يا فضيلة المفتى بعد إذنك ممكن أتنفس - مقالات
أحدث المقالات

يا فضيلة المفتى بعد إذنك ممكن أتنفس

يا فضيلة المفتى بعد إذنك ممكن أتنفس

د. خالد منتصر

وأخيراً انضم «البتكوين» إلى دائرة الحلال والحرام التى باتت أوسع من دائرة مجرة درب التبانة، صار «البتكوين» رفيق درب البوكيمون وميكى ماوس وأغنية «من غير ليه» رجساً من عمل الشيطان، ولا يجوز شرعاً، كما أفتى د.شوقى علام الذى برر فتواه بما «تشتمل عليه من الضرر الناشئ عن الغرر والجهالة والغش فى مصرفها ومعيارها»!!، وبغض النظر عن ضبابية المصطلحات وغموض الألفاظ التى تشعرنى بأنى جالس فى محاضرة أبستمولوجى فى رواق جامعة أثينا!

المهم أننى أعرف أن مناقشة مثل تلك المسائل الاقتصادية والمعلوماتية الحديثة المعقدة تحتمل أحد التوصيفين التاليين؛ إما نافع ومفيد اقتصادياً، وإما ضار ومنهك اقتصادياً، لكن إقحام مصطلحات الحلال والحرام والجائز شرعاً وغير الجائز شرعاً فى قضية اقتصادية بنت القرن الحادى والعشرين تماماً ومنبتة الصلة بزمن شراء الجدي بحفنة القمح وبيع السيف بصاع الشعير!!، هذا خلط لا يجوز فى دولة مدنية تسعى إلى دخول زمن الحداثة والتقدم، والسؤال بداية: ما علاقة المفتى بهذه القضية؟

سيكون الرد الجاهز: لقد استعان بالخبراء!، والإجابة ولماذا لم يعقد هؤلاء الخبراء اجتماعهم فى وزارة المالية أو التخطيط أو فى مؤسسات الاقتصاد بعيداً عن دار الإفتاء التى لا ناقة لها ولا جمل فى تلك القضية.. إلخ؟!، وهذا الاختيار الانتقائى للخبراء ألا يمكن أن يقابله اختيار انتقائى آخر مضاد يقول عكس هذا الكلام؟!، وهل نحن دولة قانون أم دولة فتوى؟، ولماذا تتبرع الدولة المدنية بوضع رقبتها متبرعة وبكامل إرادتها تحت مقصلة دينية ليس هذا مجالها ولا ميدانها ولا ملعبها من الأساس؟!!

لماذا لم تتعلم الدولة من تجربة قانون زرع الأعضاء الذى ظل تائهاً فى جدل العمامات الفقهية، وماذا قال الفقيه فلان عن ضرورة انخساف الصدغين وتدلى الخصيتين وتوقف القلب لتعريف الموت، وماذا كتب علان عن تعريف الروح ومتى تخرج ومتى تدخل.. إلى آخر هذه التعريفات الصالحة للحانوتى لا الطبيب والتى أخرتنا وما زالت تؤخرنا حتى تلك اللحظة خوفاً من اتهام القانون بأنه حرام وليذهب المرضى المحتاجون إلى زرع أعضاء إلى الجحيم قرباناً لما قاله الفقيه الفلانى والشيخ العلانى!

صرنا نأكل بفتوى ونشرب بفتوى ونمارس الجنس بفتوى ونشاهد الأفلام بفتوى ونلعب الطاولة بفتوى ونقتل ونُقتل بفتوى، وأظننا سنتنفس بفتوى ونطلب شهيقاً من دار الإفتاء وزفيراً من هيئة كبار العلماء، أنا لست خبيراً فى الاقتصاد أو نظم المعلومات ولكنى أطلب أن يناقش الأمر من خلال خبرائه العلميين، ولكى أنقل إلى المفتى معلومة أن الرأى الذى تبناه فضيلته ليس فصل الختام ولا هو الجامع المانع الواضح مثل الأبيض أو الأسود، وأن مثل تلك القضايا تحتمل الرماديات الكثيرة، سأنقل لك رأياً مناقضاً لكلامك تماماً، وهو رأى د. محمد الجندى، وهو خبير نظم معلومات قدير ويقدم برنامجاً مهماً يناقش فيه تلك القضايا، يقول رداً على فضيلتك

«الرد على دار الإفتاء يحتاج إلى حلقة خاصة لكن فى الحقيقة ما أذهلنى هو أسباب التحريم، لأنها تدل على أن من أفتى هذه الفتوى لا علم له بالعملات الرقمية ولا حتى التكنولوجيا أو الاقتصاد الرقمى أو حتى الاقتصاد غير الرقمى!، مما قيل فى أسباب التحريم أنها تمثل اختراقاً لأنظمة الحماية والأمن الإلكترونى، وهل سيادتك تعلم ما هو الأمن الإلكترونى؟ وكيف لعملة رقمية أن تمثل اختراقاً للأمن الإلكترونى، كلام لا صلة له بالواقع!، وقيل إنها تستخدم للهروب من الأجهزة الأمنية لتنفيذ أغراض غير قانونية، يا سيدى الفاضل النقود الكاش تستخدم فى تجارة المخدرات والدعارة وتمويل الإرهاب فهل نحرمها؟، من ضمن ما قيل أن داعش تستخدمها لتمويل العمليات الإرهابية. اللهم لا اعتراض!، يا سيدى الفاضل داعش تستخدم البترول وتجارة الآثار لتمويل الإرهاب إضافة لسرقة الأموال من البنوك، التحريم لأنها عملة إلكترونية تتداول على الإنترنت فقط!، وما هو الضرر فى ذلك سيدى الشيخ المبجل؟، حسابات سيادتك البنكية كلها متصلة بالإنترنت عبر بنوك مختلفة إلا إذا كنت سيادتك لا تستخدم بطاقة فيزا أو ماستر كارد فى الشراء من أى متجر!! أم أن الكريديت رجس من عمل الشيطان؟ أكتفى بهذا القدر، وفى النهاية يكفى أن تعلم دار الإفتاء أن هذه النوعية من الفتاوى تضر أكثر مما تنفع لأن الدولة لديها توجه عام وحتى من السيد الرئيس بالتحول للاقتصاد الرقمى وحضراتكم بهذه الطريقة تعرقلون توجه الدولة وتنشرون البلبلة فى المجتمع وعدم الثقة فى المعاملات الإلكترونية التى هى المستقبل بل الحاضر، شئتم أم أبيتم، الأمر الآخر لا يتعلق بالبتكوين، العملات الرقمية عموماً هى اقتصاد جديد والتقنية الخاصة بالـBlockchain ستعمم على جميع مناحى الحياة من الاقتصاد للقانون للصحة ووقتها ستكونون فى موقف صعب بهذه الفتاوى!».

انتهى تعليق الخبير الذى هو بالطبع قابل للمناقشة والدحض والخلاف، هذا لأننا نتعامل مع علم نسبى تتقدم به الأمم نحو النور ولا تتقهقر إلى حيث كهف الآراء المطلقة التى تجاوزها الزمن.

الوطن

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث