أحمد محمد:
كثر الحديث الإعلامي عن المقاتلين الأجانب الذين انضموا لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ولكن ماذا عن المقاتلين الأجانب والغربيين الذين تطوعوا لقتال «داعش» بانضمامهم إلى «وحدت حماية الشعب الكردية (YPG)«؟ ما هي أعدادهم ودوافعهم وتوجهاتهم؟ ولماذا تركوا حياتهم المدنية المرفهة وانضموا للقتال هناك؟ وما المصير الذي ينتظرهم إذا عادوا لبلادهم؟ كل هذه الأسئلة نحاول الإجابة عنها في التقرير التالي.
الوجهة.. وحدات حماية الشعب الكردية
تُعد« «الوحدات الكرديةهي الوجهة المفضلة للمقاتلين الأجانب والغربيين الذين قرروا مواجهة تنظيم «داعش» وجهًا لوجه في ساحات المواجهة مثل سوريا؛ إذ يميل الأغلبية العظمى من هؤلاء المقاتلين إلى «الوحدات الكردية»، تلك الوحدات المثيرة للجدل والربكة أحيانًا، في تعاطي الدول الغربية وحلفائها من الشرق معها.
فالولايات المتحدة الأمريكية التي تقود تحالفًا دوليًا ضد داعش، تعتبر الوحدات الكردية صديقها المفضل في الداخل السوري وتدعمها عسكريًا، ويمثل هذا الدعم الغربي والأمريكي، نقطة خلاف مع حليفة أمريكا تركيا؛ إذ لا تفرق أنقرة كثيرًا بين «داعش» و«الوحدات الكردية»، إذ تُعد الأخيرة امتدادًا لـ«حزب العمال الكردستاني»، الذي تحاربه أنقرة جنوبي تركيا بالقرب من الحدود السورية التركية.
وهذا الحزب مصنَّف إرهابيًا في كلٍ من تركيا وأمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، ولكن القوى الغربية لا ترى دليلًا كافيًا لربط «الوحدات الكردية» به، بالرغم من رفعها باستمرار لصورة عبد الله أوجلان مؤسس حزب «العمال الكردستاني» المحكوم عليه بالمؤبد في السجون التركية بتهمة «الخيانة».
الأعداد.. مقاتلون بالمئات
يصعب الوصول لعدد محدد للمقاتلين الأجانب والغربيين الذين تطوعوا في جماعات مسلحة لقتال داعش؛ إذ تتباين الأرقام في هذا الشأن مع تباين المصادر، ولكن يمكن الجزم بإجماع أكثر من مصدر بأن مئات المقاتلين الأجانب والغربيين قد حاربوا لفترة مع «الوحدات الكردية» ضد «داعش».
وبحسب مصادر مختلفة قدّر موقع «يورو نيوز» بأن ما بين 400 إلى 800 مقاتل أجنبي انضمو لـ«الوحدات الكردية»، معظمهم من الدول الغربية، وبالأخص من أمريكا والاتحاد الأوروبي، وكندا وأستراليا، فيما أفاد موقع «فرانس 24» بأن أعداد المقاتلين الغربيين المنضمين للوحدات الكردية يتراوح من 100 إلى 400، تتضمن جنسيات فرنسية وإيطالية، وبريطانية وأمريكية، وألمانية، ويونانية.
وهذه الظاهرة ليست حديثة؛ إذ بدأ الأجانب في الانضمام إلى «القوات الكردية» منذ نحو ست سنوات تقريبًا في 2013، ومنذ ذلك الحين انضم من 1500 إلى ألفين مقاتل أجنبي إليها، ونادرًا ما يستمر المقاتلون لفترة أطول من ستة أشهر، منهم من عاد إلى أوطانهم بلا رجعة، ومنهم من عاد للقتال مرة أُخرى، ومنهم من لا يزال يحارب هناك الآن، ومنهم من قُتل مثل: البريطاني إريك سكورفيلد، والفرنسي أوليفر لو كلانش، والإسباني صمويل برادا ليون والهولندي سويرد هيجر، وآخرهم الإيطالي لورنز أورسيتي الذي أعلن «داعش» مقتله يوم الاثنين الماضي الموافق 18 مارس (آذار) 2019.
لماذا تركوا أمان بلادهم وذهبوا إلى «جحيم» الحرب السورية؟
يأتي المقاتلون الأجانب والغربيون المنضمون إلى «الوحدات الكردية»، من خلفيات فكرية وسياسية متنوعة، ويمكن تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات أساسية، الأولى: تضم عسكريين سابقين، وغالبيتهم يتحدثون الإنجليزية، ولديهم أحيانًا أجندة سياسية يمينية متطرفة.
والفئة الثانية: مجموعة من المواطنين العاديين المغامرين الذين لا يمتلكون أي خلفيات سياسية أو عسكرية، ولديهم ملفات مهنية تبدو مفاجئة، تتضمن ممثلًا في هوليوود، ومصرفيًا بريطانيًا، وعارض أزياء كنديًّا.
أما الفئة الثالثة فهم النشطاء اليساريون، بما فيهم الشيوعيون والماركسيون والمضادون للفاشية، وأكثريتهم من ألمانيا واليونان وإيطاليا، ومنهم أورسيتي المقتول حديثًا. وقد يمثلون أكثرية المقاتلين الغربيين في «الوحدات الكردية»، نظرًا للخلفية اليسارية لها، وهو ما اتجه إليه أيضًا غيوم كورنو ترمبلاي، العالم السياسي الذي يعمل لحساب الحكومة الكندية، عندما قال: «أصبح العاملون في العلوم الإنسانية والجنود السابقون والمغامرون الذين يبحثون عن الأدرينالين؛ أكثر ندرة، ما أفسح المجال أمام الأيديولوجيين».
من محاربة «داعش» إلى «الثورة الكردية» والتشبه بإسرائيل
قد يبدو للمتابعين أن الدافع المعلن لدى الكثيرين هو محاربة «داعش» وجهًا لوجه في ساحة مباشرة للقتال، وبالأخص مع الدعاية العكسية للأخير، والتي تجلب تعاطفًا مع ضحاياه، وقد اتخذوا المقاتلين الأجانب من «الوحدات الكردية» تحديدًا وسيلة لذلك، كونها تضع نصب أولوياتها المعلنة محاربة «داعش»، وهي ليست محسوبة على النظام السوري، أو المعارضة السورية بشكل كامل، وكذلك تتلقى الدعم والغطاء الشرعي من الحكومات الغربية.
لكن محاربة «داعش» ليست الهدف الوحيد للوحدات، وبالأخص بعد القضاء تقريبًا على التنظيم في سوريا، وإنما تشمل أهدافهم «الثورة الكُردية» كونهم أقلية يبحثون عن حلم الدولة، مما يلقى تعاطفًا من بعض الأجانب لينضموا إليها، وبالأخص اليساريين منهم، وتُجنّد الوحدات متطوعيها من خلال رسائل دعائية على مواقع التواصل الاجتماعي وثقها تحقيق لصحيفة «نيويورك تايمز» كشف عن رسائل عبر تطبيق «واتس آب»، الذي يستخدمه الأكراد لحث «المتطوعين الدوليين والجماعات اليسارية للمشاركة فيما أسموه بـ«الثورة الكردية».
وهي دوافع تبرر استمرار وجود مقاتلين غربيين في «الوحدات الكردية»، بعد هزيمة داعش، ليستمروا مع أهداف الثورة الجديدة، التي انتقلت بالوحدات من مواجهة داعش إلى مواجهة دولة ذات سيادة وهي تركيا.
هنا عشرات الأجانب، وليس من المستغرب أن جميعنا سياسيون ثوريون.. نحن هنا في حرب، لكننا قبل كل شيء نشارك في ثورة، ثورة غير مكتملة ومفتوحة للنقد، ولكنها من أعظم الفرص التي حققها معسكرنا على الإطلاق.
هكذا يحكي سرهاد تيقون، وهو فرنسي يبلغ من العمر 22 عامًا، تطوع مع «الوحدات الكردية»، وشارك في جبهة قتال عفرين، الذي اعتبرها الجيهة الأصعب على الدولة التركية، التي سمّاها الأكراد «روج آفا» والأكثر سياسية أيضًا.
ويظهر من تجربة تيقون الدوافع الثورية له ولرفاقه من متطوعين ومحليين، ويعتبر تيقون نفسه «بلانكي»، وهي أيديولوجية مستوحاة من أوغست بلانكي المفكر الاشتراكي الفرنسي الذي عاش في القرن التاسع عشر، وآمن أن الثورة يمكنها أن تنجح بواسطة مجموعة صغيرة منظمة من الثوريين.
ومن بين المتطوعين أيضًا، كان الإسرائيلي، روبرت آموس، الحاصل على درجة الماجستير في السياسة والاجتماع من «الجامعة العبرية» في القدس، ويفتخر بتركه للدراسة، وتطوعه لستة أشهر مع «الوحدات الكُردية»، وأبدى تعاطفًا كبيرًا مع الأكراد مُشبهًا ما يعيشه الأكراد اليوم ببداية اليهود
.
صورة آموس يمينًا حاملًا السلاح في سوريا. المصدر:thetower.
وحكى آموس تجربته في مقال نشر فيه صورته بالزي العسكري الكُردي، وقال فيه: «تركت المدرسة للانضمام إلى الحرب ضد الطغيان. لقد تعلمت أكثر بكثير مما كنت أتوقع» لافتًا إلى أن: «هناك الكثير من العوامل المشتركة بين المقاتلين الأكراد اليوم والرواد الأوائل الذين بنوا دولة إسرائيل وحموها في سنواتها الأولى»، ودعى في ختام مقاله الحكومة الإسرائيلية بتقديم المزيد من الدعم لهذه الوحدات للتخلي عن تركيا المعادية لها.
أبطال أم «مصدر خطر».. ما مصير العائدين من صفوف «الوحدات الكردية»؟
ليس هناك الكثير من العواقب بالنسبة للأشخاص الذين أتيحت لهم بالفعل فرصة للعودة (إلى فرنسا)، لسبب بسيط للغاية؛ أنه سيكون من النفاق بعض الشيء أن تلاحق فرنسا الأشخاص الذين يقاتلون مع «وحدات حماية الشعب الكردية» على بعد بضعة كيلومترات من هنا والقوات الخاصة الفرنسية تفعل الشيء نفسه.
هكذا صرّح المتطوع الفرنسي لو كلانش في تصريحات صحافية لـ«التلفزيون الفرنسي» قالها من دير الزور، وأعرب عن عدم قلقه من اتهامات محتملة قد تلحق به إذا عاد إلى وطنه، لافتًا إلى نيته العودة إلى فرنسا في صيف 2018، وذلك قبل أن يُقتل في الحرب في فبراير (شباط) 2018.
وتحمل تصريحات لو كلانش بعض الوجاهة بالأخص مع الموقف الغربي المثير للجدل، بتقديم الدعم الرسمي لـ«الوحدات الكردية»، فليست القوات الفرنسية فقط هي التي ابتعدت كيلومترات قليلة عن لو كلانش وإنما أيضًا القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية التابعة للتحالف الدولي الذي تقوده أمريكا في سوريا.
وفي الواقع، لم تتخذ إجراءات قانونية ضد الفرنسيين العائدين من «الوحدات الكردية» إلى فرنسا، لكن بعضهم قال أنه أدرج في قائمة تحمل اسم «fiche S» وهي قائمة فرنسية غير معلنة تضم أفراد تعتبر فرنسا أنهم يمثلون «تهديدًا للأمن القومي».
وإجمالًا لم يتعرض العائدون الغربيون إلى ملاحقات قانونية في بلادهم، ولكن البعض واجه محاكمات في بلادهم، المثالين الأشهر لذلك البريطانيين: جيمس ماثيو، وأيدان جيمس الذين واجهوا محاكمات في بريطانيا، بعد عودتهم من «الوحدات الكردية» إلى بلادهم، إثر اتهامهم بـ«الحضور في أماكن في سوريا والعراق، قدم فيها تدريب وتعليم لأداء عمليات مربتطة بالإرهاب أو الإعداد لها».
أما عن النظرة الإعلامية الغربية للمقاتلين الأجانب المنضمين إلى هذه الوحدات، فتتباين بين عدم إدانتهم أو الاحتفاء بهم وبين التحذير منهم ومن مخاطرهم؛ فعلى سبيل المثال استضاف تلفزيون «لا ريبابليكا» مقاتلين إيطاليين متطوعين في «الوحدات الكردية» وتعامل معهم باعتبارهم مراسلين ينقلون الأحداث في سوريا وقالوا عنهم بلغة تحمل بعض الفخر بأن الضيوف قد شاركوا في «تحرير كوباني ويقودون كتيبة دولية لاستعادة الرقة»، ونشرت المقابلة على موقعهم الرسمي الذي يُعد عاشر موقع إيطالي، وفقًا لترتيب «أليكسا».
وفي المقابل تأتي تحذيرات من خطورة المقاتلين العائدين من صفوف «الوحدات الكردية» على بلادهم، باعتبار أنهم قد يشكلون خطرًا على الأمن الداخلي لبلادهم، وقد ينجذبون إلى «الأعمال المسلحة» في بلادهم، من منطلق أن «الوحدات الكردية» واجهة لحزب «العمال الكردستاني» المصنف إرهابيًّا في الدول الغربية. وبحسب الأصوات المحذرة فإن التدريبات العسكرية التي تلقاها المقاتلون تُصعّب من عودتهم ببساطة بين المدنيين مرة أخرى، وتنتقد تلك الأصوات الظهور الإعلامي للمقاتلين في بعض وسائل الإعلام الغربية «وكأنهم جماعات شرعية وليست منظمات إرهابية».
ساسة بوست