مترجم: من حركة إسلامية إلى ميليشيا ضد الديمقراطية في إندونيسيا.. كيف حدث ذلك؟ - مقالات
أحدث المقالات

مترجم: من حركة إسلامية إلى ميليشيا ضد الديمقراطية في إندونيسيا.. كيف حدث ذلك؟

مترجم: من حركة إسلامية إلى ميليشيا ضد الديمقراطية في إندونيسيا.. كيف حدث ذلك؟

كاتب: STEPHEN WRIGHT

مصدر: When disaster hits, Indonesia’s Islamists are first to help

 

تَضُمُّ إندونيسيا، البلد الإسلامي الأكبر في العالم من حيث عدد السكان، الكثير من الحركات الإسلامية المختلفة التي تُؤدِّي الكثير من الأدوار داخل المُجتمع. وتُعَدُّ «الجبهة الدفاعية الإسلامية» واحدةً من تلك الحركات الإسلامية التي بدأت تكتسب ثقةً شعبية كبيرة، وهي المسألة التي تناولها ستيفن رايت في تقريره الذي أعدَّه لوكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية.

وأورد التقرير أنَّ العلمين المُعلَّقين خارج منزل أنور رجاء، تسبَّبا في حصوله على إنذاراتٍ من الشرطة، لكن الرجل النحيل صلب البنيان، البالغ من العمر 50 عامًا، أقسم على عدم إنزال العلمين؛ لأنَّ الشرطة لم تكن موجودةً لمساعدته حين كان الصياد الوحيد في قريته الذي نجا من إعصار تسونامي الذي ضرب مدينة بالو الإندونيسية في الـ28 من سبتمبر (أيلول) الماضي، ولم تُساعده الحكومة أو حتى منظمات الإغاثة التي اجتاحت المدينة المنكوبة.

وحين شعر رجاء بأنه قد تُرك وحده، كانت «الجبهة الدفاعية الإسلامية» هي من منحه بصيصًا من الأمل في صورة قاربٍ جديد. وهي المجموعة التي وصفها التقرير بأنَّ لها ماضٍ مشين، يشمل اجتياح مكاتب مجلة «بلاي بوي»، وتدمير المتاجر التي تبيع المشروبات الكحولية، ومهاجمة طوائف الأقليات المسلمة.

وأفادت «أسوشيتد برس» أنَّ هذه هي الأسباب وراء رفرفة علم الجبهة ذي اللونين الأخضر والأبيض خارج منزل رجاء، وإلى جانبه لافتة سوداء عليها كتابات عربية باللون الأبيض. وتُمثِّل تلك الكلمات المكتوبة على اللافتة إقرارًا واضحًا بالإيمان بالعقيدة الإسلامية، غير أنَّ اللافتات المُشابهة صارت مرتبطةً بالتطرُّف العنيف.

وأوضح التقرير أنَّ «الجبهة الدفاعية الإسلامية» ظلت تضغط على مدار عقدين من الزمن – منذ تأسيسها – من أجل فرض الشريعة الإسلامية داخل البلد الذي يضم 230 مليون مسلم؛ وذلك بهدف تصحيح ما تراه أخطاء في دستور إندونيسيا لعام 1945 الذي أسَّس للدولة العلمانية والحريات الدينية.

ويتجاهل البعض الجبهة باعتبارها جماعةً هامشية عادةً، بحسب التقرير، لكنها أحرزت انتصارات سياسية مُذهلة مُؤخرًا. ويرى رايت أنَّ أحد أسباب ذلك هو انتشار الإسلام الشرق أوسطي التقليدي في إندونيسيا. ويرجع نجاح الجبهة على مدار السنوات العشر الماضية أيضًا إلى أنَّها رفعت كفاءة ميليشياتها في مُساعدة الفقراء والبحث عن ضحايا الزلازل، لتُعادل كفاءتها في إثارة الرعب.

تاريخ الجبهة

يقول الباحثون: إنَّ الجبهة تكونت على يد عناصرٍ من الجيش عقب سقوط الديكتاتور سوهارتو عام 1998، بحسب «أسوشيتد بريس»، وذلك بوصفها جبهةً لمُواجهة الليبرالية والنُشطاء المُؤيِّدين للديمقراطية.

وأوضح التقرير أنَّ الجبهة اشتهرت بعصابات الحماية التابعة لها وممارستها أعمال القصاص العنيفة من المدنيين، مُعتمدةً على حصانتها القانونية. وتمتلك الآن فروعًا داخل 23 من أصل 34 مقاطعة، إلى جانب هيكل قيادة شبه عسكري يصل إلى مستوى القرية.

ونقل التقرير عن مامان سريادي عبد الرحمن، قائد ميليشيا «جنود الدفاع الإسلامي» التابعة للجبهة، قوله: «إنَّ الجبهة لديها ملايين الأعضاء». لكن الباحثين يقولون: «إنَّ حجم أعضائها أقل من ذلك بكثير، مع الإشارة إلى أنَّ أعدادهم تُقدَّر بعشرات الآلاف».

ولا تقترح الجبهة تحويل إندونيسيا إلى دولة خلافة، لتجنُّب الصدام المباشر بالدستور الإندونيسي القائم على القانون المدني من وجهة نظر رايت. وتقول الجبهة بدلًا عن ذلك: إنَّها ترغب في تطبيق الشريعة الإسلامية على التسعة المُسلمين من أصل كل 10 مواطنين في إندونيسيا. وتظهر الشخصيات البارزة في الجبهة مُرتديةً علم إندونيسيا الأحمر والأبيض فوق زيِّها الرسمي، وتتحالف عادةً مع الأهداف شديدة القومية.

وواصل التقرير الإشارة إلى تصريحات عبد الرحمن الذي قال: «هدفنا هو أن تُصبِح إندونيسيا، ذات الأغلبية المُسلمة، مُتديِّنةً وخاليةً من الفجور. نُريد بلدًا إسلاميًا، وليس دولةً إسلامية؛ لأنَّ الدولة الدينية ستؤمِّن للشعب العدالة الاجتماعية».

وتقول الجبهة إنَّها خفَّفت أساليبها، ولكنَّها ما تزال مُضطلعةً بما أسمته «أمراض المجتمع»، مثل: الدعارة، والمثلية الجنسية، والاحتفاء بالأعياد الغربية. وهي تفعل ذلك بناء على طلبٍ من المجتمعات المحلية. وأضاف عبد الرحمن: «حاولنا تحسِّين صورتنا. وغيّرنا أساليب تظاهرنا لتكون أكثر إقناعًا وسلمية».

ويرى رايت أنَّ الجبهة بذلك تسير على خُطا الحركات الأكثر تحفُّظًا داخل إندونيسيا، مثل «حزب التحرير» الذي سعى لإقامة دولة الخلافة قبل حظره العام الماضي. واعتنقت كافة تلك الحركات العمل الخيري، لتملأ الفراغ الذي تركته الحكومة والمُنظمات الإسلامية السائدة.

وقال أليكساندر أريفيانتو، الخبير السياسي الإندونيسي في مدرسة إس راجاراتنام للدراسات الدولية بسنغافورة: «إنَّ الحركات الإندونيسية نسخت نموذج جماعة (الإخوان المسلمين) المصرية التي كانت رائدةً في الأعمال الخيرية الإسلامية خلال السبعينات والثمانينات، واكتسبت شهرةً واسعة. فضلًا عن تركيز حركات، مثل حماس (فلسطين) وحزب الله (لبنان)، على الخدمات الاجتماعية بصفتها وسيلةً لكسب قلوب وعقول الجماهير».

وأوضح عبد الرحمن أنَّ نقطة التحول لدى الجبهة كانت استجابتها الإنسانية لحادثة تسونامي المحيط الهندي عام 2004، بحسب التقرير، والتي أدَّت إلى مقتل 100 ألف شخص في مقاطعة آتشيه الإندونيسي. ولكنه أوضح أنَّ المُواطنين لم يُرحبوا بهم في البداية، حتى داخل آتشيه، واحدةٌ من أكثر المقاطعات تحفُّظًا داخل إندونيسيا. لكنهم استمروا في جهودهم واكتسبوا ثقة مواطني آتشيه بعد أنَّ أقاموا مراكز للقيادة هناك، وتمكَّنوا من استعادة ودفن آلاف الجثث. وأصبحت الجبهة الآن «مقبولةً بين الناس بشكلٍ مُتزايد»، على حدِّ تعبيره.

الجهود الإنسانية للمجتمع في إندونيسيا

أفادت «أسوشيتد برس» أنَّ «الهلال الأحمر الإندونيسي»، الذراع الإنساني للجبهة الذي ليس جزءًا من جمعيات الهلال الأحمر، أو الصليب الأحمر الدولية، كان مُنشغلًا للغاية على مدار العام الماضي؛ إذ أودى إلى زلزال وإعصار تسونامي مدينة بالو بحياة أربعة آلاف شخص، إلى جانب سلسلة الزلازل التي قتلت المئات ودمرت آلاف المنازل في مدينة لومبوك، فضلًا عن إعصار تسونامي الذي ألحق الدمار بسواحل مضيق سوندا الواقع بين جزيرتي جاوة وسومطرة.

وذكر التقرير أنَّ الجبهة تواجدت للمساعدة في كل كارثةٍ وقعت من أجل البحث عن الضحايا، وتوزيع المساعدات، وبناء المنازل المؤقتة والمساجد الجديدة. إلى جانب أنَّ أنشطتها الخيرية المُعتادة، مثل الرعاية الصحية المجانية، أصبحت بمثابة شريان حياةٍ للفقراء في المدن.

وأوردت الوكالة الأمريكية أنَّ إندونيسيا هي عبارةٌ عن أرخبيلٍ ضخم يضُمُّ أكثر من 17 ألف جزيرة، وتُتهم حكومتها المركزية بإهمال حاجات المناطق البعيدة عن مركز القوة السياسية والاقتصادية في جاوة. وأدَّى ذلك الإهمال إلى فتح الباب أمام المُتشدِّدين لإيصال رسالتهم بأن الدين هو الحل وليس الحكومة – وذلك داخل مُقاطعةٍ مثل سولاوسي الوسطى، التي لها تاريخٌ دموي من العنف الطائفي.

وذكر التقرير تصريحات الجبهة التي تقول إنَّها وفَّرت 350 طنًا من المُساعدات الإنسانية في بالو، وأفاد رايت أنَّ ذلك الرقم لا يُمثِّل سوى جزءٍ ضئيل من المساعدات التي وصلت إلى المنطقة، لكن مُساعدات الجبهة كانت سريعةً وأكثر انتشارًا.

وأشارت الوكالة أيضًا إلى الشاحنات المُحملة بالأرز وغيرها من المساعدات التي أرسلتها الجبهة، وكانت في طريقها إلى بوسو جنوب شرق بالو بالفعل، في حين كان المسؤولون ما يزالون متخبطين في محاولتهم التعامل مع الكارثة.

وسارع فريق البحث والإنقاذ التابع للميليشيا إلى تمشيط مجاورتين ابتلعهما الزلزال، بحسب التقرير، ونجح في استعادة الجثث قبل ظهور «وكالة البحث والإنقاذ الوطنية» التابعة للحكومة. وحين وصلت الوكالة الحكومية أخيرًا، قابلتها أفراد الأسر المنكوبة بغضب مُطالبين بمعرفة أسباب تأخُّرهم. والسبب هو أنَّ جهود المسؤولين في البحث تركَّزت على الفنادق أولًا.

وقال محمود خيم الدين، سكرتير الجبهة في سولاوسي الوسطى: «كان اليوم الثامن هو الأسوأ؛ إذ ازدادت الرائحة الكريهة المُنبعثة من الجثث، وبدأت التربة في التصلُّب».

ويرى رايت أنَّ تعليق الحكومة على صور مُنقذي الجبهة افتقر إلى المهنية؛ إذ وصفتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بأنَّها خُدعة، ولكن يبدو أنَّ الوزارة لم تعلم أنَّ وكالة البحث والإنقاذ وفَّرت التدريب لأفراد الجبهة.

نهايةٌ سعيدة لرجاء

أفادت «أسوشيتد برس» أنَّ جهود الجبهة لم تتراجع داخل بعد الأيام الأولى للكارثة. لدرجة أنَّ رجاء ارتاب حين زار بيته رجلان من الجبهة بعد مرور ثلاثة أشهرٍ على الكارثة، وعرضا عليه قارب صيدٍ جديد هو واثنين من الصيادين.

وقال رجاء: «طوال ذلك الوقت كُنت أتلقى عُروض مُساعدةٍ مُماثلة من مُختلف المنظمات الحكومية وغير الحكومية، ولكنها كانت مُجرَّد وعود». ولكنه أضاف، بحسب تقرير الوكالة، أنَّ الرجلين عادا في اليوم التالي وطلبا عددًا من القوارب من رجلٍ يقوم بصناعتها، ودفعا له المال ثمنها. وتابع: «لقد بكيت. أردتُ أن أنحني لهما شاكرًا».

وذكر التقرير أنَّ الشرطة زارت منزله عدة مرات؛ مُرتابة في أنَّه قد ينشر الفكر التطرف. لكن رجاء لم ينزعج من ذلك، وما يزال يرفع علم الجبهة بكل فخر.

النفوذ السياسي

أوضحت «أسوشيتد برس» أنَّ النفوذ السياسي المُتزايد للجبهة تجلَّى بين عامي 2016 و2017، حين حشدت مئات الآلاف للاحتجاج ضد الحاكم المسيحي للعاصمة جاكرتا. وهُزِمَ الحاكم، الذي كان مُواليًا للرئيس جوكو ويدودو، وسُجِنَ بتُهمة الكفر.

ودعمت الجبهة الجنرال السابق برابو سوبيانتو في الانتخابات الرئاسية التي أقيمت في شهر أبريل (نيسان)، بحسب التقرير. وفاز سوبيانتو بأغلبيةٍ ساحقة داخل المقاطعات المُحافظة دينيًا، لكن ويدودو أُعيد انتخابه إثر فوزه بأصوات ائتلافٍ من الناخبين المُعتدلين والأقليات.

وعانت الجبهة انتكاسات أخرى، بحسب التقرير، ومنها هروب زعيمها رزق شهاب إلى المملكة العربية السعودية في عام 2017 لتجنُّب الاعتقال بتُهم الإباحية التي زعم أنَّها مُلفَّقة. ووقَّع نصف مليون شخص على عريضةٍ إلكترونية تُطالب الحكومة بحرمان الجبهة من وضعها القانوني.

ووصف بهتيار، المُتحدِّث باسم وزارة الداخلية، الذي يستخدم اسمًا واحدًا فقط، الجبهة بأنَّها مُتورِّطة في «ممارسات قذرة». وأضاف – بحسب التقريرأنَّ القانون يُلزِمُ المنظمات المنخرطة في الأنشطة الاجتماعية والإنسانية بعدم التدخُّل في السياسة. مُتابعًا: «الإندونيسيون أصبحوا أكثر ذكاءً الآن. ولم يَعُدُ هناك مجالٌ للاختباء وسط عصر الانفتاح الحالي».

ترجمة ساسة بوست

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*