معركة "الديك والفرخة" تندلع بين أنصار التيار السلفي في مصر - مقالات
أحدث المقالات

معركة "الديك والفرخة" تندلع بين أنصار التيار السلفي في مصر

معركة

عبد الله مفتاح

"يُحكي أن ديكاً كان يؤذّن عند فجر كل يوم، وذات يوم قال له صاحبه أيها الديك لا تؤذن وإلا سأنتف ريشك! فخاف الديك وقال في نفسه: الضرورات تبيح المحظورات.. ومن (السياسة الشرعية) أن أتنازل وأن أنحني قليلاً للعاصفة حتى تمر ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح فهناك ديوك كثيرة غيري تؤذّن. ومرت الأيام والديك على ذلك الحال صامت خامل لا يؤذن وبعد أسبوع جاء صاحب الديك وقال: أيها الديك إن لم تكاكي كالدجاجات ذبحتك!".

كانت هذه مقدمة مقال بعنوان "حكاية قبل النوم" للشيخ محمد حسين يعقوب، أحد أقطاب التيار السلفي في مصر، هاجم فيه "الدعوة السلفية"، الذراع الديني لحزب النور، وانتقد فيه قاعدة "فقه الواقع" وقاعدة "درء المفاسد" في الشريعة الإسلامية، مسقطاً نقده على الواقع السياسي المصري.

و"فقه الواقع" أو ما يُسمّى بـ"فقه النوازل أو فقه الأحداث" هو فقه أوجده الإمام ابن القيم ومبني على دراسة الواقع، ويتوجب على صاحبه التعايش مع الأحداث ومسايرة أموره معها. أما قاعدة "درء المفاسد" فتعني أن درء المفسدة أعظم من جلب المصلحة.

وتابع يعقوب في مقالته المبطنة الهجوم على أذرع أنصار الدعوة السلفية (حزب النور) وكتب: "ديكنا الذي كان يوقظنا للصلاة أصبح وكأنه دجاجة! وما زالت توسوس في نفسه وشيطانه أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وبعد شهر قال صاحب الديك: أيها الديك الآن إما أن تبيض كالدجاج، أو سأذبحك غداً! عندها بكى الديك وقال: يا ليتني مت وأنا أؤذن".

وأضاف يعقوب أن "سلسلة التنازلات عن المبادئ والقيم والأخلاق والدين تحت مسمى فقه الواقع" مكلفة وقاتلة، "وكما يقال: القرارات التي تصنعها الكرامة صائبة وإن أوجعت وإن الثبات على الدين وعلى المبادئ وعلى الأصول هي: النجاة والكرامة والعزة والحياة، وأما التلوم والتنازل والجبن فهي الإهانة والضياع".

تسبب المقال المذكور باندلاع حالة تلاسن واتهامات متبادلة بين سلفيي مصر، ما طرح تساؤلات حول سببه وتوقيته. فهل هو صراع على الزعامة وتصدر المشهد أم مجرّد تصفية لحسابات متأخرة؟ وهل يستغله النظام الحالي ويعمقه لضرب التيار السلفي؟

سلفيو القاهرة والإسكندرية

يختلف سلفيو القاهرة عن سلفيي الإسكندرية. التيار الأول من أهم رموزه الشيوخ محمد حسين يعقوب، ومحمد حسان، وأبو إسحق الحويني، ومحمود المصري، ومسعد أنور، وهم مجموعة دعاة فرديين كان أغلبهم يتخذ من قناة الناس منبراً له قبل أحداث الثالث من يوليو 2013، ويرفضون العمل الحزبي والمشاركة السياسية، ومواقف هذا التيار متصالحة مع النظام الحاكم، في أغلب الأوقات.

أما التيار الثاني، أي "سلفية الإسكندرية"، فهو بقيادة ياسر برهامي وهو الذراع الديني لـ"حزب النور". ورغم ممارسته للعمل الحزبي ومشاركته في السياسية، إلا أن مواقفه في مجملها متصالحة مع النظام.

التيارات السلفية بعيون الدولة

يردّ سامح عبد الحميد، أحد قيادات الدعوة السلفية وحزب النور، هجوم يعقوب إلى اتجاهات شرعية ومواقف نفسية، ويقول: "الشيخ يعقوب حسبها خطأ وكان عليه أن يقيس المصالح والمفاسد والواقع الحالي". فبرأيه، هاجم يعقوب الدعوة السلفية واتهمها بأنها تنازلت عن مبادئها بينما في الدعوة "علماء حكماء لهم خبرة في التعامل مع الأحداث وقد أحسنوا في تكييف الأمور".

وقال عبد الحميد لرصيف22 إن الدعوة السلفية عمل جماعي منظم له ذراع سياسي قوي وهو حزب النور وله جمعية رسمية تقدّم خدمات مختلفة، أما المشايخ الفرديون "فلهم فضل كبير ولكن مجهوداتهم محدودة مثل الدروس العلمية".

وأضاف أن "الدعوة السلفية داعمة للدولة المصرية ومؤسساتها، وحزب النور شارك في كتابة الدستور ودعم (الرئيس المصري عبد الفتاح) السيسي في انتخابات الرئاسة. أما المشايخ الفرديون فيختلفون حسب رؤية كل واحد منهم للأحداث".

لم يذكر يعقوب المقصود في مقاله. فلماذا اعتبر أبناء الدعوة السلفية أنهم المعنيون به، في ما يشبه قول المثل: "الذي على رأسه بطحة يحسس عليها". يجيب عبد الحميد: "لأنه يستخدم هذا الأسلوب معنا من مدة ويتكلم بهذا لطلبته وبعض تلامذته يتطاولون صراحة على الدعوة".

وعن موقف السلطة في مصر من التيارات السلفية، قال عبد الحميد إنها "تتقبل التيارات السلفية غير الصدامية ومَن يستطيع أن يتعايش مع التغيرات ويتكيف معها ويُعارض بطريقة بناءة".

برهامي... مايسترو الدعوة السلفية

يدافع القيادي السلفي محمود عباس عن الشيخ يعقوب، ويقول إنه تحدث عمّن يستخدم القواعد الفقهية في غير محلها وعمّن يتخذها وسيلة للتنازلات. وبرأيه، "إن أصحاب الدعوة السلفية ومن ورائهم حزب النور أكثر مَن قدم تنازلات باسم المصالح والمفاسد".

ويقول عباس لرصيف22 إن الهجوم على يعقوب يتم بتوجيه مباشر أو غير مباشر من برهامي، فهو "مايسترو تحريك الدعوة السلفية وحزب النور".

لكن لماذا صمت يعقوب وحسان والحويني عن حزب النور حتى الآن؟ هل كانوا يتبعون نفس القاعدة الشرعية في ذلك؟ يقول عباس إن هؤلاء الشيوخ ليسوا ملائكة وكان واجباً عليهم الصدع بالحق وبيان الأمور للناس لأن ما يسعهم لا يسع العوام من الناس والعكس.

وبرأيه، "قد يسع الناس السكوت في مثل هذه الأحوال أما العلماء فلا يسعهم السكوت فهؤلاء علماء وكان واجباً عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكنهم آثروا منهج السلامة بدلاً من سلامة المنهج".

ويضيف أن "القواعد الشرعية مثل المصالح والمفاسد وغيرها انتقدها الشيخ يعقوب، رغم أنه يتبع نفس هذه القواعد، وبالتالي فهو انتقد سكوته وسكوت غيره من الشيوخ على الظلم في النهاية".

فرصة الدولة للقضاء على التيار المشاكس

يشهد التيار السلفي في مصر صراعاً متواصلاً لأسباب عدة بينها حب الظهور على حساب الآخر، وشهوة الزعامة، فقد نشبت خلافات بين إسماعيل المقدم، أحد مؤسسي الدعوة السلفية وبين ياسر برهامي حول القيادة، وكذلك بين الأخير وبين سعيد عبد العظيم. وجميعهم ينتمون إلى تيار سلفي واحد. هكذا يفسر الباحث في شؤون الحركات الإسلامية هشام النجار طبيعة الخلاف بين السلفيين في مصر.

وعن موقف الدولة من هذا الصراع السلفي، قال النجار لرصيف22 إنها تستغله وتعمقه وهذا حقها لأنها تريد المحافظة على نفسها من تيارات غير مرحب بها، مبيناً أنها تتبع الأسلوب الناعم لتحجيم هذا التيار من خلال وزارة الأوقاف بمنعهم من الصعود على المنابر والقنوات في المناسبات، أو عبر إصدارها قوانين تحجم دورهم في الفتوى.

وفي هذا الإطار أتى مشروع قانون تنظيم الفتوى العامة، وكان الهدف الأساسي منه مواجهة فتاوى السلفية، حسبما أكد عمرو حمروش، أمين سر اللجنة الدينية في مجلس النواب. وبموجبه يحظر التصدي للفتوى في الأمور العامة إلا على هيئة كبار العلماء في الأزهر أو دار الإفتاء المصرية أو مجمع البحوث الإسلامية أو الإدارة العامة للفتوى بوزارة الأوقاف.

وأشار النجار إلى أنه حينما اتبعت الدولة هذا الأسلوب بين التيارات السلفية المختلفة، أي القضاء التدريجي عليها دون أن تظهر معادتها لها، وذلك عبر مختلف الوسائل الناعمة أمنياً، ودعوياً، واجتماعياً، تفرغ السلفيون لأنفسهم وترصدوا لبعضهم وهذا ما يفسر التصادم بينهم.

ولعل مقال الكاتب المقرب من النظام في مصر محمود الكردوسي المنشور على موقع الوطن تحت عنوان "كرباج: ديك الدعوة السلفية" كان معبراً عن موقف الدولة.

حمل المقال طابع الشماتة ومما جاء فيه: "اللهم اضرب السلفيين بالسلفيين. اندلعت مؤخراً معركة حامية بين الدعوة السلفية بالإسكندرية، والتي يتزعمها المخرف ياسر برهامي، وسلفيي القاهرة الذين يتزعمهم محمد حسين يعقوب... وما يهمني هنا أن السلفيين ‘وقعوا في بعض’، وهزيمة أي منهما أو كليهما مكسب لتيار الاستنارة في الدولة المصرية. فلندعُ جميعاً: اللهم شتّت شملهم".

موقف الإخوان من صراع السلفيين

لم تعلّق جماعة الإخوان المسلمين على هذا الصراع. وتحدث الدكتور محمود عطية، البرلماني السابق والقيادي في الجماعة، بصفته الشخصية لا الحزبية، ولخّص ما جرى بقوله إن "كلا التيارين صمت على الظلم"، مشيراً إلى أن "الدور جاء عليهم". وقال لرصيف22: "أكلوا يوم أكل الثور الأبيض"، وعاجلاً أو آجلاً سيقضى عليهم ويتم التخلص منهم.

وأضاف عطية أن "النظام غداً إذا ذبح هؤلاء لن يجدوا مَن يتعاطف معهم والنظام ينتظر هذه اللحظة بل ستجد كثيرين من الناس تشمت بهم".

النور يعرف كيف تؤكل الكتف

يشير الكاتب المهتم بشؤون الحركة الإسلامية منتصر عمران إلى أن "يعقوب الذي لم يُعرف عنه موقف واضح كان دائماً في المنطقة الرمادية وقد جانبه الصواب لأنه هاجم الشيخ ياسر برهامي الذي نجا بحزبه وقواعده من أتون معركة لا طاقة لهم عليها، والذي لم يقف في صف الإخوان وكأنه أمسك العصا من المنتصف"، وهو ما يراه عمران سياسة ناجحة.

وقال عمران لرصيف22: "لا أعلم لماذا اختار الشيخ حسين هذا التوقيت ليشن هذا الهجوم الشرس الذي أراه بدون أهداف واضحة"، معتبراً أن ما فعله حزب النور والدعوة بالإسكندرية هو الصواب، "ورأينا كيف وصل الحال بالإخوان ومَن ناصرهم من السلفيين أمثال محمد عبد المقصود" إلى التشتت خارج مصر، سواء في تركيا أو في السودان.

رصيف 22

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*