الفن النظيف وتسويق الفشل - مقالات
أحدث المقالات

الفن النظيف وتسويق الفشل

الفن النظيف وتسويق الفشل

مؤمن سلاّم:

 

حضرت حفل توقيع لإحدى الروايات بمكتبة الإسكندرية، والتي يصنفها كاتبها أنها من الأدب الإسلامي أو الأدب النظيف، وعندما سأله أحد الحضور عن معنى أدب إسلامي قال أنه الأدب الذي لا يخجل أن تقرأه أمه أو أخته أو زوجته أو ابنته. فسألته أنا إذا أنت لا تسمح لهم بقراءة كتب تفسير القرآن؟ فاستغرب من السؤال، فقلت له أن في كتب التفسير أحاديث عن الجنس ووصف الحور العين لو قيمناها بمعيارك لصنفناها على أنها أدب غير إسلامي وغير نظيف، فهل قرأت على سبيل المثال تفسير (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) فأحمر وجهه وابتسم وصمت.

ولأننا أمة لا تقرأ حتى في الدين الذي ندعي تمسكنا به فإن الكثير منا لا يعرف أن الفقهاء والمفسرين لم يضعوا يوما حدا على تفكيرهم والتعبير عن آرائهم فيما يتعلق بأمور الجنس والجسد بشكل عام.

فهذه الآية تحديدا أثارت جدلا واسعا بين المفسرين حول المقصود منها وإذا كانت تبيح نكاح الدبر أم لا، ونجد أيضا حوارا بين المفسرين والفقهاء حول أدق تفاصيل العملية الجنسية دون خجل أو ادعاء تقوى أو ورع كما يفعل دعاة الإسلام السياسي وبعض أتباعهم من السذج. كذلك، نجد أن هؤلاء الفقهاء والمفسرين لم يجدوا مشكلة في التعامل مع جسد الإنسان رجل كان أو امرأة والذي يتضح تماما في وصفهم للحور العين بالجنة هذا الوصف الجسدي الحسي. ولا ننسى أنهم أفتوا بأن عورة الجارية مثل عورة الرجل وبهذا كان طبيعيا أن يرى الرجال نساء عاريات الصدور في الطرقات أو في المنازل، وكذلك النساء يرون الرجل في الطرقات في مجرد إزار يستر عورتهم من السرة إلى الركبة على الأكثر.

إذاً فنحن أمام فكر ديني لم يرى أبدا في جسد الإنسان مشكلة ولم يتعامل معه على أنه رجس من عمل الشيطان يجب عدم الحديث عنه أو وصفة أو تصويره. فما هي قصة الفن الإسلامي إذاً أو الفن النظيف؟

هذا المصطلح الفن الإسلامي أو الفن النظيف ما هو إلا أحد بدع التيار الإسلامي الذي خرج علينا بمجموعة من المفاهيم والمصطلحات ما أنزل الله بها من سلطان ولا جاء بها قرأن ولا سنة مثل الحكم الإسلامي والاقتصاد الإسلامي وأسلمة العلوم في محاولة لبناء أيديولوجية إسلاموية متكاملة أثبتت التجارب تفكك وضعف هذا البنيان الأيديولوجي لأنه ببساطة يقوم على القص واللزق من الأيديولوجيات الأخرى سواء كانت ليبرالية أم يسارية، وعلى لوى عنق النصوص الدينية حتى تتم عملية أسلمة هذه الأفكار والآراء.

ونحن عندما ندقق فيما يسمى الفن الإسلامي أو الفن النظيف سنجد أنه ليس بفن ولا أدب. فنحن دائما نجد أنفسنا أمام نصوص أدبية أو أعمال فنية تقوم على الخطابة والوعظ تخلو من أي أبداع أو فن، تجعل الإنسان يشعر بالملل بل والقرف من متابعة القراءة أو المشاهدة. فأحد المشاهد التي لا أنساها وكانت كاشفة لمدى فشل هذا الذي يسمى فن نظيف مشهد من مسلسل الفنار الذي أذيع من عدة سنوات في رمضان. صابرين الممثلة المحجبة يعود والدها المناضل بعد سنوات من الغياب في سجون عبد الناصر، وما أدراك ما سجون عبد الناصر، هذا مشهد يتوقع الجميع أن يرى فيه لقاء حميم مليء بالشجون والفرح يتضمن عناق حار بين الأب العائد والابنة الحزينة المنتظرة لهذه اللحظة منذ سنوات، ولكن هذا لم يحدث فقد خرج لقاء فاتر اكتفت الممثلة المحجبة فيه بوضع يدها على كتف أبيها العائد وهو كذلك يضع يده على كتفها، وبهذا تم تدمير المشهد والقضاء على تعايش المشاهد مع القصة.

فكرة الفن النظيف هي مثل كل دعاوى الاسلامجية غطاء لتمرير الفاشلين ومحاولة إنجاحهم باستخدام الشعارات الدينية والأخلاقية لأنهم يعلمون أن في دخولهم في منافسة حقيقية مع المبدعين والفنانين الحقيقيين سيكون مصيرهم الاختفاء والموت الفني. الفن الإسلامي تماما مثل البنوك الإسلامية محاول للخروج من إطار منافسة السوق لتحقيق أرباح مادية أو شُهرة لم تكن لتتحقق في ظل منافسة السوق المصرفي، في حالة البنوك، أو السوق الفني في حالة الفن والإبداع.

لقد أن الأوان أن ينتهى هذا الدجل وأن نعود إلى مفاهيم الفن والإبداع الراسخة منذ زمن بعيد، إبداع بلا حدود وفن بلا قيود، حان الوقت ليتصالح الناس وعلى رأسهم الفنانين مع أجسادهم ويعلموا أن لا علاقة للدين بالأمر فما هي إلا عقد نفسية وتأثر بفقه القُبح الأتي من صحراء الدرعية بالجزيرة العربية باسم الدين. حان وقت العودة للفنون التي طمسها الإسلام السياسي باسم الدين، فنون البالية والنحت ورسم الأجساد وكل الإبداعات الأخرى، وتكون المعايير الفنية والإبداعية هي الحكم الوحيد بين الفن والإبداع الجيد والفن الرديء واللا إبداع، بعيدا عن التقييمات الدينية والفن النظيف والغير نظيف، بهدف تمرير أنصاف الفنانين وأنصاف المبدعين لعل مصر تعود لريادتها الثقافية والفنية في المنطقة، فتستعيد مصرقوتها الناعمة

صفحة مؤمن سلام

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*