87 % من المعدومين من الشرق الأوسط.. هل يؤدي الإعدام إلى تقليل معدلات الجريمة؟ - مقالات
أحدث المقالات

87 % من المعدومين من الشرق الأوسط.. هل يؤدي الإعدام إلى تقليل معدلات الجريمة؟

87 %  من المعدومين من الشرق الأوسط.. هل يؤدي الإعدام إلى تقليل معدلات الجريمة؟

إبراهيم أبو جازية

عقوبة الإعدام أو عقوبة الموت هي عبارة عن قتل شخص بإجراء قضائي من أجل العقاب أو الردع العام والمنع. وتُعرف الجرائم التي تؤدي إلى هذه العقوبة بجرائم الإعدام أو جنايات الإعدام. وقد طبقت عقوبة الإعدام في كل المجتمعات تقريبًا. وتعتبر عقوبة الإعدام أقسى العقوبات التي قد يُحكم بها على أي شخص؛ وذلك نظرًا لأنها تسلب حياته، وهو شيء لا يمكن استرجاعه مرة أخرى، على عكس عقوبات أخرى؛ كالخصم المالي، أو السجن والحبس، فإنها عقوبات مؤقتة، يمكن أن تُعوَّض في وقتٍ لاحق، أو بعد انتهاء مدة العقوبة.

وتتعدد طرق تطبيق عقوبة الإعدام، سواء قطع الرأس بحد السيف (السعودية)، أو الشنق (أفغانستان وبنغلاديش وبوتسوانا ومصر وإيران والعراق واليابان وماليزيا ونيجيريا وباكستان وفلسطين وسنغافورة وجنوب السودان والسودان)، أو الحقنة المميتة (الصين والولايات المتحدة وفيتنام)، أو رميًا بالرصاص (بيلاروسيا والصين وإندونيسيا وكوريا الشمالية  وفلسطين والسعودية والصومال وتايوان).

الجدير بالذكر أن عقوبة الإعدام في الوقت الحالي تعتبر من أكثر العقوبات جدلًا في العالم؛ حيث يتجادل مفكرو ومنظِّرو حقوق الإنسان عليها بين مؤيد ومعارض؛ فمنهم من يرى أنها الحل الأفضل، ومنهم من يرى أنه يجب إلغاؤها؛ لأنها لا تحقق العدالة. عمليًا.. هل إلغاؤها هو الأفضل أم بقاؤها؟

اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام

حلَّ علينا يوم الثلاثاء الماضي، الذي وافق 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، وذلك للعام 17؛ حيث تُخلِّد الدوائر الحقوقية وحكومات عدد من الدول في مختلف أرجاء العالم، هذا اليوم لمناهضة عقوبة الإعدام، وسط دعوات دولية متزايدة لتعليق العمل بهذه العقوبة في ظل تزايد عدد الأشخاص الذين نفذت في حقهم عقوبة الإعدام، وأيضًا في ظل ثبوت خطأ بعض الأحكام التي ثبتت براءة أصحابها في وقتٍ لاحق بعد أن تم تنفيذ عقوبة الإعدام عليهم.

وفي السنوات الماضية، وبالرغم من إلغاء أكثر من ثلثي دول العالم لعقوبة الإعدام وتعليقها العمل بها، إلا أن عدد عقوبات الإعدام تم تطبيقها خلال الأعوام القليلة الماضية تفوق بكثير الأعداد التي كانت موجودة منذ 30 عامًا مضت تقريبًا. ففي عام 2015 على سبيل المثال؛ وبحسب المنظمات الحقوقية العالمية، زادت أعداد الإعدامات بأكثر من النصف، بالمقارنة مع العام السابق له، عام 2014؛ حيث تم تسجيل ما لا يقل عن 1998 حالة نفذت فيها عقوبة الإعدام، وهو أعلى عدد منذ سنة 1989.

وبالرغم من تزايد عمليات الإعدام خلال هذه السنوات، فثمة توجه دولي نحو إلغاء هذه العقوبة، ولكن ما زال هناك عدد من الدول، وخاصةً من الدول العربية، ترى أن هذه العقوبة هي الأفضل لتحقيق العدالة حول العالم. من جانبه، أكد الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، في رسالته بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام في العام الماضي، أن تطبيق الحكم بالموت لا سبيل إلى عكسه، مشيرًا إلى أن عقوبة الإعدام لا تطبق على نحو منصف، ويتم استخدامها بشكل غير متناسب ضد الأقليات.

يأتي ذلك خاصةً في الوقت الذي تستخدم فيه العديد من الدول اتهامات مثل «الإرهاب» في العديد من القضايا بمختلف أشكالها، مبررين بذلك تنفيذ عقوبة الإعدام في حق أولئك المتهمين بقضايا تتعلق بالإرهاب، في الوقت الذي يتم تطبيق عقوبة الإعدام عليهم في أسرع وقت؛ وذلك نظرًا لأن جرائم الإرهاب تتسبب في غضب مجتمعي وشعبي؛ مما يجعل من تنفيذ الإعدام في حق المتهمين أسرع من أجل تهدئة الرأي العام، وهو ما قد يُعرِّض الكثيرين للظلم في حالة عدم التحقيق بطريقة سليمة ودقيقة للتأكد من كونهم مرتكبي تلك الجرائم.

تطبيق عقوبة الإعدام بين مؤيد ومعارض

هكذا أكد النائب البرلماني المصري، محمد الكومي، عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، في تعليقه على اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، مؤكدًا أن المراد من هذه العقوبة هو الحفاظ على المجتمع وأرواح المواطنين ومنع انتشار الجرائم، وعدم تحول المجتمع لغابة يفترس فيها القوى الضعيف.

كما أكد النائب في تصريحاته في جريدة اليوم السابع المصرية أن إلغاء العقوبة يعتبر خطأ كبير «لأنه يمكن لشخص أن يرتكب جرائم بشعة، ويعلم أنه أقصى عقوبة له ستكون السجن فقط دون إعدامه. وكما قال الله في القرآن الكريم، ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون».

كما أشار في نهاية تصريحاته أنه يؤيد الحفاظ على عقوبة الإعدام لحماية المجتمع من الجرائم، باعتبارها عقوبة رادعة لمنع انتشار الجرائم الخطيرة، والحفاظ على العدل في المجتمع.

على الوجه الآخر؛ يرى المطالبون بوقف وتعليق تنفيذ عقوبة الإعدام أن مفهوم «الحق في الحياة» يعتبر من أقدس المبادئ التي تفرعت عنها سائر الحقوق ضمن منظومة حقوق الإنسان، وهو حتى أسمى من «الحق في الحرية»؛ ولذلك فإنهم يرون أنه من الأفضل أثناء الحكم في القضايا المختلفة أن تُسلب حرية المتهم على أن يُقتل؛ لأن الحق في الحياة هو أسمى الحقوق الذي لا يمكن سلبه من الإنسان.

لقد استأثر «الحق في الحياة» بعناية خاصة من قبل المواثيق الدولية والقوانين الوطنية، واحتل اهتمامًا كبيرًا في جداول أعمالها؛ إذ منذ انتهاء الحربين العالميتين والشروع في تصفية الاستعمار، قام المجتمع الدولي بخطوات لإرساء وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، وتكللت هذه الجهود بإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، والذي نص في أولى مواده على حماية هذا الحق؛ حيث جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة الثالثة منه:

عقوبة الإعدام في العالم والعالم العربي

احتفلت الأمم المتحدة باليوم العالمي السابع عشر لمناهضة عقوبة الإعدام؛ حيث أكد الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيسريس، في مقر الأمم املتحدة بنيويورك، أنه لا مكان لعقوبة الإعدام في القرن الحادي والعشرين، مرحبًا بالإجراءات التي اتخذتها حوالي 170 دولة من دول العالم المعترف بها من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، بإلغاء عقوبة الإعدام ووقف استخدامها، كان آخرها جامبيا ومدغشقر.

وأكد جوتيريس أنه سعيد بأن إحصاءات العام الماضي أشارت إلى انخفاض عمليات الإعدام بنسبة 37% بالمقارنة بالعام قبل الماضي، مشيرًا إلى أن هناك 87% من مجموع حالات الإعدام مسجلة لدى أربع دول فقط: هي العراق، وإيران، وباكستان، والمملكة العربية السعودية.

من جانبها، أصدرت «منظمة العفو الدولية» تقريرها السنوي حول ممارسات عقوبة الإعدام حول العالم لعام 2016، والتي أكدت فيه رصد إعدام ما لا يقل عن 1032 شخصًا حول العالم، أي أقل بحوالي 602 حالة عما كان عليه العدد خلال عام 2015، وهو العام الذي شهد أكبر عدد لحالات الإعدام منذ عام 1989. مع ملاحظة أن هذه الأعداد لا تشمل أحكام الإعدامات في الصين، التي يُقدَّر عددها بالآلاف وحدها، ولكن تظل الدولة الصينية تعتبر أن أي معلومات تتعلق بأحكام الإعدامات لديها هي أسرار للدولة.

وتكلفت إيران وحدها حوالي 55% من أحكام الإعدام المسجلة عام 2016، حيث وصل عدد الذين تم الحكم عليهم بالإعدام هناك إلى 567 حالة، بينما تتكلف المملكة العربية السعودية، والعراق، وباكستان 22% آخرين من إجمالي العمليات المسجلة.

وخلال التقرير الأخير الصادر بحق رصد ممارسات الإعدام في العالم، فإن هناك 23 دولة من دول العالم نفذت عقوبة الإعدام خلال العام المنصرم، 2016، من ضمنهم فلسطين، وبيلاروسيا، الدولتان اللتان أوقفتا أحكام الإعدام لعام كامل، قبل أن يستأنفاه مرة أخرى خلال عام 2016، بينما نفذ كل من بوتسوانا ونيجيريا أحكام إعدام للمرة الأولى منذ عام 2013، أي بعد توقف دام ثلاث سنوات كاملة، بالإضافة إلى وجود 20 حالة إعدام في الولايات المتحدة الأمريكية خلال عام 2016.

ومن الناحية العربية، لم توجد أية حالات للإعدام في كل من الأردن، والإمارات العربية المتحدة، وعُمان خلال عام 2016. بينما طبقت الدول العربية الأخرى عدد كبير من الإعدامات؛ فعلى سبيل المثال، وصل عدد المُنفَّذ عليهم حكم الإعدام في مصر خلال عام 2016 إلى أكثر من 44 حالة، وفي العراق إلى أكثر من 88 حالة، وفي فلسطين وصل العدد إلى ثلاث حالات تم إعدامهم، بينما تصدرت المملكة العربية السعودية عدد المنفذ بحقهم عقوبة الإعدام في عام 2016 بأكثر من 154 حالة إعدام.

أحكام الإعدام أيضًا طالت دول عربية مثل الصومال، التي شهدت إعدام 14 شخصًا خلال عام 2016، والسودان التي شهدت حالتين على الأقل. الجدير بالذكر أنه بالرغم من صدور أحكام بالإعدام في حق المئات في الدول العربية المختلفة، إلا أنه لم يتم تنفيذ إلا القليل منها فقط؛ فقد تم الحكم بإعدام 843 شخص في مختلف الدول العربية كالمغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، والكويت، والسودان، ولبنان، وليبيا، وسوريا، والصومال، وفلسطين، والعراق، وغيرهم، إلا أنه لم يتم تنفيذ إلا 305 حكم منهم فقط خلال عام 2016.

هل الدول التي تطبق عقوبة الإعدام هي الأكثر أمانًا؟

التصريح الذي صرَّح به النائب البرلماني المصري، محمد الكومي، عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، بأن «الدول التي ألغت عقوبة الإعدام تعانى بشكل كبير من انتشار الجرائم في مجتمعاتها» لبحث هذه الفرضية، هل فعلًا الدول التي قامت بإلغاء تطبيق عقوبة الإعدام تتنشر فيها الجريمة، وهل الدول التي لم تلغيها اختفت منها الجريمة؟

الدول التي قامت بإلغاء عقوبة الإعدام هي الأكثر عددًا، حيث وصل عددها إلى أكثر من 170 دولة، بينما الدول التي ما زالت تطبق عقوبة الإعدام هي 23 دولة فقط من دول العالم الأعضاء في الأمم المتحدة، والبالغ عددهم 193 دولة، معظمهم من الدول العربية، وبالتالي فالأكثر واقعية أن يتم اختيار فرضية النائب المصري على الدول العربية، لبحث وضعها في بعض المؤشرات العالمية، كمؤشر الفساد العالمي، ومؤشر الجريمة العالمي، ومؤشر الأمان العالمي، ومؤشر العبودية العالمي، ومؤشر حرية الصحافة.

المثال الأول هو المملكة العربية السعودية، التي تتصدر الدول العربية في عدد أحكام الإعدام التي تم تنفيذها خلال العام الماضي، والتي بلغ عددها 154 حالة. واحتلت المملكة المركز 61 عالميًا في مؤشر العبودية العالمي؛ حيث بلغ عدد المستعبدين فيها إلى أكثر من 92 ألف شخص، بالإضافة إلى وجودها في المركز 110 عالميًا من ضمن 117 دولة في مؤشر الجريمة العالمي. وبمتابعة الوضع الحقوقي للملكة أيضًا، فإنها تحتل المركز 168 عالميًا في مؤشر حرية الصحافة لعام 2017، وذلك من أصل 180 دولة فقط، أي أنها أحد الدول العشرين الأسوأ فيما يخص حرية الصحافة والتعبير.

أمَّا الدولة الثانية في بحث فرضية إن كانت الدول التي ما زالت تنقذ أحكام الإعدام هي الأكثر تقدمًا في الملف الحقوقي، والأقل في معدل الجرائم هي العراق، وهي الدول العربية الثانية التي نفذت أحكام للإعدام خلال العام المنصرم برصيد 88 حالة إعدام؛ حيث تقع العراق في المركز 37 عالميًا كأكثر التي تنتشر فيها الجرائم المختلفة، بالإضافة إلى وجودها في المركز 71 عالميًا في مؤشر الأمان العالمي لعام 2017.

وتعتبر العراق الدولة العربية الثالثة في منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك مئات الآلاف من المستعبدين من البشر؛ حيث تحتل المركز 18 عالميًا في مؤشر العبودية العالمي، برصيد 404 ألف مستعبد في العراق خلال عام 2016، بالإضافة إلى وجودها في المركز 158 عالميًا في مؤشر حرية الصحافة لعام 2017، والمركز 166 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد العالمي.

المثال الثالث من أجل اختبار الفرضية هو مصر، والتي تم تنفيذ أحكام الإعدام بحق 44 شخص خلال عام 2016، لتصبح بذلك في المركز الثالث كأكثر الدول العربية تنفيذًا لحكم الإعدام بعد المملكة العربية السعودية، والعراق.

وتقع مصر في المركز 47 عالميًا في مؤشر الأمان العالمي، بالإضافة إلى وجودها في المركز الثالث في منطقة الشرق الأوسط، والـ28 عالميًا كأكثر دول العالم في انتشار معدل الجريمة، كما تقع في المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط، والـ11 عالميًا في مؤشر الاستعباد العالمي، وذلك بوجود حوالي 573 ألف مستعبد في مصر. وبالنسبة لحرية الصحافة فإنها لم تختلف كثيرًا؛ حيث وقعت مصر في المركز 161 عالميًا في المؤشر، بالإضافة إلى وجودها في المركز 108 عالميًا في مؤشر مدركات الفساد العالمي.

ساسة بوست

 

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث