أصبحت ضرورة استراتيجية، وقد صمم المجال على الإنترنت لتيسير هذه الهجمات بشكلٍ أكثر كفاءة من أي وقت مضى".
ما وراء صورة نيويورك
نشر الصورة الشخصية للجهادي في مدينة نيويورك، بينما يقوم بلعبة الغميضة "بيكابو"، التي يقوم فيها الشخص بإخفاء وجه بيده ويزيل يده فجأة ويقول "بيكابو"، جزء من حملة تحريض بدأت في الأسابيع التي سبقت عيد الميلاد، واستمرَّت حتى مطلع شهر يناير/كانون الثاني. وقد سعت العديد من مقاطع الفيديو والصور التي ظهرت على الإنترنت خلال تلك الفترة إلى إعطاء الانطباع بأن محاربي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" كانوا في كل مكان. وأظهرت الصور معالم معروفة مثل برج إيفل في باريس وجسر ميناء سيدني في أستراليا والمباني شاهقة الارتفاع في لوس أنغلوس.
ويبدو أن صورة نيويورك قد التقطت خارج متحف المتروبوليتان للفنون في مدينة نيويورك، على حافة مُتنزه سنترال بارك في الجانب الشرقي الأعلى للمدينة. ومن غير الواضح ما إذا كانت الصورة حقيقية أم مُعدلة، ولكنها تُصور طقساً مماثلاً لذلك الذي شهده سكان مدينة نيويورك في أواخر الشهر الماضي، إذ كان المارة يرتدون المعاطف الثقيلة والقبعات ويمشون على طول الأرصفة المغطاة بالثلوج الخفيفة.
ويُحذر التعليق المُصاحب لأحد مقاطع الفيديو من وقوع هجمات إرهابية قادمة، بينما يُقدم نصائح إلى المؤيدين حول كيفية إذاعة ونشر الفوضى خلال موسم عطلة عيد الميلاد، عندما تكون شوارع المدينة مزدحمة بالمتسوقين والمحتفلين.
يقول التعليق "اصنعوا الأجهزة [المتفجرة] وازرعوها في احتفالاتهم"، أو أضرموا النار في منازلهم وغاباتهم، أو اسحقوا أكبر عدد من الكفار بسياراتكم، أو اطعنوهم مراراً وتكراراً بسكين."
وقدمت منشورات أخرى في الأسابيع الأخيرة نصائح تقنية تفصيلية. ونشر مؤيدو تنظيم الدولة الإسلامية على تطبيق الرسائل "تليغرام" (Telegram)، سلسلة حلقات دعائية تُسمى "فرسان الجهاد الوحيد" التي تتناول كتيبات إرشادية عن كيفية صنع كل شيء بدءاً من صنع القنابل، وصولاً إلى طرق تسميم الإمدادات الغذائية.
ويقول الخبراء الذين يراقبون عن كثب القنوات الجهادية، إن الانطباع العام هو أن آلة الدعاية النابضة بالحياة لم تبطئ محتواها بشكلٍ ملحوظٍ أو معتدلٍ. وللتأكد من الوصول إلى أكبر عدد مُمكن من الجمهور، تُترجم الرسائل عادةً إلى لغات متعددة، بما في ذلك الإنكليزية والعربية والروسية والأردية وحتى الصينية.
وأياً كانت الأسباب، فلم تؤت نداءات موسم العطلات ثمارها، على الرغم من أن واحدة على الأقل من تلك الدعوات كادت أن تنجح.
وما يثبت أن ما يقوم به التنظيم من حملته الدعائية قد يكون مثمراً بعض الشيء، فقد أخبر المشتبه فيهما في الهجومين اللذين وقعا في مدينة نيويورك العام الماضي، سيف الله حبيبُ اللايفيتش سايبوف، المهاجر الأوزبكي الذي دهس المارة بشاحنة في مانهاتن السفلى، في 31 من شهر أكتوبر/تشرين الأول، وعقائد الله، المهاجر البنغلاديشي الذي فجر قنبلة بدائية الصنع في نفق يربط بين محطة بورت أوثوريتي للأنفاق وتايمز سكوير، في 11 ديسمبر/كانون الأول، أخبرا السلطات أنهما قد استلهما تلك الأعمال من أشرطة الفيديو التي نشرها تنظيم الدولة.
هاف بوست عربي