دكتور وجدى ثابت غبريال
لقد أعلنتَ بالأمس في باريس، وبوضوح، عن عزمك إقامة "دولة مدنيّة ديمقراطيّة حديثة" بمصر، وهو ما يرجوه المصريّون المستنيرون.
فهل تُوجد في العالم كُلّه دولة مدنيّة ديمقراطيّة حديثة تحتوي عاصمتُها على أكشاك فتوى إسلاميّة بمحطات مترو الأنفاق؟!
وهل تُوجد في العالم كُلّه دولة مدنيّة ديمقراطيّة حديثة ينطوي نظامُها القانونيّ على جريمة ازدراء الأديان؟!
وهل تُوجد في العالم كُلّه دولة مدنيّة ديمقراطية حديثة تُغلَق فيها دُور العبادة لفئة من الشعب حِرصًا على حساسيّة فئة أُخرى مُتطرِّفة؟!
وهل تُوجد في العالم كُلّه دولة مدنيّة ديمقراطيّة حديثة كُلّما تحرّك رئيسُها إلى دولة أجنبيّة خرجت خلفه الدلّالات من عّينة أم ترتر بسُوقيّتها وجهلها وعاطفتها الهوجاء؟! وهل يُوجد في العالم كُلّه من يعتبر هذا الهطل تأييدًا شعبيّاً لنظام الحُكم؟!
وهل تُوجد في العالم كُلّه دولة مدنيّة ديمقراطيّة حديثة يُمارَس فيها الإرهاب الطائفيّ والقتل على الهُويّة الدينيّة، دُون أن تتم مُحاكمة القاتل، أو العُثور عليه، أو معاقبته، أو مقاومته، أو تصفيته على مسرح الجريمة، هو ومن عاونوه في ارتكاب جرائمه؟!
إنَّ الفارق كبير بين الرغبة والقُدرة يا سيدي، الفارق شاسِع بين القُدرات المحدودة والطُموحات الكُبرى. وبالتحديد، ألم يكمن هُنا العيب الأكبر لنظام الإخوان المُسلمين؛ في ذلك التفاوُت الشَاسِع بين قُدرات بدائيّة هزيلة في الحُكم والإدارة تبلغ حد التخلُّف من جهة، وبين طُموحات خياليّة بائِسة في أن يُصبحوا حُكام مصر، بل أساتذة العالم -وهُم بتلك الضحالة المُفجِعة التي شهدناها- من جهة ثانية؟!
سيدي الرئيس،
في الدولة المدنيّة يكون الإنسان أوّلاً، أمّا في الدولة الدينيّة فتكون الدّيانة أوّلًا. نحنُ ضِد القهر باسم الدين، ضد العربدة باسم الحُرّية، وضِد الظُّلم باسم السّلطة، وضد التخوين باسم الوطنية، وضد التكفير باسم العقيدة، وضد التبعيّة بدعوى الاستقرار، وضد تحصين فئة على حساب فئة أخرى، فبتلك المبادئ يتعلّق الأمرُ كُلّه وتتوشّج روابط الدّولة مع قيّم المواطنة.
دكتور وجدي ثابت غبريال
كُليّة الحُقوق والعلوم السياسيّة جامعة
لاروشل - الجُمهوريّة الفرنسيّة