عماد الدين حسين
إذا كان الرهان الأمريكي الغربي قد خاب في قدرة جماعة الإخوان، ومعها بعض الفصائل والجماعات المصنفة معتدلة على قيادة المنطقة العربية الإسلامية، فهل انتهى الرهان على هذه الجماعات؟ وهل بدأت القطيعة بين الطرفين؟ الإجابة تقول إن هناك مؤشرات كثيرة تدل على ذلك، لكن ليست جازمة بنسبة مائة في المائة.
الولايات المتحدة لديها عقدة نفسية صعبة منذ سقط شاه إيران محمد رضا بهلوي على يد آية الله الخميني في أول فبراير/ شباط 1979، ولم تكن لواشنطن أي علاقة بالقوى الجديدة التي قادت الثورة. من يومها اتبعت أمريكا طريقاً خلاصته أن يكون لها اتصالات مع كل القوى السياسية المختلفة في غالبية البلدان، حتى لو كانت معادية لها.
جماعة الإخوان لم تكن معادية فعلياً للولايات المتحدة، بل جرت اتصالات كثيرة وربما تفاهمات، قبل سقوط مبارك وحتى وصول الإخوان للسلطة. وبعد خلع الإخوان من حكم مصر ضغطت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا وإلى حد ما ألمانيا على الحكومة المصرية لإشراك الإخوان أو ممثلين قريبين منهم في المشهد السياسي، لكن ذلك لم يحدث، لأن الحكومة المصرية ردت بأنه لا فرق كثير بين الإخوان و"داعش" إلا في الدرجة والكلام المعسول وليس في الجوهر.
عقب التفجيرات التي شهدتها مدن أوروبية كثيرة في الشهور الأخيرة على يد "داعش"، بدأت إرهاصات كثيرة تشير إلى أن الأوروبيين بدأوا يعيدون النظر في ظاهرة الإسلام السياسي. ليس تخلياً عنه أو توظيفاً له، ولكن لأن الضغوط الشعبية العارمة في الغرب فرضت على الحكومات أن تبتعد أكثر عن اللعب بالنار مع هذا التيار الذي تبين أن جزءا كبيراً منه انجرف في لعبة العنف والإرهاب ولو بعدم إدانته بما بالقوة الكافية، وهذا هو المؤشر الأول.\
المؤشر الثاني أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي تقول حكومات عربية إنه كان عراب العلاقة مع الإسلام السياسي يوشك أن يغادر البيت الأبيض بعد أسابيع، وخليفته إما سيكون دونالد ترامب الأكثر تطرفاً في معاداة الإسلام السياسي، وهذا احتمال ضعيف، أو هيلاري كلينتون التي قالت إنها اختلفت مع باراك أوباما في التعامل مع الربيع العربي خصوصاً الإسراع بتغيير حسني مبارك في مصر.
وحرصت كلينتون ومعها ترامب على الاجتماع بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي بنيويورك.
المؤشر الثالث أن بعض الحكومات الغربية أدركت أن سقوط بشار الأسد ونظامه الآن يعني أن بديله الفعلي ،هو خليط من القاعدة و"داعش" وقليل من الإخوان، وأن القوى المدنية السورية لا تملك قوات على الأرض، لها بعض الحضور المعنوي، لكن بلا تأثير حقيقي لهذا السبب فإن أكثر من حكومة أوروبية، قالت إنها لم تعد تمانع في وجود دور مرحلي أو مؤقت للأسد في المرحلة الانتقالية، بل إن البعض يلمح إلى عدم ممانعته في خوضه انتخابات رئاسية حرة، في إطار تسوية شاملة.
المؤشر الرابع هو التقارب الأمريكي خصوصاً والغرب عموماً مع إيران عقب اتفاق الخمسة زائد واحد مع إيران، في صيف العام الماضي. وهو التقارب الذي فهمته السعودية وبعض بلدان الخليج باعتباره اقرب إلى رسالة طلاق ونهاية لعلاقة زواج كاثوليكي بين واشنطن وبلدان الخليج.
ولم يعد سراً أن السعودية تعتقد أن الولايات المتحدة قد سلمت المنطقة بأكملها إلى إيران، وكانت ذروة ذلك التعاون العسكري بين البلدين في العراق. فالمقاتلات الأمريكية في السماء العراقية كانت تنسق على الأرض مع الجنرال الإيراني قاسم سليماني وربما حدث ذلك بصورة أقل في سوريا.
المؤشر الخامس هو قانون جاستا والذي أقره الكونغرس بمجلسيه في الأيام الأخيرة من شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، ويعطي أهالي ضحايا تفجيرات 11 سبتمبر 2011 الحق في مقاضاة الحكومة السعودية باعتبارها مسؤولة عن هذه الهجمات، وتم إقرار هذا القانون رغم الفيتو الذي استخدمه الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
ورغم هذا الفيتو فإن الحوار المهم الذي أجراه أوباما مع مجلة "أتلانتك مونثلي" قبل شهور واعتبره البعض يشكل ما يمكن تسميته "عقيدة أوباما" يكشف أن نظرة الرئيس الأمريكي للسعودية ودورها مختلفة تماماً عن نظرة كل الإدارات الأمريكية السابقة، والتي كانت ترى الرياض حليفاً قوياً بغض النظر عن قضايا الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان. وعرفنا قبل أيام قليلة في أحدث تسريبات ويكليكس أن هيلاري كلينتون ترى أن السعودية ومعها قطر، كانت من أكبر الداعمين لداعش.
المؤشر السادس هو الترحيب الغامض في اللحظات الأولى بالانقلاب التلفزيوني الذي وقع في تركيا في يوليو تموز الماضي من قبل بعض الدوائر الغربية. كان هناك تلكؤ في إدانة الانقلاب، ولم تحدث الإدانة الحاسمة، إلا حينما تم التأكد من فشله. وسمعنا غضباً رسمياً تركياً من بعض الحكومات الغربية، بل واتهامات بالتواطؤ، وبغض النظر هل حدث ذلك ألا فإنه يكشف التباعد بين الغرب والنموذج الأردوغاني بعد رهان طويل عليه.
تلك هي أبرز المؤشرات التي تقول إن لرهان الغربي على قوى الإسلام السياسي تتراجع، لكنها ربما لن تنتهي تماماً. والسبب هو الخوف من تكرار شبح النموذج الإيراني الذي أشرنا إليه في بداية الكلام. وربما لهذا السبب يمكن فهم لماذا تصر الإدارة الأمريكية مثلاً على استقبال بعض ممثلي جماعة الإخوان في الخارجية أو مقر الكونغرس أو في بعض مراكز الأبحاث والميديا، أو على الأقل لا يتم ذلك في العلن بل في الغرف المغلقة.
كما يمكن للسبب نفسه فهم السلوك الحكومي البريطاني من ترك الباب مواربا مع نفس الجماعة وهو الأمر الذي ظهر جلياً في تقرير مراجعة الحكومة البريطانية لسلوك جماعة الإخوان الذي أعده السفير البريطاني في الرياض جنكينز. وفيه قال إن الجماعة بعضها يعتمد العنف وبعضها يعتمد السلم، وهكذا أغضب الجميع وأرضاهم في نفس الوقت!!
يمكن القول إن هناك بدايات تغير في السلوك الغربي تجاه جماعات الإسلام السياسي، ويمكن القول إن الطلاق لم يتم بصورة رسمية، لكن كل المؤشرات تقول إن الطرفين في الطريق إلى ذلك، حتى لو كانت العلاقة السابقة ليست زواجاً موثقاً. بل أقرب إلى زواج المتعة أو الزواج العرفي.
نقلا عن دى دبليو الالمانية