في ليلة من ليالي أبريل 2014، وتحت جنح الظلام، خُطفت 276 فتاة تحت تهديد السلاح من مهاجعهن المدرسية ببلدة تشيبوك في شمال شرق نيجيريا. عملية أثارت صدمة العالم وتنديده، لكنها لم تكن سوى واحد من أعمال إجرامية كثيرة ارتكبتها جماعة «بوكو حرام»، التنظيم الذي تحول من حركة دينية محلية إلى تنظيم جهادي وحشي، حيث تسبب في مقتل أكثر من عشرين ألف شخص ونزوح نحو مليونين من السكان بسبب حملة الإرهاب التي بدأت في نيجيريا قبل أن تمتد لاحقا إلى تشاد والنيجر والكامرون.
محاربة «بوكو حرام» أضحت من أولى أولويات الرئيس محمدو بخاري، الذي وصل إلى السلطة في 2015. وبنهاية تلك السنة، أعلن عن دحر التنظيم. غير أنه رغم العملية العسكرية الكبيرة التي أطلقتها قوات الأمن، فإن «بوكو حرام» ما زالت قوة يحسب لها ألف حساب، حيث قامت خلال الأشهر الأخيرة بشن هجمات أسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص.
وعلى غرار تنظيمات متطرفة أخرى، مثل «داعش» في العراق أو «الشباب» في الصومال، ظهرت «بوكو حرام» ونمت نتيجة تظلمات محلية. وعلى غرار تنظيمات أخرى أيضاً، فإن ضحاياها الرئيسيين كانوا ومازالوا هم الأشخاص أنفسهم التي تزعم تمثيلهم والدفاع عن مصالحهم. غير أن ثمة بعض الاختلافات المهمة. وفي هذا السياق، يكتب ألكسندر ثورستون في كتابه «بوكو حرام.. تاريخ حركة جهادية أفريقية»: «على نحو يكاد يكون فريداً من نوعه بين الحركات الجهادية، بدأ تنظيم (بوكو حرام) كحركة دينية جماعية قبل أن يتحول إلى الكفاح المسلح. وإلى حد غير مألوف بين الحركات المماثلة، يشدّد التنظيم على أن التعليم على الطريقة الغربية عدو».
ومن أجل سد ما يسميها «ثغرات كبيرة» بخصوص ما هو معروف عن التنظيم، يأخذ ثورستون، أستاذ الدراسات الأفريقية بجامعة جورج تاون الأميركية، القرّاء في رحلة عبر الزمن إلى شمال شرق نيجيريا خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات، عندما كان مؤسسُ الحركة «محمد يوسف» وزعيمها الحالي «أبوبكر شيكو» طفلين. وقتئذ، كانت الحرب الأهلية تمزّق البلاد، تلتها فترة اضطراب سياسي عرفت حكم دكتاتوريات عسكرية وتخللتها حكومات مدنية فاسدة. وفي شمال نيجيريا ذي الأغلبية المسلمة، كانت حالةُ عدم اليقين تلك تغذّي نشاط الحركات الدينية، وكانت الحركاتُ المتنافسة تتحدى سلطةَ الزعماء التقليديين بحثاً عن هوية مسلمة جديدة. كما تفاقم فقر المنطقة جراء فشل الحكومة في توفير التعليم الأساسي.
وكانت الأمية ومازالت متفشية إلى حد صادم في المنطقة. يضاف إلى ذلك موقف سكان المنطقة المسلمين المتسم بالحيرة والتردد إزاء المدارس المصممة على النمط الغربي، حيث كانوا يربطونها بالاستعمار وبمحاولات محو تقاليدهم. ولاحقاً، أضيفت إلى هذا التوجس والارتياب مشاعرُ الاستياء في ظل إشراف السياسيين والتيقنوراطيين النيجيريين على نظام ينخره الفساد. وفي هذا الصدد، يكتب ثورستون: «إن رفض (بوكو حرام) للتعليم المصمم على النمط الغربي لم يأتِ من فراغ».
وبحلول أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان يوسف وشيكو يعيشان في مدينة مايدوغوري التي كانت مركزاً للحركات السلفية المتنافسة. وكانت مايدوغوري هي المكان الذي أصبح فيه يوسف معروفاً كواعظ ديني يدعو إلى معارضة الديمقراطية والدولة النيجيرية. وفي عام 2009، أطلق هذا الأخير انتفاضة ضد السلطات انتهت بقتله على أيدي قوات الأمن. وتحت قيادة خلفه «شيكو»، تحولت «بوكو حرام» إلى تنظيم جهادي متشدد فوسّعت حملتها العنيفة وسعت إلى نسج علاقات مع تنظيمات عابرة للبلدان. ومع ازدياد عنف قوات الأمن النيجيرية في محاولةٍ لاحتواء التنظيم، أصبح الطرفان عالقين في ما يصفه ثورستون باعتباره دورة «القمع والإرهاب التي ساعدت على إعاقة أي حل سلمي للنزاع». ويُعتبر شرح ثورستون لظروف نشأة «بوكو حرام» وكيف «تفاعلت هذه الأخيرة بشكل ديناميكي مع الاختلال السياسي والمعاناة الاقتصادية المحيطة بها محورياً لفهم سر بقائها واستمرارها. ويضيف ثورستون قائلا إن «بوكو حرام» «تمثل مفارقة بشعة: ذلك أن أفكارها لديها جاذبية محدودة، لكن لديها أيضاً قدرة على البقاء. فالتنظيم يمكن سحقه عسكرياً، غير أن عنف الدولة يغذّي خطاب المظلومية ويدعمه».
والواقع أن الإفراج عن بعض فتيات شيبوك في صفقة لتبادل السجناء يُظهر أن الجانبين قادران على إقامة حوار بينهما، غير أنه مع استمرار الظروف التي أدت إلى ظهور «بوكو حرام»، فإنه من غير الواضح إن كان سيتسنى القضاء على التنظيم يوما ما من دون إعادة نظر عميقة في الأساليب المتبعة. وهنا يخلص ثورستون إلى أن «بقاء الأمور على حالها.. سيعبّد الطريق لعنف جديد في المستقبل».
محمد وقيف
الكتاب: بوكو حرام: تاريخ حركة جهادية أفريقية
المؤلف: ألكسندر ثورستون
الناشر: برينستون يونفرسِتي برِس