حرية المعتقد بالمغرب والأممية الحقوقية - مقالات
أحدث المقالات

حرية المعتقد بالمغرب والأممية الحقوقية

حرية المعتقد بالمغرب والأممية الحقوقية

محمد سعيد

كان هناك سؤال طرحه "غورباتشوف" في مؤتمر لحقوق الإنسان يقول: "ما هو الحق الذي ليس من حق الإنسان؟"

حرية الاعتقاد بالمغرب تتماشى مع هذا السؤال لـ"غورباتشوف"، لأنها حق ليس من حق المواطن المغربي! لذلك نعمل لكي نكرس هذا الحق المُستلب هنا بالمغرب، فأعداء حرية الاعتقاد يرتعدون غيظاً عندما نستعمل هذا المصطلح في خطاباتنا وكتاباتنا، فحرية الاعتقاد هي نضالنا وهي إبداع عبقري إنساني لا يحتاج للإطناب، فالدولة المغربية تفرض قيودا دينية ديكتاتورية على غير المسلمين، فغير المسلمون تقيد حريتهم في مختلف المجالات، حيث لا يستطيعون أن يعيشوا حياتهم كما يريدون، لأنهم مُلزمون بالزواج، مثلا، بطريقة دينية وليست مدنية ضدا على إرادتهم، بل يتم استنطاق المُواطنين لشبهة مخالفتهم الاعتقاد الإسلامي الدولاتي الذي على المذهب المالكي، ومخالفتهم لقيم المجتمع المغربي.

فما هي يا ترى الممارسات المنافية لقيم المجتمع المغربي؟ أليس من حقنا أن نعرفها لكي نعرف ما يرتضيه صانعوا قيمنا اليوم؟

فعدم تحديد القيم هو تكريس للمضايقات على كل من اختار بإرادته قيمه الدينية والروحية المخالفة لقيم السلطة السياسية الحاكمة.

لقد استغربت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان من هذه الإجراءات غير المبررة في عدة بيانات لها منذ 1989؛ إذ كانت هي الجمعية الوحيدة التي أدرجت مطلب حرية المعتقد بقانونها الأساسي، مذكرة بمصادقة المملكة المغربية على عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحرية الرأي والتعبير والمعتقد.

كما سبق وأن دعت رئيسة بيت الحكمة خديجة الرويسي، في أبريل 2014، إلى تعديل الوثيقة الدستورية لتتماشى وحرية الاعتقاد. وفي الاتجاه نفسه جدد بيان لبيت الحكمة التأكيد على أن هذا القرار ينسجم مع المسار الدستوري، وقد كان بيت الحكمة سباقا إلى تضمين "حرية المعتقد" في ورقته المقترحة على لجنة المنوني من أجل وضعها بدستور الفاتح من يوليوز 2011.

الدولة المغربية تخشى "حرية المعتقد"؛ لذلك لازال المغرب لم يضع دليلاً لحقوق الإنسان بالرغم من أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان هيئة دستورية (الفصل 161 من الدستور). فقد خلد المنتظم الدولي الذكرى 69 لإصدار الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كوثيقة تاريخية تضمنت إرادة أمم وشعوب الأرض في إرساء أسس عالم متضامن تسوده الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية. إن ميلاد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان شكل إنجازا تاريخيا هاما وأصبح بالتالي نقطة تحول أساسية على درب التعاون والتضامن العالمي كنتيجة طبيعية للتفاعل الإيجابي بين مختلف الحضارات والثقافات، والذي يعتبر الإنسان نقطة الارتكاز في المسار التنموي بشكل عام.

إننا ونحن نستحضر الأبعاد والمضامين السامية لهذه الذكرى، نسجل التراجع الخطير لوضعية حقوق الإنسان ببلادنا، سواء عبر سن قوانين تراجعية كالقانون الجنائي الذي يتناقض جوهريا مع مضامين المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، أو على مستوى الدولة ومؤسساتها مع المواطن وتنظيماته المدنية والسياسية، تلك العلاقة التي تستهجن المواطن وتحتقره بالوصاية والقمع.

أن تمارس طقوسك الروحية بكل حرية، فهذا مكسب للمجتمع الديمقراطي والحداثي. الحرية تعني أن الدستور يكفل للمواطنات والمواطنين خمس حريات شخصية يستطيع المرء أن يعدها على أصابعه الخمس، وهي حرية الكسب، وحرية العقيدة، وحرية الإعلان، وحرية التجمع، وحرية القضاء.

المجتمع المدني دافع عن حرية المواطنين والمواطنات في ممارسة الشأن العام، لكنه لم يدافع عن الحريات في المجال العام، و"حرية الاعتقاد" هي من المجال العام التي يجب أن تتوجه الأحزاب السياسية أيضاً لتفعيلها، وعدم حصر اهتماماتها السياسية في تدبير اليومي (ما يسمونه بالشأن العام) إننا نريد حزبا يعيد الحلم الحضاري والثقافي للمغرب، حزب يأخذ على عاتقه ترسيخ قيم الاختلاف، ويسعى إلى الحداثة المرجوة عند المجتمع المغربي، حداثة تفضح الشر والكذب الإيديولوجي الممخزن، وتحارب ما يسميه بن خلدون بـ"دين الانقياد".

فالدين ليس عقيدة رسمية للدولة ولن يكون مهما حاول الفقهاء الدستوريون التقليدانيون أن يقولوا ذلك، بل سؤال الدين هو فضول فكري يتعلق بصاحبه؛ فالدستور، كما قلنا في عدة مقالات، عقيدة مدنية الحريات فيه مكتسبات و"حرية الاعتقاد" من ضمن هاته المكتسبات التي يجب على الدولة أن ترسخها بل أن تدافع عنها؛ بذلك تترجم ذكاءها الإنساني الذي لا يحتاج إلى أصباغ كاذبة من خلال مجتمعها المدني والسياسي.

فالفصل 156 من الدستور يؤكد على ملاحظات واقتراحات من طرف المواطنين والمواطنات، ونحن هنا نؤكد على مطالبتنا من أجل تغيير الدستور، ودمج "حرية الاعتقاد" التي تم حذفها من المسودة الأولى لدستور 2011، بشهادة رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان إدريس اليازمي، من طرف أحد أعضاء اللجنة الملكية لصياغة الدستور (الدكتور محمد الطوزي)، في تصريحاته إبان المصادقة على هذا الدستور الممنوح.

نحتاج اليوم إلى ثورة في الحرية والديمقراطية التشاركية، فإجلال حقوق الإنسان، كما تقول الكاتبة الفرنسية "فالانتين زوبر" في كتابها الذي يحمل العنوان نفسه (إجلال حقوق الإنسان/ 2014): "هو كامن في احترام خياراتنا الدينية والفكرية ومن ضمنها حرية الاعتقاد". وبهذه المناسبة، نطالب كما طالبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، سنة 2009، برفع مكانة حقوق الإنسان ببلادنا وجعل 10 دجنبر، اليوم العالمي لحقوق الإنسان، يوم عيد وطني وعطلة مؤدى عنها.

بهذا نرسخ للخطاب الملكي بمناسبة المسيرة الخضراء 2014: "أن الخيار الديمقراطي لا رجعة فيه"، ونثمن ما جاء في الحوار الذي أجراه مركز مدى للدراسات والأبحاث الإنسانية مع أحد رموز اليسار السياسي "محمد الساسي" الذي قال: "يجب إعطاء حرية الاعتقاد مكانتها في الدستور المغربي وأن تكون من ضمن أولويات الصف الحداثي والديمقراطي".

فما هي الرسالة التي يريد أن يعبر عنها بعض المنافحين عن "حرية الاعتقاد" بالمغرب؟

يريد المنافحون عن حرية الاعتقاد أن يوجهوا رسالة بسيطة كابتسامة طفل من أطفال المغرب، رسالة كزغرودة عذراء، والرسالة تقول: يقول ناموس من نواميسكم الذي تسمونه دستورا إن "دين الدولة هو الإسلام"، وقد تكررت هذه الجملة ست مرات، وبأن "الإسلام هو المكون الأصيل لهوية المغرب"، وبأن "الحريات مكفولة دستوريا"، كلا كلا، هذا مجرد هراء، لقد مرًت ست سنوات على ناموس نواميسكم، ولا زالت "حرية الاعتقاد" معلقة؛ لذلك سنفضحكم لعل فضحنا إياكم يُحيي ما قتله عرًابو الفقه الدستوري المؤدلج ببلادنا!

وأخيراً، أعتقد أن الملك محمدا السادس رجل ذكي وذو نية حسنة؛ لذلك كتبت هذا المقال أعبر فيه عن وجهة نظري بنية حسنة، من أجل ترسيم حرية الاعتقاد بالدستور بدون الرجوع إلى الآلية السياسية التي كانت هي الأخرى حائلاً دون ترسيم حرية الاعتقاد بدستور الفاتح من يوليوز 2011!

هيسبرس

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث