نادين نمري:
الجهاد فرض كفاية عين. يضمن الله المجاهدين في الجنة. لا يتخلف أحد عن الجهاد إلاّ بعذر حقيقي. المؤمن القوي هو الأكثر إقداماً في الجهاد. أفضل الأعمال بر الوالدين ثم الجهاد. لا يجوز أن يكتفي المسلم بهداية نفسه، بل واجبه أن يأمر وينهي الآخرين...
تُشكّل هذه العبارات جزءاً من مجموعة المفاهيم التي يتلقاها الطلبة الأردنيون بشكل مكثّف في كتب التربية الإسلامية ما بين صفوف الرابع والعاشر.
وفي المدة الأخيرة، ارتفعت أصوات عدد من الخبراء التربويين، محذرةً مما تتضمّنه المناهج الأردنية، لجهة "تشجيع الفكر المتشدد، وقتل التفكير النقدي، وتكريس الصورة النمطية للمرأة". ورأى الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات، أن "خطورة العبارات المذكورة، هي إمكانية أن ينقل المعلّمون هذه النصوص بتفسيرات متطرفة أو متحيزة أو جاهلة".
ويقول: "لا ينحصر الفكر المتطرف في المناهج على هذه العبارات الصريحة فحسب. في الواقع، تغيّب مناهجنا الفكر الناقد والإبداعي، بالإضافة إلى غياب الجمال والحق والخير والتأمل والعاطفة والحب والشعر والموسيقى والغناء".
في دراسة له حملت عنوان "الداعشية في المناهج والكتب المدرسية"، يشير عبيدات إلى عدد من الثغرات التي تنعكس بوضوح في رفض العلوم الحديثة، وربطها بالفساد، والتقليل من قيمة الفكر الحر والفلسفة. وتتجاوز هذه الأفكار مقررات التربية الإسلامية، لتصل إلى كتب اللغة العربية والتربية الوطنية والثقافة العامة.
فقد ورد في كتاب الثقافة العامة لمرحلة الثانوية العامة أنه "استمر ضعف الفلاسفة في عدم إمكان الحصول على معرفة روحية إلى يومنا هذا". كما يلقّن الكتاب نفسه الطلبة، أن "العلوم الحديثة أشغلت الناس بالاضطرابات ودمّرت الحضارات، ونشرت العلمانية والمادية، وشكلت مدناً ضخمة، وأبعدت البشر عن العبادة والدين والعائلة والطبيعة والشرف والحب والصداقة، كما أنها زادت نسب الطلاق والمخدرات ودمّرت البيئة".
أما في كتب اللغة العربية، فتظهر 90% من النساء وهنّ محجبات حتى داخل منازلهن، بينما تركز تمرينات اللغة على الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، ويغيب الشعر الإنساني كقصائد عرار وعمر بن الفارض، أو ابن عربي أو أبي العلاء المعري وغيرهم. وفي هذا السياق، يقول عبيدات إن "الدين عنصر أساسي في المناهج ومكوّن لهويتنا. لكنّ المشكلة تكمن في الاختيار، المطلوب أن تركّز المناهج على قيم الاعتدال والتنوع وقبول الآخر".
وفيما تركّز دراسة عبيدات على مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية والثقافة العامة، يرى الكاتب والباحث حسني عايش أنه "نتيجة لسيطرة الإسلاميين على وزارة التربية والتعليم لعقود، كانت النتيجة أسلمة المناهج الأردنية، حتى أن الأسلمة امتدت إلى المواد العلمية كالفيزياء والأحياء والكيمياء، إذ تبدأ كل وحدة دراسية لهذه المواد بآية قرآنية، أو حديث نبوي يربط بين العلم والدين".
في هذا السياق، تتفق دلال سلامة، التي أمضت نحو 13 عاماً في تدريس اللغة العربية في المدارس الحكومية، مع ما ذهب إليه عايش. وتقول في ورقة بحثية عن المناهج الجديدة للصفوف الثلاث الأولى، إنّ "الكتب الجديدة تقول صراحة لأطفال في السادسة والسابعة، إن الكتب المقدسة لأتباع الأديان السماوية الأخرى «محرّفة»، وأن التعايش السلمي قيمة مطلوبة بين المسلمين حصراً".
وتشير سلامة إلى ما ورد في كتاب التربية الإسلامية للصف الثالث، أن "المسلم يحب المسلمين جميعاً، ويحافظ على أرواحهم وأموالهم، ويحرص على عدم إيذائهم بقول أو فعل(...)". كما يتعلّم الأطفال في الكتاب نفسه أنه "من بين الكتب السماوية الثلاثة، القرآن والإنجيل والتوراة، فإن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي حفظه الله تعالى من التغيير والتحريف".
تعتبر سلامة أنّ "أخطر الأفكار، هي فرز العالم على أساس ديني، وتعليم التلاميذ أن جماعة ما تمتلك الحقيقة المطلقة، وتحكم على عقائد الآخرين بالضلال". وتقول: "لا يعني تدمير التفكير النقدي لدى الناشئة وإعاقة نموهم الفكري من خلال سجنهم في دوائر مغلقة لحقائق مسبقة ومكتملة فحسب، بل أيضاً نفي الآخر المختلف دينياً، وتعزيز نظرة عدائية وصدامية معه، أو في أحسن الأحوال الانغلاق عنه. إذاً لا تخرّج المناهج أجيالاً تنظر إلى نفسها كجزء من العالم بل في مواجهة هذا العالم وفي صدام معه. وهذا هو جوهر التطرف".
في مواجهة الآراء التي تنتقد المناهج الوطنية، بدت وزارة التربية والتعليم متخبطة في الرد. إذ أقرّ وزير التربية والتعليم الدكتور محمد ذنيبات، في مؤتمر حول دور الأسرة في مواجهة الإرهاب، عُقد في يونيو الماضي، أن "المناهج تحوي بعض الثغرات، التي لا تتفق وسياسة الوزارة في نهج الاعتدال والوسطية". ولكن، بعد أقل من شهر على تلك التصريحات، أصدرت إدارة المناهج والكتب المدرسية التابعة للوزارة رداً ترفض فيه كل الاتهامات بأن الكتب المدرسية تحتوي على بنود تؤيد التشدد وتتنافى مع الاعتدال والوسطية.
ولكن هل المناهج الأردنية تبقى الأسوأ أو الأكثر تشدداً مقارنة بالمناهج الأخرى في الدول العربية؟ يرفض عبيدات هذه المقارنة ويقول "بشكل عام، تبدو المناهج الرسمية اللبنانية الأكثر اعتدالاً وبعداً عن الطائفية. ولكن، حقيقة الأمر لا يمكن السيطرة على ما يتمّ تدريسه في المدارس التابعة للطوائف". ويتابع: "أما مقارنة المناهج الأردنية بغيرها في دول الخليج، فهذا أمر مرفوض من حيث المبدأ، فالأردن مجتمع أكثر انفتاحاً وتنوعاً، وبالتالي المقارنة هنا لا تصح". ويختم أنه "في كل الأحوال، بعد التطورات الأخيرة وصعود التيارات التكفيرية والجهادية، هناك المزيد من الأصوات في الدول العربية التي تطالب بالإصلاح".
رصيف 22