تظافرت جهود كل من أنقرة، طهران وبغداد للضغط على أكراد العراق بعد تنظيمهم لاستفتاء بشأن استقلال كردستان فيما يبدو أنه محور إقليمي جديد بأهداف تكتيكية ظرفية مرتبطة حصرا بمنع ميلاد دولة كردية في المنطقة.
بلغت نسبة الأكراد الذين صوتوا لصالح استقلال إقليم كردستان عن العراق 92.7%، غير أن حلم الانفصال عن بغداد وتأسيس دولة مستقلة لا يزال بعيد المنال. فإضافة إلى الدول الكبرى، التي حذرت جميعها من تداعيات خطوة كهذه على استقرار المنطقة، بدأت معالم محور إقليمي جديد في التشكل بين كل من تركيا، إيران والعراق رغم الخلافات القائمة بين الدول الثلاثة التي ترى في أفق ظهور دولة كردية كابوسا يهدد أمنها القومي. وقد أعلنت الدول الثلاثة في ما يشبه التناغم مجموعة من الآراءات الزجرية في حق حكومة أربيل أملا في ثنيها عن ركوب طموح الاستقلال.
وفي حوار معه أوضح رجائي فايد، رئيس المركز المصري للدراسات والبحوث الكردية في القاهرة، أن "هناك تناقضات رئيسية وأخرى ثانوية. التناقض الرئيسي هو خشية الدول الثلاث من قيام دولة كردية في المنطقة قد تؤدي إلى انتهاء الدولة العراقية وتحويلها إلى كانتونات، وهذا ما سيؤثر بدوره على الدولة التركية من حيث تغذية الحماسة القومية لدى أكراد تركيا الذين يصلون لحوالي عشرين مليون نسمة. وينسحب الأمر نفسه على أكراد إيران الذين يصلون لحوالي 15 مليون".
تهافت على مطار أربيل قبيل تعليق الطيران الدولي في كردستان
محور ظرفي بهدف استراتيجي
أكدت أنقرة أنها تسعى لعقد قمة ثلاثية مع ايران والعراق بهدف تنسيق الإجراءات الواجب اتخاذها بشأن كردستان. ورغم العلاقات الحساسة التي تربط الدول الثلاث، فإنها كثفت الاتصالات الدبلوماسية بينها. وبهذا الشأن أكد فايد أن "هذا المحور الذي يتشكل هدفه آني لأن المشكلة تتعلق بخطر يهدد الدول الثلاث في الصميم، ولكن إذا انقشعت هذه المشكلة، فإني أعتقد أن هذا المحور سينفرط عقده".
والواقع أن الدول الثلاث ليست معزولة في موقفها، إذ عبرت العواصم الكبرى عن تحفظها، إن لم نقل رفضها للخطوة الكردية التي يُنظر إليها كانتكاسة لجهود توحيد العراق. كما أن هناك مخاوف من أن تؤدي مساعي استقلال أربيل إلى تأجيج بؤر توتر جديدة في وقت تسعى فيه المنطقة للتخلص من فلول تنظيم "الدولة الإسلامية".
ولعل الخطر الأكبر هو احتمال اندلاع الصراع على مدينة كركوك الغنية بالنفط وغيرها من المناطق المتعددة الأعراق التي يسيطر عليها الأكراد. هذا السيناريو سيضع القوات العراقية والفصائل الشيعية المدعومة من إيران في مواجهة قوات البشمركة التي دربها الغرب. ويرى فايد أن دولة كردستان حتى لو قامت ستكون جزيرة معولة محاطة بالأعداء من كل جانب.
ضغط اقتصادي وتلويح عسكري؟
وأوضح رجائي فايد أن "أهم وسيلة ضغط في الوقت الراهن هي الأداة الاقتصادية، فمن السهل جدا محاصرة إقليم كردستان اقتصاديا وعزله عن العالم بريا وجويا، بحكم ولقعه الجغرافي خصوصا وأنه إقليم لا يتوفر على منفذ على البحر". وقد علقت بغداد فعليا الرحلات الدولية من مطاري كردستان وإليهما.
كما تهافت الأجانب الذين يعملون في الإقليم على المطارات أملا في المغادرة قبل بدء تطبيق إجراءات التضييق على هذه المنطقة حيث يخشى الأجانب من عدم التمكن من المغادرة خصوصا وأن حكومة كردستان العراق تعطي تأشيرات دخول غير معترف بها من قبل حكومة بغداد.
وتعهدت أنقرة من جانبها بحصر التبادل النفطي مع الحكومة في بغداد. ومن المتوقع أن تكون لهذه الإجراءات تداعيات كارثية على اقتصاد الإقليم. وبهذا الصدد أكد فايد أن "الشريان الاقتصادي الوحيد للإقليم هو الأنبوب النفطي الذي يمر عبر الأراضي التركية، ويمكن قطعه بسهولة، فضلا عن السلع والخدمات التي تأتي من الخارج".
ويستبعد المراقبون في الوقت الراهن خيار التصعيد العسكري رغم أن النواب العراقيين كرروا طلبهم لرئيس الحكومة حيدر العبادي لإرسال الجيش إلى المناطق المتنازع عليها بين حكومة بغداد والأكراد.