الشيعة والسنة: هل من مبرر لكل هذا الكره؟ - مقالات
أحدث المقالات

الشيعة والسنة: هل من مبرر لكل هذا الكره؟

الشيعة والسنة: هل من مبرر لكل هذا الكره؟

علي أديب:

 

كلمتان شائعتان في حياتنا العربية، لا تضاهيهما أيّة كلمات أخرى في تأثيرهما على مجريات الأمور السياسية والاجتماعية والدينية. تحت شعارات الدفاع عنهما أريقت، ولا تزال تراق، دماء غزيرة في بلداننا التي اجتاحها وباء العصر: الطائفية. يكفي أن تتلفظ بهما لتتلظى الوجوه غضباً، ويندفع الكلام من الأفواه تكفيراً للآخر وإلغاءً لفكره. ولكن، بعيداً عن التشنج والتحزب العاطفي الموروث، ما هي المساحة الحقيقية للخلاف والاتفاق بين السنّة والشيعة؟

اختلف الشيعة في نقطة البداية للافتراق السني الشيعي في التاريخ الإسلامي. فمنهم من يقول إنه بدأ مع وفاة النبي، ومنهم من يؤخره إلى حين واقعة كربلاء واستشهاد الحسين بن علي على أيدي الأمويين ويعتبره إعلاناً لظهور مذهب التشيع الذي تطور فقهياً منذ ذلك الوقت ليصل إلى ما نحن عليه الآن.

وأياً تكن نقطة البداية، فالثابت لدى الجميع أنه لم تكن هناك فرق أو مسميات في عصر النبي، ولا مذاهب إسلامية متعددة في عهد الخلفاء الراشدين. وحين يعود المرء إلى الماضي ليفهم الأحداث التي قسمت المسلمين إلى شيعة وسنة، وإلى فرق ومذاهب أخرى بعضها اختفى وبعضها لا يزال موجوداً كالإسماعيلية والزيدية والأباضية، نرى أن الجانب السياسي في ظهورها طاغٍ لا يمكن تجاهله.

وقفت فرق الشيعة في التاريخ الإسلامي في صف المعارضة للحكام الأمويين والعباسيين ومن تلاهم وصولاً إلى الدولة العثمانية. في المقابل، استعمل كل فريق الخلاف المذهبي لتوطيد الحكم وتوسيع النفوذ. وفي تلك الفترات الزمنية وبعقلية الصراع الديني-السياسي كُتبت أغلب الأدبيات التي يستعملها الطرفان مراجع لهم الآن. وعليه، يمكن أن نفهم لماذا يستمر هذا الاشتعال الطائفي الفكري حتى القرن الواحد والعشرين. فالصراعات السياسية في وقتنا الحالي يتم إخراجها للرأي العام على أنها دفاع عن صحيح الدين ضد المبتدعين من أبناء المذهب الآخر. ورجال الدين من الطرفين أسرى لتلك الأدبيات التي تحولت إلى أحافير فكرية عتيقة لا يستطيع أحد الخروج عليها وتحطيمها.

واللافت أن هناك جهلاً غير مبرر من الطرفين باعتقادات الطرف الآخر. فحين نبحث في غوغل عن السنة والشيعة، نقع على كتابات الكراهية المبنية على الجهل. فالسنة يلعنون الشيعة لأنهم يقولون بتحريف القرآن، ويؤلهون أئمتهم ولغيرها من التبريرات التي تحض على الكراهية. وهذا ببساطة شديدة غير صحيح إن نحن عدنا إلى مصادر المعلومات الدقيقة. فالشيعة لا يعترفون بأي قرآن آخر. كما أن عقيدتهم في الأئمة المعصومين، وإن كانت محل خلاف، ليست بالشكل الذي يصوره دعاة الفتنة.

وعلى الجانب الآخر، نجد موروث الكراهية تجاه الصحابة طاغياً على تعليقات العامة من الشيعة ممن تلقفوها من أدبيات قديمة كتبت هذا الكلام لتبني سداً طائفياً يحمي النفوذ السياسي لدولها آنذاك. وما يقوله بعض الشيعة من قدح في الصحابة لا يلتفت لفتاوى مراجع الشيعة المعتبرين مثل آية الله خامنئي والمرحوم آية الله محمد حسين فضل الله في تحريم النيل من الصحابة وأمهات المؤمنين. كما أن هناك افتراضاً خاطئاً بأن السنة اليوم هم "أمويون" يكرهون آل البيت وينكرون فضلهم.

في كل الأحوال لا يبحث إلا القلة عن نقاط الاتفاق. فكل التركيز في معظم ما نقرأه هو حول الاختلاف الذي لو نظرنا له بعين فاحصة لوجدناه يتقزم أمام ما بين الطائفتين من اتفاق.

فعلى سبيل المثال، فإن الحديث عن ولاية علي بن أبي طالب وحقه في الخلافة وعصمة أبنائه الأئمة وصولاً إلى المهدي المنتظر في الفكر الشيعي، هو قناعة فكرية وخلاف تاريخي لا أثر له على حياتنا المعاصرة ولا على جوهر الدين في المعاملة بين البشر على أسس من العدالة والمساواة والتراحم. فما هو أثر الإيمان بأفضلية علي بن أبي طالب أو أبي بكر في التعامل بأمانة مع الآخرين، وأداء الفروض من صلاة وزكاة، والتراحم والقول الحسن ومحبة الآخر؟

"إن مخالفة المذهب ليست مخالفة لواقع الإسلام وحقيقته، بل لصاحب المذهب، وبالأصح للصورة الذهنية التي تَصوّرها عن الإسلام". هذا القول البليغ في دلالته أورده الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه "الفقه على المذاهب الخمسة". وقد يدهش الكثيرون حين يطلعون على هذا الكتاب ويرون أن مواقع الاتفاق بين المذاهب السنية الأربعة والمذهب الجعفري الإثني عشري أكثر بكثير مما يظنون. فالمتصفح لأحكام العبادات والمعاملات في هذا الكتاب يجد أن الشيعة يتفقون مع هذا المذهب السني أو ذاك في قضية ما في كثير من الأحيان، أو يتفردون أحياناً بحكم معين بناء على تفسير مختلف أو لأنهم يستعملون طريقة أخرى في استنباط الحكم. وفي كل الأحوال، يرى القارئ لهذه الفتاوى أن مساحة الخلاف أضيق جداً مما يصوّره لنا واقع الصراع المذهبي في حياتنا اليوم.

وتصديقاً لهذا فإن الاعتقاد بإمامة علي هو من ضرورات المذهب ولكنّه لا يُخرج مَن لا يعتقد به من الملة، كما أكّد الراحل محمد حسين فضل الله. علماً أن الاعتقاد بإمامة علي وأبنائه لا تخرج الشيعة من الملة كما قال الشيخ علي جمعة، مفتي مصر الأسبق.

نعم، هناك نقاط خلاف بين الطرفين، وليس الغرض هنا إلغاءها وتجاوز الواقع. ولكن الغرض هو وضعها في حجمها الطبيعي الذي يجعلنا، إن نحن قرأنا المعلومات من مصادرها الصحيحة، ندرك كم من الوقت نهدره في كراهية غير مبررة، وتشاحن لا نتيجة له سوى ترسيخ الفرقة وإذكاء صراع عبثي لا طائل من ورائه.

إن الاعتقاد بأن الجدل في مثل هذه الأمور العقائدية هو جدل علمي يستند إلى منطق وأدلة ثابتة هو وهم مطلق. فالانتماء الديني والمذهبي أمر تحدده عوامل التنشئة والبيئة ويصبح مع الوقت جزءاً من انتماء الانسان وهويته. وهكذا، فإن دليل كل شخص على صحة موقفه من أمر خلافي لا تحدده الأدلة التي بين يديه بقدر ما يحدده مسبقاً ولاؤه لجذوره الاجتماعية وتنشئته الفكرية والدينية.

فلا السني سيتخلى عن نظرته التوقيرية للخلفاء الراشدين، ولا الشيعي سيتخلى عن اعتقاده بأفضلية علي بن أبي طالب وإحياء مراسم عاشوراء التي ارتبطت في عقله بجذور الطفولة والانتماء العائلي. إن المشكلة الحقيقية عندنا تتلخص في أننا أسرى الماضي، وفي النتيجة لا نزال متأخرين عن العالم في ممارسة مفهوم تقبل الآخر.

إننا نمارس سلطة غير مبررة في محاولة تغيير الآخر ليصبح مثلنا، وهذا لن ينجح يوماً بل سيبقينا في دائرة صراع عقيم لا معنى له حول أحداث تاريخية لا تمت لعصرنا بصلة. ومن الحكمة أن ننظر إلى المشتركات وحقيقة أننا شركاء في صميم عقيدة الإسلام، وما عدا ذلك من خلافات في الفروع ينبغي اعتباره أمراً طبيعياً يفرضه اختلاف الرؤى.

رصيف 22

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث