شموس نجد:
هل الإسلام شرط ضروري للأخلاق؟ وهل كلما زاد تدين المرء زاد معه طرداً التزامه وحسه الأخلاقي تجاه الآخرين؟ هناك خلط، إما عن جهل أو عن عمد، لإلحاق القيم الأخلاقية بالإسلام، وهو ما يندرج تحت إطار وضع كل الخيوط في يد الإسلام بتحويله إلى قاعدة مركزية وحيدة تطهى في داخلها كل القرارات التي تمس حياة الفرد والمجتمع حتى فيما يتصل بوضع قدمه اليمنى عند دخول المسجد ورجله اليسرى عند خروجه منه. كثيرون، وأكثرهم من المحسوبين على طبقة المتعلمين، ممن يؤمنون إيماناً راسخاً غير قابل للمناقشة أن الإسلام أصل الأخلاق، وأنه لولا الإسلام لانهارت الأخلاقيات ولدبت الفوضى في المجتمعات. وعندما تسألهم كيف يحدث هذا، سيجيبونك بالتالي: لولا الإسلام لسيطرت الإباحية والتفسخ الخلقي (= انتشار الجنس). هكذا إذناً... الأخلاق بما تنطوي عليه من سلوكيات متحضرة وفضائل حميدة اختزلت ببساطة إلى تجفيف ينابيع العلاقات المشبوهة وغير الشرعية بين الرجل والمرأة. إنهم لا يتكلمون عن احترام المواعيد، ولا الالتزام بقيم العمل، ولا عن التدخل في شؤون الغير، ولا الوفاء بالعهود مع الآخرين، ولا تحري الصدق والأمانة، ولا عن أي شيء آخر سوى الجنس. إجابة تشف في جزء منها عن المكبوت في داخل المدافعين عن الإسلام وهي الجوع للجنس والتلظي بناره والتقلب على جمره. والمصيبة أنهم رغم هذا أكثر من يتحدث بتهتك عن النساء، وأكثر من يتحرش بهن، وأكثر من يسافر بحثاً عن أحضانهن الدافئة.
حتى زمن ليس بالبعيد كنت ممن يرى أن الإسلام صنوان الأخلاق، وأن الدين وعاء الفضيلة. كنت أصاب بحيرة شديدة عندما يتصرف أحد المتدينين أو الملتحين بطريقة غير لائقة كأن يضع تكشيرة على وجهه، فأتساءل: ألم يسمع بقول النبي محمد " الابتسامة في وجه أخيك المؤمن صدقة "؟ وعندما يبصق على الأرض، أتساءل: ألم يسمع بأن إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان؟ قد يقول قائل: مالك تحكم على الإسلام من خلال تصرفات أتباعه؟ الإسلام الحقيقي يتجلى في آيات القرآن وأحاديث النبي وليس في سلوكيات البشر الخاطئة. هنا أتوقف لحظة لأسأل: لماذا نلقي وزر فشل الإسلام على التطبيق وننزه النظرية من أي زلل وخطأ بينما نسارع باتهام الفلسفات والأفكار المغايرة للإسلام كالماركسية والعلمانية بالفشل رغم أنه لم تتح لها فرصة مديدة كالإسلام عمرها أكثر من أربعة عشر قرن؟ لا أعرف حقيقة كم سيحتاج الإسلام للبرهنة على علو كعب نظريته وتفوقها على ما جاء به البشر مجتمعين! وللتأكيد على البعد الأخلاقي في الدين يتشدق المسلمون بالحديث النبوي " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ". يذكرني هذا الحديث بعبارة المسيح الشهيرة " ما جئت لأنقض الناموس بل لأتمه ". لست متأكداً متى تحديداً قال النبي هذه العبارة، وإن كنت أرجح أنه قالها عندما كان في مكة، إذ لم يكن من الحكمة الإفصاح عن طموحاته السياسية آنذاك. ولو كان حقاً أن النبي لم يهدف من دعوته سوى بث القيم الأخلاقية واستكمال ما تهدم منها لما صرف جزء لا يستهان به من فترة وجوده في يثرب في إرسال السرايا والتشابك مع قبائل الجزيرة العربية في حروب وغزوات ساهمت بقوة في إزدهار الأوضاع الاقتصادية لدولة المدينة، ولما أمر بالتخلص من خصومه غيلة وبطريقة تنم عن وحشية، ولما أبقى على ذمته تسع نساء فضلاً عن الإماء للتسري والاستمتاع، ولما تزوج بالحميراء عائشة بنت أبي بكر وهي في السادسة أو السابعة من العمر.
لنأخذ مثالاً بسيطاً، الكذب صفة ذميمة لا تقرها الأعراف والقوانين والأخلاق والأديان، ولكن المسلمين، وبشهادة الكثير منهم، هم الأكثر كذباً، وبالذات فيما بينهم. ومن خلال تجربة قضيتها في الولايات المتحدة الأمريكية، كان العرب والمسلمون الأجراء دون باقي الشعوب على الكذب والاحتيال. أعرف بعض الأشخاص كانوا يتفاخرون بالضحك على أصحاب المحلات التجارية من خلال شراء كميات من السلع مقابل إصدار شيكات بلا رصيد وذلك قبيل سفرهم بأيام معدودة. وعندما تسأله ماذا ستفعل لو عدت مرة أخرى للبلاد، فالحل عنده بسيط ولا يستغرق سوى تغيير حرف من اسمه المسجل في جواز السفر. قلت مرة لأحدهم أن ما فعلته عيب. قال لي: وماذا في ذلك... إنهم كفار ويستحقون ذلك!!!
ولعلي لا أبالغ أو أتجنى على الحقيقة لو قلت أن الإسلام كدين قد بني على جملة من الأكاذيب مازال المسلمون يصدقونها ويعدونها من الأسس المحرم الاقتراب منها. فالنبي محمد قد " أضطر " إلى الكذب لإقناع الناس بالدين الجديد واستمالتهم باستخدام سياسة العصا والجزرة. فمن أمثلة ذلك، ما كان يحذر ويخوف الناس به من اقتراب الساعة، وأنهم يجب أن أرادوا النجاة أن يعتنقوا الإسلام، وإلا حل بهم ما وقع لعاد وثمود الذين عصوا واستكبروا. إن الآيات والأحاديث تشير بوضوح إلى أن النبي كان يرى القيامة وشيكة الحدوث ولن يستغرق وقوعها سوى بضع عقود من الزمن. وفي الأحاديث كان النبي إذا وفد عليه قوم وسألوه عن موعد القيامة، قلب بصره في وجوه الحاضرين بحثاً عن أصغرهم سناً، ثم ينبئهم بأن القيامة ستحل متى بلغ أصغرهم سناً الشيخوخة. ولا ننسى الرحلة العجيبة ( = الإسراء والمعراج)، التي لم يصدقها سوى أبو بكر الصديق، على ظهر البراق إلى بيت المقدس وصعوده إلى السماء ولقاءه ببعض الأنبياء. أما ظاهرة تلقيه للوحي من السماء فتبدو صعبة البلع لأسباب جمة منها تناقضات النص ذاته، وامتلاءه بالأخطاء اللغوية والتاريخية والعلمية، فضلاً عن تعدد وتباين النسخ القرآنية التي تعهد الله بحفظه!! (لمزيد من التفاصيل، أقرأ كتاب الشخصية المحمدية: حل اللغز المقدس لمعروف الرصافي).
كما مارس خليفة المسلمين وأمير المؤمنين وظل الله على الأرض الكذب وبالتخصص. إن شاشة التاريخ الإسلامي تمتلئ صفحتها بحكايات مخزية حدثت مراراً وتكراراً عن انقلاب الخليفة قبل وفاته على أخيه (ولي العهد) لإثنائه بالسلم أو بالعنف على التنازل عن ولاية العهد لأبن الخليفة المدلل وفلذة كبده المقرب، لاغياً بذلك الوعود الغليظة والمواثيق المكتوبة والمعلنة التي سبق للخليفة أن قطعها على نفسه.
أما في الوقت الحاضر، فقد ورثت الجماعات الدينية امتياز الكذب وبجدارة. ألا ترى أن الجماعات التي تطلق على نفسها " بالمعتدلة " عندما تعييها القوة من القفز على كرسي السلطة تتظاهر بقبول التداول السلمي للسلطة، وبتعدد الأحزاب، وباحترام الحريات الدينية والتنوع الثقافي، وبالتعايش مع العالم الآخر، وبمراجعة أدبياتها....الخ لامتصاص مخاوف الغير والمشككين، ولضمان وضع قدم في الحياة السياسية، حتى ما إذا انقلبت على السلطة، لحست وعود الأمس، فالفرصة التي تأتي الآن قد لا تأتي فيما بعد. أما الجماعات الراديكالية، فهي فضلاً أنها تعيش في سياق أكاذيب تاريخية فهي لا تكف عن الكذب على " الشباب الطيبين " بالزج بهم في أتون معارك خاسرة سلفاً باسم محاربة " الطاغوت " وتحطيم " الجاهلية المعاصرة " بينما الهدف من هذا كله السلطة وما أدراك ما السلطة.
إن احتراف الكذب ضرورة يمليها مبدأ " التقية " الإسلامي، مادام الهدف هو إعلاء كلمة الله وإقامة دولة الإسلام. فهذا الشيخ الدكتور القرضاوي في أحد المؤتمرات ينادي بقتل المدنيين من الكفار في العراق لأنهم يخدمون قوات الاحتلال، ولما فاحت رائحة هذا الخطاب التكفيري والتدميري بسرعة، تبرأ وتملص مما قال وأنكره بشدة. والقرضاوي أبو الوسطية الدينية لا يكف في برنامجه على قناة الجزيرة من التحريض على قتل الكفار والعلمانيين وحتى الأجنة في بطون اليهوديات لم يسلموا بدورهم من فتاويه الإجرامية، لكنه عندما زار لندن في العام الماضي أخفى وجهه الحقيقي ممتدحاً البريطانيين الذين لم يعودوا كفاراً بل صاروا أهل الكتاب والأقرب مودة للمسلمين.
وفي بلاد الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية، يقوم التيار الديني بضخ الأكاذيب المتناقلة شفهياً، مستغلاً سهولة وسرعة انتشار الشائعات وتغلغلها داخل المجتمع، بهدف تثبيت مواقعه وتمرير أفكاره. ومن أمثلة ذلك، ما راج بشدة بين الناس قبل أعوام بشأن فتاة مركز الفيصيلية التجاري بالرياض التي كانت تتمشى في أتم زينتها. تكمل الرواية أو الكذبة أن أحد المتدينين اقترب من الفتاة بكل لطف وأدب (هذه كذبة ثانية) ناصحاً الفتاة قائلاً: ماذا لو جاءك ملك الموت وأنتي على هذه الحال؟ (نفس الأسلوب التخويفي الذي أتبعه الرسول مع قريش). ردت الفتاة الكاسية العارية بكل وقاحة وصلف قائلة: خذ الجوال (= جهاز النقال) واتصل به، تقصد ملك الموت!! أصيب الرجل المتدين بذهول شديد لجرأتها على الله وملائكته، فأنطلق يسابق الريح خوفاً أن ينهار المركز الهائل فوق رأسه من غضب الله. وبينما هو في طريقه لبوابة الخروج، سمع جلبة وصرخات نساء، فعاد ليستطلع الأمر، فوجد الفتاة مسجاة على الأرض جثة هامدة. وحتى تعم الفائدة، وقف صاحبنا المتدين كنبي يقص على الحاضرين المتحلقين حول جثة الفتاة ما حصل من حوار بينهما، ثم وجه كلامه واعظاً وناصحاً كل فتاة بأن تتقي الله في نفسها وألا تخرج للأسواق دون الالتزام بالحجاب الشرعي، وإلا حدث لها ما أصاب هذه الفتاة والعياذ بالله. والحاضر يعلم الغائب.
الحوار المتمدن