مُؤسّسة الأزهر وقتل القساوسة - مقالات
أحدث المقالات

مُؤسّسة الأزهر وقتل القساوسة

مُؤسّسة الأزهر وقتل القساوسة

يوسف تيلجي

"أمرت النيابة العامّة في مصر بحبس شخص اُتّهم بقتل كاهن كنيسة في ضاحية المرج، أربعةَ أيام على ذِمّة التحقيق، وقالت مصادر بنيابة شرق القاهرة، التي تتولّى التحقيق مع المُتّهم، إنّه أقرَّ بارتكاب الجريمة، وإنّه "كان يتشاجر مع أصحاب المحال التي كان يعمل بها ويحمل ساطورا، وتصادف ذلك مع مرور القس القتيل سمعان شحاتة، فطارده حتى تمكّن من اللحاق به داخل مخزن حديد، وانهال عليه بالطعنات حتى قتله"، ولم يتأكّد حتى الآن الدافع الحقيقيّ وراء الحادث. ويقول ناصر حسن، أحدُ الجيران، إنّ المُتّهم "دائِم الشجار مع جيرانه الأقباط، وقام من قبل بالاعتداء بالحجارة على أحد المحال التجاريّة التي يملكها قبطيٌّ". وأضاف حسن أن "المُتّهم صرّح مِرارًا إنّه لا يُحبُّ المسيحيّين" (وكالة BBC في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2017 - نقل بتصرُّف).

القراءة

1. إنّ قتل المسيحيين في مصر بات أمرًا غيرَ مُستغرَب، فمنذ سُقوط حكم الإخوان في يوليو ٢٠١٣، وقتلُ المسيحيّين وكذا تفجير الكنائس والأديرة يتوالى بشكل مُمنهج. وهذه الأعمال تُدار وتُنفّذ من قبل الجماعات الإسلاميّة عامّة، وبمُوافقة ضمنيّة من قِبل المراجع الإسلاميّة. وتتصدّر هذه الجماعات جماعةُ الإخوان المُسلمين والسلفيّون وغيرهم، إلى جانب وُجود أعمال فرديّة من قبل مُسلمين مُتشدّدين، وهذا لا يعني استثناءَ العُهود السّابِقة من استهداف المسيحيّين خاصّة عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، بل حتى عهد حسني مُبارك.

2. ما زالت الجهات الحكوميّة المصريّة/الأمنيّة، تُصف القَائِمين بهذه الأعمال الإرهابية، بأنّهم إمّا مرضى أو مُتخلّفين عقليّا أو عدوانيّين أو انطوائيّين. لم تعتد السلطات المصريّة تسمية الأشياء بأسمائها وهي ليست قادرة ولا شفافّة لتقول بأنّ مُنفذّي هذه العمليات يُنفّذون أجندة إرهابيّة إسلاميّة تهدف الى دفع الأقباط دفعًا إلى الهجرة! ودائمًا ما تُبرّر الجِهات الحكوميّة هكذا أفعال وتنسبها إلى أسباب بعيدة كل البُعد عن الواقع، حيث جاء بخُصوص مقتل القس القبطيّ سمعان شحاتة: "وقالت وزارة الداخليّة المصريّة في بيان أنّ الشرطة ألقت القبض على رجُل مُسلم عاطل عن العمل ومُقيم في مدينة السلام بتُهمة الاعتداء على القس شحاتة بسلاح أبيض. وأضافت الداخليّة المصريّة أن الرجل سبق اتهامه في قضية بالتعدي على والده بالضرب وإصابته وإشعال النار بمنزله" (موقع الجزيرة مباشر/الخميس 12 أكتوبر 2017).

3. لماذا يُقتل المسيحيّون/الأقباط؟! لماذا يُستهدف الأقباط مع أديرتهم وكنائسهم ومُؤسّساتهم الدينية؟! لماذا لا تُصان أرواحُهم وكنائسهم وأديرتهم وممتلكاتهم؟! إن السلطاتّ لا تقوم بواجبها في حماية المسيحيّين إلا بمُوافقات خاصّة، وكأنّ الأمر يتعلّق بالأمن الوطنيّ! هل يحدث كلُّ هذا اعتباطا، أم أنّ هُناك جِهة أو مُؤسّسة تقف وراء كُلّ هذا النهج المدروس؟! نعم هناك مُعتقد يُكفّر الجميع، ويُؤمن بأن الدّين عند الله هو الإسلام، والإسلام فقط! وفق الآية نَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ" (19 سورة آل عمران). إذن السبّب وراء كُلّ ذلك هو أنّ نصوص الإسلام لا ترى دينًا سوى الإسلام.

4. إذن، الإسلام بنُصوصه يقف وراء كُلّ هذا العنف والتوحُّش والقتل والترويع والحرق والهدم والتفجير والتكفير، ويحدث كُلّ هذا بمُباركة بل تشجيع مُؤسسة الأزهر، بشيخها وإدارتها وشُيوخها ومناهجها التعليميّة، فليس هناك وسطية في الأزهر، لأنّ إسلام الأزهر مُتطرِّف لا وسطية فيه، وذلك لأنّ الإسلام نُصوص، فهل بهذه النُصوص وسطية؟ مثلاً الآية التالية من سُورة البقرة (( واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين ( 191 )  فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم (192 ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ( 193)  ) / سورة البقرة ))، هل هناك وسطية في هذا النص القرآني؟! كذلك جاء في تفسير البغوي ومعناه "واقتلوهم حيث بصرتم مقاتلتهم وتمكّنتم من قتلهم". هنا، هل يستطيع الأزهر كمُؤسّسة، أن يخفّف من موضوع القتل في هذه الآية فيجعلها أقل حِدّة، أو هل يمكن أن يُحوّلها مثلاً إلى جلد أو تعنيف؟ بالقطع لا! إذن الإسلام نُصوص ثابتة لا تتغيّر!

5. إن الأزهر هو السُؤال وهو الجواب على كُلّ ما يجري وما سيجري، فلما لم يصدر الأزهر بيانًا يُؤكّد به مثلاً أنّ الأقباط غير كفرة؟ إنّ الأقباط متساوون مع المسلمين بالمُواطنة. الأقباط إخوة لنا. الأقباط  ليسوا أهل ذمّة، بل هُم مُواطنون كاملو المواطنة كسَائر المصريّين المسلمين لذا يتوجّب تحريم الاعتداء عليهم ومنع الدعاء عليهم في الجوامع والمساجد، مع جواز مُعايدتهم وتهنئتهم بأعيادهم وغير ذلك. يتحتّم علينا فِعل ذلك من أجل زيادة اللُحْمة الوطنية.

الخُلاصة                                                                                                             

 حتى ينعم أبناءُ الوطن بالعيش المُشترك وينصهروا في بوتقة واحِدة مُتراصة مُتكاملة، يتطلّب الأمر من الأزهر، تغييرَ مناهجه التي تُكفّر الآخرين. وهذا الأمر يتطلّب رئاسة وشُيوخًا ذوي فكر وعقلية حداثيّة، شيوخًا يكسرون صنميّة كُلِّ نص يدعو إلى التفرقة والتكفير والقتل، شيوخًا يُدركون أنّ زمن الدعوة المُحمديّة قد انقضى وأنّ الرسول قد مات، شيوخًا يعترفون بأنّهم يعيشون مع مُواطنين بعضُهم لا يدين بالإسلام لأنّ لهم دينٌ آخر ورجال دين آخرين ولديهم معابد لا مساجد. فمن أجل كُلّ هذا وغيره الكثير، يجب عليهم أن يعملوا على ديمومة الحياة في مُجتمع مصريّ مُتعدّد الأديان والمُعتقدات والمذاهب والطوائف والأعراق والأفكار .. أمّا إذا أنكرت مُؤسّسة الأزهر كُلَّ ذلك فسيبقى الأزهر بشُيوخه ومناهجه في قُمقُمِه وحيدًا ومُنعزلًا عن العالم!

 

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث