القرضاوى في مستنقع السياسة - مقالات
أحدث المقالات

القرضاوى في مستنقع السياسة

القرضاوى في مستنقع السياسة

محمود صلاح:

 

منذ الإعلان عن وفاة الشيخ يوسف القرضاوي، انسحب الجدل فوراً إلى أرضية السياسة. وانقسم المتجادولن بين من يعتبره داعماً لحرية الشعوب، ووسطيتً معتدلاً في تقديم فتاواه، ومن يعتبره عراباً للعنفِ مفتياً للدم والإرهاب، خاصة مع كونه منظراً معتمداً لجماعة الإخوان المسلمين التي خرجت من تحت عباءاتها فصائل مسلحة كثيرة خاصة في مصر عقب إنهاء حكمهم في 2013، وكذلك ما أصدره فتاوي، رآها البعض محرضة على الإرهاب.

عاش القرضاوي في منفى شبه اختياري في الدوحة القطرية منذ ستينيات القرن الماضي، ودفن بها، عقب وفاته عن عمر 96 عاماً. وبعد وفاته، جاء الهجوم الأكبر ضده من مسقط رأسه في مصر.

مصر الرسمية تتجاهل

حظى القرضاوي بشهرة عالمية خلال حياته، نظراً لمواقفه التي كان يتبناها اتجاه القضايا التي تعاني منها الشعوب العربية، وتأكد هذا الأمر عقب تغريدة نشرها نجله الشاعر عبد الرحمن يوسف، يعلن فيها وفاة والده بعبارة واحدة: "ترجَّل الفارس"، على إثرها عجت منصات التواصل الاجتماعي بنعي القرضاوي، من قيادات بارزة في العالم العربي والشرق الأوسط، على رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وعدد من القيادات التركية والقطرية، فيما انطلق الهجوم عليه من السعودية والإمارات ومصر التي لم يظهر ينعاه فيها سوى الدبلوماسي والسياسي المصري، محمد البرداعي الذي كتب: "رحم الله الشيخ يوسف القرضاوي وألهم أهله الصبر والسلوان".

وفي ظل نعي كثير من المؤسسات العربية للقرضاوي، نأت مشيخة الأزهر - الذي درس فيه القرضاوي وعمل فيه سنيناً طوالاً- بنفسها عن ذكره، كذلك تجاهلته هيئة كبار العلماء التي كانت عضواً فيها إلى أن تم فصله بقرار سياسي منها عقب إطاحة الإخوان المسلمين في مصر وتصريحاته التي هاجم فيها ما اعتبره "انقلاباً" على الحكم الديمقراطي ممثلاً في الرئيس السابق المنتخب محمد مرسي.

فيما زعم الشيخ محمد الصغير عبر صفحته على تويتر، أن "هناك تعليمات صدرت للعاملين بالأوقاف بمنع الصلاة على القرضاوي بكافة مساجد الجمهورية، مرفقاً منشوره بصورة من محادثة واتساب، وعبق عليها قائلاً:”تصرف ينم على قلة العقل والفهم، وقلة القيمة، حيث انشغلت وزارة الأوقاف في مصر منذ أمس في التحذير من صلاة الغائب أو تناول خبر وفاة الإمام يوسف القرضاوي من قريب أو بعيد”.

القرضاوي والإخوان

في وقت مبكر من حياته انتمي القرضاوي لجماعة الإخوان المسلمين، فبحسب موقعه الرسمي،كان القرضاوي "أحد القيادات الشبابية الذين تسببوا في صحوة إسلامية معاصرة، إذ حضر العديد من المؤتمرات واللقاءات التي نظمها شباب الصحوة داخل البلاد الإسلامية وخارجها طوال السبعينيات، وكان هناك إجماع على مكانته في الجماعة".

ومن بين مؤلفاته كتاب "الإخوان المسلمون... سبعون عاماً في الدعوة والتربية والجهاد"، والذي تناول خلاله تاريخ الجماعة منذ نشأتها إلى نهايات القرن العشرين (الكتاب صادر عام 1998).

ووصف القرضاوي بأنه "روح الجماعة"، وعقب توليهم زمام الأمور في مصر عقب ثورة 25 يناير،أبدى ترحيبه وسعادته بذلك واصفاً إياهم بأنهم "الجماعة الإسلامية الوسيطة المنشودة"، إلا أنه عقب سقوط نظام الإخوان في 3 يوليو/ تموز 2013، حُكم على القرضاوي غيابياً بالإعدام عام 2015، إلى جانب آخرين منتمين لجماعة الإخوان في قضية اقتحام سجون عام 2011. وعلى الرغم من مكاته الروحية والدينية لدى الجماعة وأعضائها؛ إلا أنه تحفظ في إصدار أية تصريحات أو فتاوى تدين أعمال العنف التي ارتكبها عناصر الجماعة في حق مدنيين مصريين عقب إطاحتهم من الحكم في 2013.

عدو كل الأنظمة

وبالعودة إلى تاريخ القرضاوي منذ بداياته، نجد له مواقف سياسية من جميع أنظمة الحكم المتتالية في مصر، حيث تم اعتقاله عام 1949 في العهد الملكي، ثم اعتقل بعدها ثلاث مرات في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عام 1954، واستمر اعتقاله نحو عشرين شهراً حتي 1963.

بعد الاعتقالات العديدة التي تعرض لها القرضاوي في فترة حكم عبد الناصر، سافر إلى قطر ليستقر هناك حيث حصل على الجنسية القطرية في عام 1977، وبعدها أسس كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، كما أصبح مديرا لمركز البحوث والسيرة النبوية بجامعة قطر.

القرضاوي كان موقفه واضحاً من النظام المصري قبل ثورة 25 يناير، حيث كان من أشد المعارضين للرئيس الراحل حسني مبارك، و كان يتناول بالنقد العديد من الأمور التي تخص حياة المصريين في برنامجه "الشريعة والحياة" الذي كان يقدمه على شاشة الجزيرة القطرية.

وعندما اندلعت شرارة الثورة في عام 2011 في مصر، كان القرضاوي أحد أهم الوجوه الداعمة لاسقاط هذا النظام الذي استمر ثلاثين عاماً، حيث خطب في ميدان التحرير أما ملايين المتظاهرين عقب سقوط نظام مبارك.

القرضاوي الذي يعتبر المرجع الروحي لجماعة الإخوان، كان موقفه ثابتاً تجاه مبارك، حيث انتقد حكم براءته من القضايا التي اتهم فيها، وحذر عبر سلسلة تغريدات آنذاك "قاضي الأرض من قاضي السماء"، مؤكداً أن براءة مبارك "يوم حزين في تاريخ العدالة الاجتماعية، ووصمة عار على جبين القضاء المصري".

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، أصدرت السعودية ومصر والإمارات والبحرين بياناً مشتركاً، عقب الأزمة الدبلوماسية مع قطر، تحدد خلاله قائمة الإرهابين والتي ضمت كيانين و11 شخصا من بينهم القرضاوي وأشخاص آخرين محسوبين على تيار الإخوان المسلمين.

وفي 2018 صدر ضد القرضاوي حكم بالسجن في مصر، ووُضع اسمه على قائمة المطلوبين للإنتربول الدولي، إلا أنه في ديسمبر/ كانون الأول 2018، رُفع اسمه من تلك القائمة بوصف الحُكم ضده "مُسيساً ويفتقر إلى الحياد والشفافية".

القرضاوي والاحتلال والقضية الفلسطينية

لم تتوقف اشتباكات القرضاوي السياسية على السياسات المصرية، وذاع صيته في جميع الدول العربية، فرغم شهرته في قطر وتركيا، إلا أنه كان معروفاً للفلسطينيين والإسرائيليين على حدٍ سواء، فمنذ أواخر الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1993، شرع الفلسطينيون في تنفيذ العمليات الاستشهادية ضد الاحتلال الإسرائيلي، في القدس والضفة وأيضاً تل أبيب وغيرها من المدن الفلسطينية، وكانت حماس – أحد أجنحة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين- من أكثر الفصائل الفلسطينية تنفيذاً لهذه العمليات، حيث استندوا للفتاوي التي أدلى بها القرضاوي، الذي اعتبر أن هذه العمليّات أعظم أنواع الجهاد، رافضاً تسميتها بالعمليّات الانتحاريّة، لأنّها "عمليّات بطوليّة استشهاديّة أبعد ما تكون عن الانتحار، ومن ينفّذها ليس منتحراً".

إلا أن القرضاوي تراجع عن فتواه بعد فترة مؤكداً أن العمليات الاستشهادية غير جائزة حاليا في فلسطين، إلا أن إجازته لها سابقاً " كانت للضرورة ولعدم وجود أسلحة لدى الفلسطينيين، وهذه الضرورة انتهت، وباتت لدى الفلسطينيّين وسائل جديدة للقتال غير العمليّات الاستشهاديّة".

وبسبب دعم القرضاوي لقضية فلسطين مُنع من دخول بريطانيا، باعتباره مؤيدا للعمليات الإرهابية داخل الأراضي الإسرائيلية ويبرر وقوعها، كما أعلن رئيس فرنسا السابق نيكولا ساركوزي في 2012، منع القرضاوي من دخول البلاد باعتباره من الإسلاميين المتشددين.

كما انتقد القرضاوي قطر التي احتضنته في مايو/ أيار 2001 عقب عزمها عقد لقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي – وقتها-  أرييل شارون والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وقال: " لا أهلا بشارون في قطر، قلت لمن صافح بيريس سفاح قانا أن يغسل يديه سبع مرات إحداها بالتراب، وأقول لمن صافح ويصافح الجزار شارون سفاح صبرا وشاتيلا: اغسل يديك سبعين مرة".

القرضاوي والثورة السورية

وكان للشيخ القرضاوي موقفا أيضا من الثورة السورية، ونشر الموقع الرسمي له عام 2013، دعوة ووجها للجهاد في سوريا، قال فيها: "كل قادر على الجهاد والقتال للتوجه إلى سوريا للوقوف إلى جانب الشعب السوري المظلوم الذي يقتل منذ سنتين على أيدي النظام، ويقتل حالياً على يد مليشيات حزب الشيطان" في إشارة غلى حزب الله اللبناني. وتسبب في إشعال أزمات دبلوماسية بين قطر والإمارات الساعية للمصالحة مع النظام السوري، بسبب تصريحاته.

كما كان للقرضاوي مواقفه من شتى ثورات الربيع العربي التي اندلعت في العديد من البلدان العربية، سواء في تونس أو الجزائر وليبيا، الأمر الذي جعله محل خلاف بين العديد من المؤيدين والمعارضين له في شتى الدول العربية بعد وفاته.

رصيف 22

 

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*