في الوقت الذي يركز فيه العالم على الأحداث المشتعلة في أماكن أخرى، فإن المغرب يعج بالاحتجاجات، وهي الاحتجاجات الأكبر منذ الربيع العربي في عام 2011.
هكذا افتتحت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تقريرها عن الأحداث الدائرة في المغرب الفترة الأخيرة، وأضاف التقرير:
»على مدى أسابيع، كان عشرات الآلاف من الناس من جميع أنحاء البلاد ينظمون مسيرات في مدينة الحسيمة، وهي مدينة على ساحل البحر الأبيض المتوسط في منطقة ريف الشمال، ضد الظلم والفساد. وفي أماكن أخرى بالمغرب، ظهرت مسيرات متضامنة مع تظاهرات الحسيمة. وتستخدم الشرطة، التي تفرض حظرًا على الاحتجاجات، حواجز الطرق والقنابل المسيلة للدموع والهراوات لمواجهة حشود المتظاهرين. وأُلقي القبض على أكثر من 200 شخص من بينهم قادة حركة الإصلاح الشعبية وصحافيون أيضًا.«
من بين الصحافيين الأجانب القلائل الذين قاموا بتوثيق التظاهرات على الأرض كان الصحفي الإسباني خوسيه كولون الذي نقل عنه تقرير الصحيفة الأمريكية شهادات توثق رؤيته لأحداث الحسيمة. المصور المستقل الذى يبلغ من العمر 42 عامًا وثق المواجهات بين شرطة مكافحة الشغب والشبان الغاضبين.
لم لا، وقد كشفت الاحتجاجات الأخيرة عن مشكلة أساسية في منطقة ريف، وفقًا لما نقله التقرير عن كولون الذي وثق قضايا اجتماعية وسياسية في شمال المغرب منذ أكثر من 15 عامًا. منطقة ريف ثارت مرارًا وتكرارًا ضد التمييز والاضطهاد الذي يتواجد منذ الاستعمار الإسباني ولم تتغير الأوضاع كثيرًا منذ ذلك الحين.
بحسب التقرير، وصل كولون إلى الحسيمة الشهر الماضي، عندما بدأت آخر موجة من الاحتجاجات، حيث توقفت خلال شهر رمضان بين مايو (أيار) ويونيو (حزيران). وقال إن الناس الذين يقابلهم «هم شعب سلمي يستقبل ضيوفه كما لو كانوا جزءًا من الأسرة». لكنهم يعانون من الإجهاد أيضًا، من عدم وجود أساسيات لمجتمع صحي – جامعة ومستشفى حديثة وفرص عمل. وأضاف كولون: «هذا نزاع يتقاتل فيه المجتمع من أجل الحقوق الأساسية«.
يذكر أن حركة الاحتجاجات في الحسيمة كانت قد أشعلتها حادثة طحن بائع سمك متجول، في الثلاثينيات من عمره، يدعى محسن فكري، في مساء الجمعة، 28 أكتوبر (تشرين الأول) 2016، حيث استوقفت الشرطة في المدينة فكري وألقته في شاحنة أزبال بغاية إتلاف كمية السمك المصادرة، فاندفع الشاب محسن غاضبًا، حسب شهود عيان، وقفز إلى داخل الشاحنة في محاولة منه لاسترجاع سمكه المصادَر، إلا أنه تم تشغيل محرك الشاحنة، من أجل شفط ما بداخلها، فابتعلت الآلة الشاب وطحنت عظامه، ليلقى حتفه فورًا.
وقد أشعلت حادثة الطحن التظاهرات في البلاد وأطلقت شرارة حركة العدالة الاجتماعية المعروفة باسم الحراك. في مايو (أيار) الماضي، بعد أن أخفقت الجهود الرامية إلى تشويه سمعة الحراك بقصص بثتها قنوات التلفزة المقربة للحكومة، في كبح جماح الحماس في تجمعات الحركة، اعتقلت السلطات قادة الحركة والصحفيين الموالين للحراك، متهمة إياهم «بتهديد الأمن القومي«.
وقال التقرير: «في الآونة الأخيرة، أصبحت حملات الشرطة أكثر عنفًا، وواجه البعض من الشباب هذا العنف بالعصي والحجارة. الأسبوع الماضي، ألقي القبض على رئيس تحرير صحيفة بارزة خلال الاحتجاجات. فيما أصدرت منظمة مراسلون بلا حدود إنذارًا يطالب بإطلاق سراح أي صحفيين محتجزين – أعداد الصحفيين المحتجزين غير مؤكدة – والتأكيد على عدم تعرض الأشخاص الموجودين على الأرض للإصابة أو الاعتقال من قبل الشرطة. وأثناء الاحتجاجات، تم إغلاق خطوط الإنترنت والهاتف، مما أدى إلى توقف البث المباشر«.
كولون – وهو مؤسس MeMo، وهي مجموعة وثائقية للتصوير الفوتوغرافي – يدرك أن الصراع في المغرب لم يستحوذ على اهتمام العالم، أو وسائل الإعلام. وقال إنه «نزاع آخر منسي لا تريد وسائل الإعلام الدولية والمحلية الاهتمام به. هناك أوقات إذا لم يحدث فيها شيء دراماتيكي، لا أحد يهتم!«.
وخلال الاحتجاجات، قال إنه نادرًا ما يصادف مصورًا آخر. وعلى الرغم من اللامبالاة العامة، أو بسبب ذلك، فإنه يخطط لتوثيق هذه الحركة الاجتماعية والسياسية الأخيرة طالما استمرت. إن سرد القصص التي لم يتم الإبلاغ عنها عن النضال والمقاومة يجسد لماذا أصبح مصورًا وثائقيًا: «لنشر المعلومات، مع المساهمة في التغيير الاجتماعي المحتمل«.
وقال كولون: «أنا أحب أن أرى كيف تبدأ القصة. هذه ليست سوى البداية. لسوء الحظ، فإن هذا الوضع، أعتقد أنه لن يتوقف. عاجلًا أم آجلًا، يجب على المغرب أن يتخذ خطوات لتغيير اجتماعي أكثر«..