بقلم د. توفيق حميد
حينما نسمع صيحات الإسلاميين فى أماكن عديدة مثل المساجد والقنوات الفضائية وغيرها، نشعر وكأنهم لا شاغل لهم إلا المرأة والجنس، فالمرأة عندهم هي "الفتنة" ومحور الشرور خاصة إن كانت "متبرجة" أو أظهرت مفاتنها.
والمتأمل لخطب هؤلاء الإسلاميين يجد بعض المفردات التي تتكرر بصورة دائمة مثل "الفضيلة" و"الأخلاق" و"الحشمة؟" وغيرها من الكلمات التي تريد أن تضع المرأة في شرنقة لا ترى ولا يراها أحد، كما ورد في كتب التراث أن أفضل شيء للمرأة أن "لا ترى ولا يراها رجل"!
ولم يسلم حتى كتاب مثل نجيب محفوظ - وهو الحائز على جائزة نوبل- من اتهامات لكتاباته بأنها جنسية وفاضحة وتنشر الرذيلة. وأخيرا رأينا في دول مثل مصر هجمات شرسة من محامين وقضاة وأجهزة أمنية ضد مطربات لأن أغانيهن تخدش الحياء!
ولن أنسى وسط هذا السياق حينما كنت عضوا في الجماعة الإسلامية في كلية طب القاهرة في مصر ( 1979- 1980)، حيث لم يكن لنا حديث إلا عن "فجور النساء" والاختلاط بين النساء والرجال في المجتمع، و"التبرج" المتفشي وسط النساء، وعندما كنا نغير الحديث كان معظمه يدور حول مهاجمة من تلبس الشورت أو المايوه البكيني، ومهاجمة الفنانات واتهامهن بإشاعة "الرذيلة" في المجتمع.
وكنا نقتلع النصوص الدينية من سياقها ونستخدمها مثل قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (سورة النور آية 19)، وكنا نلوي معنى الآية لخدمة ودعم مفاهيمنا الدينية المتطرفة، ومفهوم الفاحشة في منظورنا لم يكن الرشوة والظلم والقسوة والعنف بل كانت – وكانت فقط للأسف – هي إظهار المرأة لمفاتنها الجسدية.
وكان الحل السحري عندنا لنشر ما أسميناه بالفضيلة والحشمة في المجتمع هو تطبيق الشريعة الإسلامية، لكى نقهر المرأة بكل الوسائل المتاحة حتى لا تكون "فتنة" لنا!، فكانت دعوتنا إلى الحجاب والنقاب وبقاء المرأة في المنزل نابعة من هذا المنطلق الجنسي الذي لا يرى في المرأة إلا أداة للجنس ليس أكثر من ذلك ولا أقل.
والعجيب في هذه النظرة الدونية للمرأة في المجتمعات الإسلامية، والتي تجعل منها كائنا جنسيا مثيرا يدعونا -إن تركناه بحريته- إلى دخول جهنم، أن هذه النظرة لم تنتج مجتمعات فاضلة، بل على العكس من ذلك تماما فقد أنتجت لنا مجتمعات بها أعلى نسب للتحرش الجنسي بالمرأة، وأعلى نسب مشاهدة الأفلام الإباحية على الإنترنت.
ولنقف هنا للحظات لنتأمل كتب الشريعة الإسلامية، والمعروفة بكتب التراث ولنسأل أنفسنا هل ما يتم ذكره في هذه الكتب هو من باب الحشمة والفضيلة أم يا ترى هو من باب العفة والشرف؟
فهل من الحشمة والفضيلة في الشريعة الإسلامية، أن تقف السبايا والإماء للبيع عاريات الصدور وسط الأسواق - كما كان يحدث أيام دولة الخلافة الإسلامية - كي يعاين الرجال أجسادهن فيتم شراء النساء من أسواق النخاسة الإسلامية واغتصابهن جنسيا كرقيقات؟
ونزيد القارئ علما بهذا "الخلق الرفيع" وتلك "الفضيلة المنشودة" في دولة الخلافة، بأن العلامة العثيمين زاد الأمر إيضاحا فقال في شرحه الممتع على زاد المستقنع : "الأَمَةُ- ولو بالغة - وهي المملوكة، فعورتها من السرة إلى الركبة، فلو صلت الأَمَةُ مكشوفة البدن ما عدا ما بين السرة والركبة، فصلاتها صحيحة، لأنها سترت ما يجب عليها ستره في الصلاة".
وأما في باب النظر: فقد ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى أن عورة الأَمَة أيضا ما بين السرة والركبة". وأقر جمهور أهل العلم أن عورة الأمَة ما بين السرة والركبة، كعورة الرجل تماما، واستدلوا على ذلك بحديث عمرو بن شعيب، عن أَبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إِذا زوج أَحدكم خادمه - عبده، أَو أَجيره - فلا ينظر إِلى ما دون السرة، وفوق الركبة".
وهذا الأمر البشع والذي يمتهن الإنسانية بأن جعل عورة الأمة "من السرة إلى الركبة"، على خلاف عورة الحرة - جاء في كتب الحديث وأقره الفقهاء وكان يتم تنفيذه عمليا في الخلافة الإسلامية، فعلى سبيل المثال جاء في كتب التراث أن عمر ابن الخطاب كان إذا رأى أَمة مختمرة، ضربها وقال: أتتشبهين بالحرائر؟
فعمر ابن الخطاب من شدة دعوته "للفضيلة" كان يريد من هذه الأمة المسكينة التي تغطى جسدها كاملا أن تغطى فقط من سرتها إلى ركبتها، وأن تمشى عارية الصدر في الشوارع والطرقات!، و يا لها من دعوة إلى "الفضيلة" و"الحشمة" و"الشرف" من ثاني الخلفاء "الراشدين".
وهل من الحشمة والفضيلة أن تقول كتب التراث أن الرسول كان يأمر زوجاته أن يرضعوا رجالا بالغين والمسماة بعملية "إرضاع الكبير"؟. و حديث إرضاع الكبير فى أعلى درجات الصحة وورد فى صحيح البخاري وغيره من كتب تراث أهل السنة!
وهل من الحشمة – كما ذكرت كتب الشريعة - أن تقف السيدة عائشة من وراء ستار شفاف لتستحم أمام الرجال لكى تعلمهم عمليا كيف كان الرسول عليه السلام يغتسل بعد الجنابة؟" روى البخاري في صحيحه (1/68)، عن أبي سلمة قال: "دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة فسألها أخوها عن غسل النبي (ص) فدعت بإناء نحو من صاع فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب".
وهل من الفضيلة أن تذكر كتب التراث التالي: "عن أبو محمد الدرامى عن أبى أمامة قال: قال رسول الله ( صلعم ): "ما من أحد يدخله الله الجنة الا زوجه الله اثنتين وسبعين زوجة ما منهن واحدة إلا ولها قُبُل شهي وله ذكر (أى عضو ذكري) لا ينثني".
وهل من الأخلاق الحميدة والعفة والفضيلة والشرف أن نقرأ في كتب الشريعة "الغراء" أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل عائشة ويمص لسانها (رواه أبو داود)، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرج البخاري في صحيحه كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة، قال الراوي عن أنس قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: "كنا نتحدث أنه أُعطي قوة ثلاثين" وفي رواية الإسماعيلي: قوة أربعين في الجماع.
وهل يا ترى ذكر القصة التالية في كتب التراث: "سألت حفصة بنت عبد الرحمن هو ابن أبي بكر قلت لها إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحيي أن أسألك عنه، قالت سل يا ابن أخي عما بدا لك، قال أسألك عن إتيان النساء في أدبارهن (قال الترمذي: حديث حسن صحيح) - لا يخدش الحياء العام!.
ويا ترى تفسير ابن عباس للآية التالية { إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } (سورة يس آية 55) بأن "الشغل هو افتضاض الأبكار"- هو دعوة للأخلاق والعفة والفضيلة والخلق الرفيع؟.
فإن كنا سنقيم المقاصل للكتاب والمفكرين والفنانات تحت دعوى خدش الحياء العام، فلنقم هذه المقاصل أولا للشيوخ الذين يروجون لكتب التراث المذكورة أعلاه